التأمين على الحياة وبيان بطلانه بالبراهين والبيانات
إن الله سبحانه في كتابه وعلى لسان نبيّه نصب أعلامًا وحدودًا للحلال يعرف بها الحلال، وأعلامًا وحدودًا للحرام يعرف بها الحرام، فقال: ﴿وَتِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَقَدۡ ظَلَمَ نَفۡسَهُۥ﴾ [الطلاق: 1]. وحدود الله محرماته، وقال: ﴿وَقَدۡ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيۡكُمۡ إِلَّا مَا ٱضۡطُرِرۡتُمۡ إِلَيۡهِ﴾ [الأنعام: 119].
وقد أنزل الله الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط، فالكتاب هو الهادي إلى الحق، والميزان هو الذي توزن به أعمال الخلق فيعرف عدلها من عائلها، وصحيحها من فاسدها، فترد الفروع إلى أصولها ويلحق النظير بنظيره ويعطى حكمه في الجواز والمنع، كما في رسالة عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما حيث قال: ثم الفهم الفهم فيما أدلي إليك مما ورد عليك مما لم يكن في كتاب ولا سنة، ثم اعرف الأشباه والأمثال والنظائر وقس الأمور عند ذلك، ثم اعمد فيما ترى إلى أحبها إلى الله وأشبهها بالحق [26].. انتهى.
لهذا يعتبر من الجور وعدم العدل إلحاق الحرام بالحلال، وكذا عكسه بحجة رواجه بين الناس أو مسايرته للتطوّر الجديد أو حكم الأنظمة بموجبه ﴿وَلَوِ ٱتَّبَعَ ٱلۡحَقُّ أَهۡوَآءَهُمۡ لَفَسَدَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلۡأَرۡضُ وَمَن فِيهِنَّۚ بَلۡ أَتَيۡنَٰهُم بِذِكۡرِهِمۡ فَهُمۡ عَن ذِكۡرِهِم مُّعۡرِضُونَ ٧١﴾ [المؤمنون:71].
لأن كل تعامل أو اشتراك أو اشتراط ينافيه الشرع فهو باطل وإن كان مائة شرط.
إن التأمين على اختلاف أنواعه لا ينبغي أن ينظر إليه بنظرات سلبية سطحية ليس لها غرض إلا في المادة والحصول على المادة والتشجيع على كسب المادة بشتى الطرق الملتوية والحيل المنحرفة عن المكاسب الصحيحة إلى المكاسب الخبيثة.
وربما تحاملوا بالملام والانحناء بالمذام على من قال في الحرام: هو حرام، كأنهم يريدون توسيع الطرق لكسب المال من حلال أو من حرام، كما في البخاري أن النبي ﷺ قال: «يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ، لَا يُبَالِي الرَّجُلُ مِنْ أَيْنَ أَخَذَ الْمَالَ، أَمِنَ الحَلاَلِ أَمْ مِنْ حَرَامِ»[27].
* * *
[26] أخرجه الدارقطني، والبيهقي في السنن الكبرى. [27] أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة.