إجراء عملية وفاق وإزالة شقاق
إنه عندما تسوء الأوضاع ويستمر النزاع بين المالك والمقاول في البناء المتفق عليه ويتعذر تكميله أو إحكامه إما باختلاف الأوصاف أو عجز المقاول عن الإتمام لفراغ يده من النفقة أو امتناع المالك من بذل الأقساط اللازمة.
ومن المعلوم أن البناء المؤسس يعتبر من مال المقاول غالبًا، كما أن المالك ليس له إلا النقود المدفوعة في حسابه وعند الاختلاف في الأوصاف فإنه ليس للمالك إلا أقل ما يقع عليه الصفة، إذ ما من جيد إلا وفوقه أجود منه.
وحل النزاع وإزالة الخلاف يحصل بإجراء عملية الفسخ بينهما بطريقة سلمية يحفظ بها حق المالك والمقاول بلا وكس ولا شطط ولا ضرر على أحدهما فيها، وذلك بتقويم ما مضى من العمل بالنسبة إلى المقاولة.
فمتى كان المقاول قد أمضى شيئًا من عمل البناء، فإنه يقدر قيمة عمله بالنسبة إلى تقدير مقاولته، فمتى قدر أهل النظر عمل البناء بالنصف من المتفق عليه أُعطي نصف المقاولة، أو قدر بالثلث أُعطي ثلث المقاولة، أو قدر بالربع أُعطي ربع المقاولة، فمتى كانت المقاولة أربعمائة ألف وقدر البناء الذي أمضاه المقاول بأنه ربع المتفق عليه، فإنه يعطى الربع أي مائة ألف ويجري العمل في التقدير والتقويم على هذا الحساب.
لكون الفقهاء والقائلين بجواز استصناع السلعة قالوا: إنها إذا لم تقع على حسب الأوصاف، فإنها ترد إلى صاحبها، كما ذكروا ذلك في بيع الصفة عند اختلافها عن الأوصاف الجاري عليها العقد، فإنها ترد إلى صاحبها.
وهذا محمول على كون الصانع - أي المقاول - يعمل الصنعة في بيته كمثل الأبواب والشبابيك ونحوها.
أما قضية المقاولة على البناء الذي نتكلم عليه والذي يعمل الناس به، فإنه يقع غالبًا في ملك المستصنع - أي المالك - ويتعذر رده عند اختلاف الأوصاف لكون المالك حال البناء ينظر إليه ويتردد عليه دائمًا، فلا يمكن رده وإبطال عمله وهدم بنائه إلا بضرر كبير على المقاول.
لهذا يرجع في تقويم تقديره على حسب ما ذكرنا احتفاظًا بحق كل واحد منهما، ويرجع في العيب والنقص إلى قول أهل المعرفة فيسقط من قيمة المقاولة بحسب ما فيه من النقص والعيب.
فهذا حاصل ما نحكم به، ولكلٍّ رأيه على حسب مبلغ علمه، إذ القضية اجتهادية، والله أعلم.
* * *