متقدم

فهرس الكتاب

 

تمهيد الموضع المعدّ لصلاة الجماعة في المدرسة

إن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وقد أُسست المدارس لتعليم الطلاب أمر دينهم ودنياهم، ثم تمرينهم على العمل بما ينفعهم، وسبق لنا حديث أبي الدرداء أن النبي ﷺ قال: «مَا مِنْ ثَلَاثَةٍ فَمَا فَوْقَ فِي قَرْيَةٍ وَلَا بَدْوٍ، لَا تُقَامُ فِيهِمُ الصَّلَاةُ إلَّا قَدِ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمْ الشَّيْطَانُ، فَعَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ، فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ مِنْ الْغَنَمِ الْقَاصِيَةَ» رواه أحمد وأبو داود والنسائي.

ومن المعلوم أن المدرسة التي تشتمل على عدد كبير من المعلمين والمتعلمين والفراشين أنه يشملها معنى الحديث، فمتى لم يقيموا الصلاة جماعة فإنه ينطبق عليهم هذا الوصف السيئ من استحواذ الشيطان عليهم- أي غلبته واستيلائه- كما قال تعالى: ﴿ٱسۡتَحۡوَذَ عَلَيۡهِمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ فَأَنسَىٰهُمۡ ذِكۡرَ ٱللَّهِۚ أُوْلَٰٓئِكَ حِزۡبُ ٱلشَّيۡطَٰنِۚ أَلَآ إِنَّ حِزۡبَ ٱلشَّيۡطَٰنِ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ ١٩ [المجادلة: 19]، ومن المعلوم عند الناس العام منهم والخاص أن وزارة التربية والتعليم قامت وتقوم بأعمال كبيرة، وتنفق في سبيل التعلم والتعليم النفقات الكثيرة لإصلاح أحوال الطلاب وإزالة الجهل عنهم وسوء الآداب. وقد سبق أن قلنا: إن الصلاة في الجماعات هي من أكبر ما يستعان به على حسن تهذيب أخلاق البنين والبنات؛ لأنها تقوِّم اعوجاجهم وتصلح فسادهم وتذكرهم بربهم الكريم الأكبر، وتصدهم عن الفحشاء والمنكر، وأنها من أكبر ما يستعان به على أمور الحياة وتسهيل العلم وكشف المشكلات، ﴿ٱسۡتَعِينُواْ بِٱلصَّبۡرِ وَٱلصَّلَوٰةِۚ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ ١٥٣ [البقرة: 153]، فمتى كان الأمر بهذه الصفة فإنه يجب بذل المال في تمهيد مكان لصلاة الجماعة في المدرسة؛ لما يترتب على ذلك من صلاح الأحوال والأعمال والعيال، ومن بنى لله مسجدًا يحتسب ثوابه عند الله بنى الله له قصرًا في الجنة.

لهذا يجب على وزارة التربية والتعليم التي من شأنها إصلاح أحوال المعلمين والمتعلمين أن تحتسب تأسيس مكان لصلاة الجماعة في كل مدرسة يسع الطلاب والأساتذة، ولو على صفة الغرفة الواسعة؛ أي بدون محراب ولا منارة، ويصدق عليه تسميته بالمسجد، وتحتسب وزارة التربية والتعليم بالمبادرة بتأسيسه لاعتبار أنه عمل خيري يبقى شرف ذكره وعظيم أجره لمؤسسه والمساعد عليه، بحيث يذكر به ويشكر عليه في حياته وبعد وفاته.

وإن جُعل المكان على صفة المسجد في كل صفاته فهو أفضل؛ لئلا يصرف عن وقفيته إلى غيره قبل تمام بنائه، فإنه لا ينبغي للأساتذة والطلاب أن يهملوا صلاة الجماعة، فكل مواضع المدرسة تصلح لصلاة الجماعة إما في إحدى غرفها، أو في الأروقة المحيطة بالغرف؛ ولم يبق سوى فرشها بالحصر أو البسط للصلاة، على أنها تصح بدون ذلك، فقد سجد النبي ﷺ على الطين، وعلى كل حال فإنها متى خلصت النية وقويت العزيمة فإن كل شيء سهل ميسر وحاضر عتيد، والله يدعو إلى دار السلام، ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.

* * *