متقدم

فهرس الكتاب

 

صلاة الجماعة في المعاهد والجامعات ومدارس البنين والبنات

إن مما يجب أن ننصح به وأن نوصي بعمله هو إقامة الصلوات جماعة في المعاهد والجامعات ومدارس البنين والبنات، فمتى دخل عليهم وقت فريضة من فرائض الصلاة، كفرض الظهر مثلاً، أو فرض المغرب أو العشاء في الذين يدرسون بالليل، فإنه يجب أن يؤذن لهم أحدُهم ويؤمهم أقرؤهم؛ لأن فعل هذه الصلاة جماعة هو من أكبر ما يستعان به على حسن تهذيب أخلاق البنين والبنات، كما أنها من أكبر ما يستعان به على حصول العلم وكشف المشكلات وسائر أمور الحياة، وكان الصحابة إذا حزبهم أمر من أمور الحياة أو وقعوا في شدة من الشدات فزعوا إلى الصلاة لأن الله تعالى يقول: ﴿وَٱسۡتَعِينُواْ بِٱلصَّبۡرِ وَٱلصَّلَوٰةِ [البقرة: 45].

فالمتخفي أو المتخلف عن الصلاة مع الجماعة يعتبر خائنًا لدينه خائنًا لأمانة ربه، لا سيما إذا كان هذا المتخلف من الأساتذة المعلمين، فإن تخلفه يعتبر تعليمًا منه لترك الصلاة وعدم الاهتمام بها، فلا يصلح أن يكون معلمًا للأولاد؛ لأن الخائن لعمود دينه وإمانة ربه جدير بأن يخون أمته وأهل ملته، فهو جدير بكل شر، بعيد عن كل خير، وعادم الخير لا يعطيه، وكل إناء ينضح بما فيه، وقد حذر النبي ﷺ من مثل هذا خشية الاقتداء به فقال: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَتَخَلَّفُونَ عَنِ الصَّلَاةِ فَيَتَخَلَّفُ بِتَخَلُّفِهِمْ آخَرُونَ»[149]. وعن أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «مَا مِنْ ثَلَاثَةٍ فِي قَرْيَةٍ وَلَا بَدْوٍ، لَا تُقَامُ فِيهِمُ الصَّلَاةُ إلَّا قَدِ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمْ الشَّيْطَانُ، فَعَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ، فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ مِنْ الْغَنَمِ الْقَاصِيَةَ» رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان في صحيحه.

إن الحكومات على اختلافها أصبحت تعاني أشد المشقات في علاج الجرائم؛ لكثرتها واختلاف أنواعها، ويواصلون الأعمال في محاولة تقليلها فضلاً عن رفعها، لكنها لم تزدد نارها إلا استعارًا؛ وإنما تنشأ الجرائم الفظيعة والفواحش الشنيعة من العادمين للدين التاركين للصلاة، ولو وفقوا لدوائها الوحيد وعلاجها المفيد لوجدوه في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي المحافظة على الصلاة التي هي أم الفضائل الناهية عن منكرات الأخلاق والرذائل، ثم في إقامة الحدود الشرعية التي جعلها الله بمثابة الزواجر عن ارتكاب منكرات الأخلاق والرذائل، فإن هذه تكفي عن مئات الألوف من الجنود والعساكر.

إن صلاة الأساتذة والطلاب جماعة يترتب عليها مصلحة كبيرة لسائر المعلمين والمتعلمين؛ إذ هي نوع من التعليم الفعلي الذي أسست له المعارف وفتحت له أبواب المدارس، فلا ينبغي أن يلاحظ تمرين الطلاب على تعلم فضول أمور الحياة من الرياضيات والجغرافيات، ويهمل جانب تمرينهم على فعل الصلاة من سائر العبادات؛ إذ هذه أولى بالعناية والاهتمام؛ لأن الصلاة من أكبر ما يستعان به على أمور الحياة وعلى حصول العلم وحل المشكلات، والله تعالى يقول: ﴿وَٱسۡتَعِينُواْ بِٱلصَّبۡرِ وَٱلصَّلَوٰةِ [البقرة: 45]، وكان الصحابة والسلف يستعينون على حفظ العلم بالعمل به، ويقول أحدهم: أصلي بكم كما رأيت رسول الله يصلي بنا، ويقول الآخر: أتوضأ كما رأيت رسول الله يتوضأ، ويقول ابن مسعود: كنا إذا تعلمنا عشر آيات لم نتجاوزهن حتى نتعلم معانيهن والعمل بهن؛ فيتعلمون العلم والعمل معًا.

