متقدم

فهرس الكتاب

 

الصلاة هي آكد العبادات

إن من شرط صحة الصلاة الطهور فهو مفتاح الصلاة كما ثبت في الحديث عن علي رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: «مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطُّهُورُ، وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ» رواه أحمد والترمذي والدارمي وقال الترمذي: هذا الحديث أصح شيء في هذا الباب. فلا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ، وقد فُرض الوضوء ليلة الإسراء مع فرض الصلاة، وسمي وضوءًا لأنه مأخوذ من الوضاءة وهي النظافة؛ لأن دين الإسلام دين النظافة يأمر بالتجمل والنظافة عند القيام للصلاة والمثول بين يدي الله تعالى: ﴿۞يَٰبَنِيٓ ءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمۡ عِندَ كُلِّ مَسۡجِدٖ [الأعراف: 31]؛ أي عند كل صلاة، والوضوء من الزينة الواجبة، والحكمة فيه أنه ينشط الأعضاء عند القيام للصلاة، ويكسبها القوة والفرح، ويزيل عنها العجز والكسل والفتور، ويطرد النوم والنعاس، ويترتب عليه تكفير الخطايا، عن ثوبان أن النبي ﷺ قال: «اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ أَعْمَالِكُمُ الصَّلَاةُ، وَلَا يُحَافِظُ عَلَى الْوُضُوءِ إِلَّا مُؤْمِنٌ» رواه مالك وأحمد وابن ماجه.

أما الصلاة فإنها آكد العبادات، وهي من أكبر ما يُستعان به على حسن تربية البنين والبنات؛ لأنها تقوّم اعوجاجهم، وتصلح فسادهم، وتذكرهم بالله الكريم الأكبر، وتصدهم عن الفحشاء والمنكر، فهي أم الفضائل، والناهية عن منكرات الأخلاق والرذائل، تغرس في القلب محبة الرب والخضوع لطاعته، وبمحافظة الإنسان عليها ومزاولته بالاستمرار على فعلها يعود حبها ملكة راسخة في قلبه، تحببه إلى ربه وتقربه من خلقه، وتصلح له أمر دنياه وآخرته، فهي أول ما افترض الله من العبادات، وهي آخر ما يُفقد منها، فليس بعد ذهابها إسلام ولا دين. وهي خمس صلوات مفرقة بين خمسة أوقات؛ لئلا تطول مدة غفلة العبد عن الرب.

سُميت صلاةً لكونها صلة بين العبد وربّه، فالمصلي متصل بربه موصول ببره وفضله وكرمه، وقيل: لأجل اشتمالها على الدعاء سميت في اللغة صلاة.

فهي عمود دين الإسلام، وأمانة الله في عنق كل إنسان، كما أنها الفارقة بين الكفر والإيمان، فمن جحد وجوبها فهو كافر بإجماع علماء الإسلام، ومن أقر بوجوبها وتركها عمدًا فهو كافر بنص السنة والقرآن، فقد روى مسلم في صحيحه عن جابر أن النبي ﷺ قال: «بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ، مَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ».

وروى بريدة قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ الصَّلَاةُ، مَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ» رواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه وابن حبان، وقال الترمذي: حسن صحيح، ولا نقول: إنه كفر دون كفر، كما يقوله بعضهم، بل هو الكفر المخرج عن ملة الإسلام، ﴿فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ فَإِخۡوَٰنُكُمۡ فِي ٱلدِّينِۗ [التوبة: 11].

وكان السلف الصالح يسمونها الميزان، فإذا أرادوا أن يبحثوا عن دين إنسان سألوا عن صلاته، فإن حُدثوا بأنه يحافظ على الصلاة علموا بأنه ذو دين، وإن حدثوا بأنه لا حظَّ له في الصلاة علموا بأنه لا دين له؛ لأنها آخر ما يفقد من دين الإنسان، ومن لا دين له جدير بكل شر، بعيد عن كل خير، وعادم الخير لا يعطيه، وكل إناء ينضح بما فيه.

قال محمد بن نصر المروزي: سمعت إسحاق يقول: صح عن النبي ﷺ أن تارك الصلاة كافر، وكذلك كان رأي أهل العلم من لدن النبي ﷺ أن تارك الصلاة عمدًا من غير عذر حتى يذهب وقتها كافر. وقال الحافظ أبو محمد عبد العظيم المنذري: قد ذهب جماعة من الصحابة ومن بعدهم إلى تكفير من ترك الصلاة متعمدًا لتركها حتى يخرج وقتها، منهم عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس ومعاذ بن جبل وجابر بن عبد الله وأبو الدرداء، ومن غير الصحابة ابن حنبل وإسحاق بن راهويه وعبد الله بن المبارك والنخعي والحكم بن عيينة وأيوب السختياني وأبو داود الطيالسي وأبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب وغيرهم. ذكره المنذري في الترهيب عن ترك الصلاة.

قال العلامة ابن القيم رحمه الله: لا يختلف المسلمون أن ترك الصلاة المفروضة عمدًا لمن أعظم الذنوب وأكبر الكبائر، وأن إثمه عند الله أعظم من إثم قتل النفس وأخذ الأموال، ومن إثم الزنا والسرقة وشرب الخمر، وأنه متعرض لسخط الله وخزيه وعقوبته في الدنيا والآخرة. قال: وأفتى سفيان الثوري وأبو عمرو الأوزاعي وعبد الله بن المبارك وحماد بن زيد ووكيع بن الجراح ومالك بن أنس والشافعي وأحمد وإسحاق بن راهويه وأصحابهم بأنه يقتل متى تركها عمدًا من غير عذر ودعي إليها وقال: لا أصلي. انتهى.

وحسبك أنها في تكفيرها للخطايا قد وصفها رسول الله بالنهر الغمر- أي الكثير- الذي يغتسل منه الإنسان كل يوم خمس مرات فهو لا يُبقي من درنه شيئًا، وكذلك الصلاة، وأن الصلوات الخمس كفارات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر.

وبما أنها من آكد العبادات فإنها من أقوى ما يُستعان بها على حسن تربية البنين والبنات؛ لأنها تذكرهم بالله الكريم الأكبر، وتصدهم عن الفحشاء والمنكر، ولأجله أوصى النبي ﷺ بها أمته ليأمروا أولادهم بالصلاة لسبع سنين، ويضربوهم على تركها لعشر سنين؛ لأن تربيتهم عليها في حالة الصغر هي بمثابة النقثس في الحجر، ولأنهم بمزاولتهم لها والأخذ بأيديهم إليها يعود حبها ملكة راسخة في قلب أحدهم تحببه إلى ربه وتقربه من خلقه، وتصلح له أمر دنياه وآخرته، يقول الله تعالى: ﴿وَأۡمُرۡ أَهۡلَكَ بِٱلصَّلَوٰةِ وَٱصۡطَبِرۡ عَلَيۡهَاۖ لَا نَسۡ‍َٔلُكَ رِزۡقٗاۖ نَّحۡنُ نَرۡزُقُكَۗ وَٱلۡعَٰقِبَةُ لِلتَّقۡوَىٰ ١٣٢ [طه: 132].

* * *