(1) أحكام عقود التأمين ومكانها من شريعة الدين
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين وبه نستعين، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، ومن همزات الشياطين. اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.
أما بعد:
فقد طلب مني بعض الأخلاء الأفاضل مشافهة وبطريق الرسائل أن أكتب لهم ما ظهر لي من أحكام عقود التأمين، ومكانها من شريعة الدين، إذ إنها قد تغلغلت في البلدان وتخمرت مشكلتها في الأذهان، واستمر بسببها بين الناس النزاع والخصام، فبعضهم يقول: هي حلال، وبعضهم يقول: هي حرام، ولا بد للعلماء من كشف هذا الظلام، وتحقيق ما ظهر لهم من نصوص فقه الإسلام.
فأرجأت إجابة الطالبين رجاء أن يتصدى لها من هو أطول مني باعًا وأوسع اطلاعًا وأصفى فراغًا؛ لشغل أوقاتي بالأمور القضائية التي من لوازمها شغل الفكر وتشتت الفهم وعدم صفاء الذهن. ثم أخذ يتناوبني قوة العزم في فضل نشر العلم، فينشطني وأحيانًا يعاودني تذكر غموض البحث وخطر الخطأ فيه، فيثبطني، وعلى أثر هذا التردد رأيت أنه قد اشتد مني العزم وزال عني الهم، وعرفت حينئذ أن أمانة العلم توجب علينا البيان وعدم الكتمان، فاغتنمت فرصة الإمكان وكتبت ما حضر بي مما يتعلق بهذا الشأن، مستدلًّا على صحة ما قلت بفقه الإسلام ونصوص الأحكام ما عسى أن يكون كافيًا لبقية الطالبين ورغبة المستفيدين، وضممت إلى التأمين أشياء من العقود والمعاملات الرائجة من جديد في بلدان المسلمين، رجاء شمول النفع بها الناس أجمعين، ونسأله سبحانه أن يفتح لنا فتحًا مبينًا، وأن يرزقنا علمًا نافعًا مبرورًا وعملاً صالحًا مشكورًا، ونعوذ بالله أن نقول زورًا أو نغشى فجورًا.
بسم الله، يقول بعض المفكرين: إن مسألة التأمين بأنواعه هي قضية ذات أهمية، وقد راجت بين العالم فينبغي ألا تترك مهملة يموج الناس بعضهم مع بعض فيها بالتضليل والتصويب، بل يجب على المختصين بالعلم والفكر الصحيح أن يدرسوها من نواحيها دراسة عميقة ليخرجوها إلى الناس برأي مجمع عليه، يطمئن المسلم إليه، وبغير هذا يظل الناس منقسمين فيه؛ منهم من يحرمها اتباعًا للمأثور والمشهور، ومنهم من يبيحها رغبة في التيسير، ومسايرة للتطوّر الذي عليه الجمهور.
* * *