أما تفريط المدارس في صلاة الجماعة، وتهاون المدرسين بها، وعدم مبالاتهم بمن يصلي وبمن لا يصلي، بحيث يدخل عليهم وقت الصلاة وهم في دوام الدراسة، ثم ينفرون ويتفرقون قبل أن يصلوا جماعة، فلا شك أن هذا الفعل بهذه الصفة هو نوع تعليم للأعمال السيئة، فهو مما يجعل هذه الفريضة تفوت على الصغار والكبار حتى يكون تركها عادة مستمرة وخلقًا لهم، يشب عليها صغيرهم ويهرم عليها كبيرهم، حتى لا يرونها منكرًا كما هو معروف من صفات التاركين للصلاة؛ لكون التارك للصلاة مع الجماعة يندر أن يصليها في بيته، وإن التماهل في فعلها مدعاة إلى التهاون بها ثم إلى تركها، وهكذا المعاصي يقود بعضها إلى بعض، وهي بريد الكفر.

فيا معشر شباب المسلمين، ويا معشر المسلمين والمتعلمين، إن الله سبحانه شرفكم بالإسلام وفضلكم به على سائر الأنام متى قمتم بالعمل به على التمام، وإن الإسلام ليس هو محض التسمي به باللسان والانتساب إليه بالعنوان، ولكنه ما وقر في القلب وصدقته الأعمال، فاعملوا بإسلامكم تُعرفوا به، وادعوا الناس إليه تكونوا من خير أهله، فإنه لا إسلام بدون العمل، ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير، ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، وأولئك هم المفلحون، والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض، يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ويقيمون الصلاة، ويؤتون الزكاة، ويطيعون الله ورسوله؛ فمن واجبكم محافظتكم على صلاتكم في الجماعة، وأن تحثوا من لديكم عليها فإنها من أعظم المظاهر الدينية، فمتى رأيتم الرجل يحافظ على واجباته في صلاته فاشهدوا له بالإيمان، ومتى رأيتم الرجل يتخلف عن الصلاة بدون عذر مشروع فاشهدوا عليه بالنفاق، ومتى سافر أحدكم إلى الأقطار الأجنبية لحاجة التعلم أو لحاجة العلاج أو لحاجة التجارة أو لأي حاجة من الحاجات، فمن واجبه أن يُظهر إسلامه في أي مكان يحل به، فيدعو إلى دينه وإلى طاعة ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، وإذا حضرت فريضة من فرائض الصلاة أمر من عنده من زملائه وجلسائه بأن يصلوا جماعة، حتى يكون مباركًا على نفسه ومباركًا على جلسائه، أما إذا صرفتم جل عقولكم وجل أعمالكم وجل اهتمامكم للعمل لدنياكم واتباع شهوات بطونكم وفروجكم، وتركتم فرائض ربكم، ونسيتم أمر آخرتكم، صرتم مثالاً للمعايب، ورشقًا لنبال المثالب، وسيسجل التاريخ مساوئكم التي خالفتم بها سيرة سلفكم الصالحين، الذين شَرُفوا عليكم بتمسكهم بالدين وطاعة رب العالمين، فلا أدري من أحق بالأمن إن كنتم تعلمون.

* * *

[149] أخرجه عبد الرزاق في مصنفه من حديث عمر بن الخطاب.