متقدم

فهرس الكتاب

 

زكاة الأوراق المالية

إن الأوراق المتعامل بها هي بمثابة النقود من الذهب والفضة على حد سواء في سائر أحكامها من زكاتها وغير ذلك.

وإنما سميت الزكاة زكاة من أجل أنها تزكي المال أي تنميه وتنزل البركة فيه حتى في يد وارثه كما أنها تزكي إيمان مخرجها من مسمى الشح والبخل وتطهره. يقول الله تعالى: ﴿خُذۡ مِنۡ أَمۡوَٰلِهِمۡ صَدَقَةٗ تُطَهِّرُهُمۡ وَتُزَكِّيهِم بِهَا [التوبة: 103]. وقد صارت الأوراق المتعامل بها من أنفَس أموال التجار.

إن حكمة التشريع توجب الاحتفاظ بحق الفقير في ضمن الاحتفاظ بمال الغني؛ لأننا نجد البنوك مكدسة بالأوراق المالية وديعة للناس وبعضهم يحتفظ بماله في خزانة بيته وتبقى السنين الطويلة لا يؤدى منها الحق الواجب عليه من زكاتها.

وزكاة الأوراق هي بمثابة زكاة النقود من الذهب والفضة، فمتى ملك الإنسان من هذه الأوراق ما يقدر بمائتي ريال وحال عليها الحول وجب عليه فيها الزكاة ثم يجري الحساب على ذلك في أربعمائة عشرة ريالات وفي أربعة آلاف مائة ريال وفي أربعين ألفًا ألف واحد.

فحكم الورق المالي حكم الذهب والفضة في الزكاة؛ لأنه يتعامل بها كالنقدين تمامًا وعليها يحمل قول النبي ﷺ في الحديث الصحيح، قال: «لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ يَأْتِي وَعَلَى رَقَبَتِهِ رِقَاعٌ تَخْفِقُ، فَيَقُولُ: يَا مُحَمَّدُ أَغِثْنِي، فَأَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ»[41]، والرقاع: هي الأوراق المتعامل بها على اختلاف أجناسها.

ومن له وديعة نقود في البنك أو عند تاجر من التجار، فإنه يجب عليه زكاتها عند رأس الحول، سواء زكاها من الوديعة نفسها أو من النقود التي معه لكون الزكاة تجب في الذمة، فهؤلاء الذين يودعون النقود في البنوك ثم لا يؤدون زكاتها هم آثمون عاصون، وجدير بهذه النقود التي لا تؤدى زكاتها أن تنتزع منها البركة ويحل بها الشؤم والفشل ويحرم صاحبها من الانتفاع بها في الدنيا ويعذب بها في الآخرة، لأنها ما بقيت الزكاة في مال إلا أهلكته وكل ما لا تؤدى زكاته فإنه يعذب به ﴿يَوۡمَ يُحۡمَىٰ عَلَيۡهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكۡوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمۡ وَجُنُوبُهُمۡ وَظُهُورُهُمۡۖ هَٰذَا مَا كَنَزۡتُمۡ لِأَنفُسِكُمۡ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمۡ تَكۡنِزُونَ ٣٥ [التوبة: 35].

أما الأسهم في الشركات كشركة الأسمنت وشركة الكهرباء وشركة الأسمدة وشركة الملاحة وسائر الشركات، فإنه يجب فيها على صاحبها الزكاة عند رأس كل حول، بحيث يخرج زكاة رأس ماله بالغًا ما بلغ، وإذا تحصل فيما بعد على شيء من الربح زكاه من حين يقبضه؛ لأن ربح التجارة ملحق بالتجارة.

وإن كانت قيمة الأسهم منخفضة عن رأس المال لكساد الشركة، بحيث إن سهم الألف لا يساوي في السوق إلا تسعمائة، فإنه يخرج زكاة تسعمائة فقط ويجري الحساب على ذلك.

والعقار قد أصبح في هذا الزمان من أنفَس مال التجار وأخذ الناس يصرفون جل أموالهم في بناء العقارات كأنهم رأوها أنفع لهم وأحفظ لمالهم، حتى إن أحدهم ليؤجر العمارة الواحدة بمائة ألف وأكثر وأقل، وما كان شرع الإسلام المبني على حفظ مصالح الخاص والعام ليهمل هذا المال الكثير بدون إيجاب حق فيه للمسكين والفقير، والله تعالى يقول: ﴿خُذۡ مِنۡ أَمۡوَٰلِهِمۡ صَدَقَةٗ تُطَهِّرُهُمۡ وَتُزَكِّيهِم بِهَا [التوبة: 103]. مع العلم أن الفقراء هم شركاء الأغنياء في قدر الحق الذي أوجبه الله في مالهم، والنبي ﷺ أمر أن نخرج الصدقة من الذي نعده للبيع، وما أعد للكري فهو بمثابة ما أعد للبيع والشراء أشبه بالحلي المعد للكرى، فإن فيه الزكاة بإجماع العلماء.

ولسنا نقول بوجوب تثمين العقار وإخراج الزكاة حسب ما بلغت قيمته كعروض التجارة، فإن في هذا إجحافًا بالملاك ولا نقول بإخلائه من الزكاة، فإن فيه إجحافًا بالفقراء والمساكين.

وإنما القول الوسط في هذا المقام الهام أن ننحى به منحى النخيل والأراضي الزراعية المعدة للزرع متى زرعت أخرج زكاة الزرع من غلتها بالغة ما بلغت وإن لم تزرع ولم يحصل منها غلة فلا شيء فيها.

وكذلك العقار المعد للإيجار متى استؤجر أخرج زكاته من غلته حسب زيادتها ونقصها، فمتى كان الإيجار أربعة آلاف ففيه مائة ريال، أو أربعين ألفًا ففيه ألف واحد، ويجري الحساب على هذا المنوال، بحيث يخرج ربع العشر من الغلة بالغة ما بلغت، سواء أخرج زكاته عند رأس الحول وسواء أخرجها عندما يقبضها ولو عند كل شهر عملاً بقوله تعالى: ﴿وَءَاتُواْ حَقَّهُۥ يَوۡمَ حَصَادِهِۦ [الأنعام: 141]. إذ الحكم واحد لا يختلف، والزكاة ربع العشر من كل ما يقبضه.

والأراضي المشتراة للتجارة حكمها حكم عروض التجارة، بحيث يخرج زكاتها عند رأس الحول على قدر قيمتها في ذلك اليوم فمتى قُدِّرت الأرض بأربعين ألفًا أخرج زكاة الأربعين ألفًا، ألفًا واحدًا.

أما المصاغات من الذهب الموجود عند النساء المثريات الذي يتخذنه خزينة لا زينة فيجب فيه الزكاة على قدر قيمته التي تساويه في السوق، فمتى قدر ثمنه بألف أخرج زكاة الألف، أي خمسة وعشرين ريالاً أو كان أقل أو أكثر، فبحسابه فزكِّي عن هذا الذهب بنقود الأوراق الجاري بها التعامل.

وليس على المسلم زكاة في السيارة التي يركبها ولا في السيارة التي يعيش عياله من كسبها ولا الآلات والأدوات التي يستعملها في سبيل التكسب بها كالحراثات والتركتورات والرافعات إذا كان كسبها لا يزيد عن قوته وقوت عياله قياسًا على العوامل التي أسقط النبي ﷺ الزكاة عنها، والله أعلم.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

وقد حصل الفراغ من تأليفه بتاريخ 11 شعبان سنة 1393هـ.

* * *

[41] أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة.