متقدم

فهرس الكتاب

 

سفر البنات الطالبات إلى الخارج أشد ضررًا

أما سفر البنات الطالبات إلى الخارج فإنه أشد ضررًا وأكبر نكرًا؛ لأننا وإن قلنا: إن النساء في حاجة إلى العلم والأدب والإصلاح وتعلم سائر العلوم والفنون كالرجال، فهذا صحيح والعلم النافع مطلوب ومرغوب فيه في حق الرجال والنساء. غير أن هذا العلم من الممكن تحصيلها له في بلدها بمراجعة الكتب والفنون وسائر المؤلفات، وبسؤال العلماء عن المشكلات فإن هذا هو طريقة حصول العلم للرجال والنساء.

فالراسخون في العلم والمتوسعون فيه إنما توصلوا إلى ما تحصلوا عليه بهذه الطريقة. فلماذا تترك المرأة هذا ثم تحرص ويحرص أهلها على سفرها وحدها الذي حرمه الشارع بقوله: «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ يَوْمًا وَلَيْلَةً إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ». رواه البخاري ومسلم. خصوصًا مثل السفر البعيد الذي تتعرض فيه إلى الأخطار والأضرار، ثم إلى فتنتها والافتنان بها الناشىء عن وحدتها والخلوة بها، وعن اختلاطها بالرجال في الملاهي والمجتمعات، وسائر الأحوال والأوقات؛ تقليدًا بما يسمونه تحرير المرأة عن رق أهلها وزوجها، وهن ناقصات عقل ودين، والمشبهة عقولهن بالقوارير في سرعة تكسرهن وميولهن، وليس من شأنها أن تطلب علمًا يوصلها إلى سطح القمر بحيث لا تجده إلا في الخارج، وما عداه فإنه موجود في بلدها بدون سفر. لهذا يحرم على حكام المسلمين تمكين النساء من السفر إلى الخارج، كما يحرم إعانتهم لهن في سبيل هذا السفر؛ لاعتبار أنه سفر معصية بلا شك. وبالله قل لي ماذا ينفع العائلة الحسيبة المسلمة من سفر ابنتهم إلى المدارس النصرانية تتربى بأخلاقهم ومساوئ آدابهم وعوائدهم.

إن أكبر ما تستفيده هي اللغة الأجنبية التي لا يمكن أن تخاطب بها أمها ولا أباها ولا أخواتها، وإذا رجعت من سفرها إلى أهلها رجعت إليهم بغير الأخلاق والآداب التي يعرفونها عنها، فترى أهلها كأنهم عالم غير العالم الذي نشأت فيه، وتحمل في نفسها الكبر والازدراء لأهلها، فتعيب عليهم كل ما يزاولونه من معيشتهم وأخلاقهم وآدابهم وعوائدهم،ثم تقع العداوة والتنافر بينها وبينهم في كل شيء وغايتها أنها تبغض أهلها وأقاربها ويبغضونها.

وحتى الأزواج الأكفاء تعزف نفوسهم عن خطبتها والرغبة فيها؛ لعلمهم بأنها متبرجة ومتفرنجة لا تخضع لطاعة الزوج، وتكلفه شيئًا من المشاق في السفر بها دائمًا إلى البلدان الأجنبية، ومتى تقلدت عمل الوظيفة فإنه أبعد لها عن الزوج، وعن تدبير شؤون بيته وعياله أفلا يكون سفرها للتعلم على هذه الحالة شقاء وضلالة وقطعًا لأواصر الزوجية والعيال، وما تستفيده من مرتباتها فإنها ستكون أبعد عن أهلها ويتضخم به خبالها وعدم اعتدالها.

وإننا باعتبار أننا مسلمون على الحقيقة فإنه يجب علينا امتثال مأمورات دين الإسلام واجتناب منهياته، فقد نهى رسول الله أن تسافر المرأة يومًا وليلة إلا مع ذي محرم، ونهى أن يخلو الرجل بالمرأة، وقال: «مَا خَلَا رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا وَالشَّيْطَانُ ثَالِثُهُمَا»[143]. ونهى القرآن عن إبداء زينتهن للرجال، وهذا كله حاصل متيسر منها في سفرها، فإنها تتزيَّا بزي نساء أهل تلك البلاد من التكشف وإبداء مفاتن جسمها غير مبالية بالحياء والستر، وإنما نهى رسول الله عن هذه الأشياء لكونها كالمقدمات لما بعدها كما في البخاري ومسلم أن النبي ﷺ قال: «الْعَيْنُ تَزْنِي وَزِنَاهَا النَّظَرُ، وَالْقَلْبُ يَتَمَنَّى وَيَشْتَهِي، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ أَوْ يُكَذِّبُهُ»، فلا ينهى الشارع عن شيء إلا ومضرته واضحة ومفسدته راجحة. والنبي ﷺ قال: «الْإِمَامُ رَاعٍ، وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ»[144]. فلا أَدري ما حجة هذا الرجل الذي جعله الله راعيًا على أَهل بيته متى سئل عن سفر ابنته لبلدان أوربا، وهل يصدق عليه أنه قام بواجب رعايته في أمانة تربية ابنته فأحاطها بحفظه وصانها حسب استطاعته، وفاء بصدق أمانته وحسن رعايته؟ أم ضيع ما استؤمن عليه وفرط في رعايته وقذف بابنته في هاوية الفتنة والافتنان بها، وتركها تتصرف كيف شاءت بدون مراقب ولا وازع؟
ومن يُثني الأصاغرَ عن مرادٍ
إذا جلسَ الأكابرُ في الزوايا
إنه لا ينبغي لنا أن نحسن الظن بها والحالة هذه، بل يجب أن نحسن العمل برعاية حمايتهن عن مراتع الفتن فإن من وقع في الشبهات وقع في الحرام.
وحسن ظنك بالأيام معجزة
فظنّ شرًّا وكن منها على حذرِ
وكذا يقال في الأئمة الذين جعلهم الله رعاة على عباده أنه يجب عليهم أن يغرسوا في نفوس رعاياهم التخلق بمحبة الفرائض والفضائل، وحمايتهم عن منكرات الأخلاق والرذائل باستعمال الأسباب والوسائل، فإن الوقاية خير من العلاج، والدفع أيسر من الرفع. أولم يكن الأوفق والأليق لهذه البنت ولأهلها أن تتعلم مبادىء العلوم والشريعة عند أهلها وفي مدارس بلدها لتستعين بالبيئة والمجتمع على تهذيبها وصيانتها وحسن تربيتها وحسن الظن بها؟ وحتى تكون في بيت أهلها وزوجها صالحة مصلحة تعاملهم وتعاشرهم بالحفاء والوفاء بدون نفرة ولا جفاء، وحتى تكون مثلاً صالحًا لأخواتها وأهل بيتها، وكاليد الكريمة لزوجها في إدارة شؤون بيتها وعيالها فتعيش سيدة بيت وسعيدة عشيرة ولا يوفق لهذا إلا خيار النساء عقلاً وأدبًا ودينًا.

إن تحويل النساء المسلمات عن أخلاقهن الإسلامية يقع بتأثير أخلاق أرواح أجنبية غايتها تحويل المسلمات عن دينهن وجميل أخلاقهن إلى اتباع الأوروبيات وتقليدهن في عاداتهن، وكل ما ذكرنا من خطورته على العفاف والدين فإنه من البراهين التي لا مجال للجدل في صحتها. إن النصارى لا يعدون الزنا جريمة، وإن الاختلاط بين الطلاب من الشباب والشابات واحتكاك بعضهم ببعض جنبًا إلى جنب وجريان الحديث والمزاح بينهم، ثم المصاحبة والخلوة كما تستدعيه المجالسة والمؤانسة، عمل ضار في ذاته ومؤداه إلى الفاحشة الكبرى في غايته وسوء عاقبته؛ لأنه يعد من أقوى الأسباب والوسائل لإفساد البنات المصونات وتمكن الفساق من إغوائهن، فهل أنتم منتهون؟ ﴿وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَٱحۡذَرُواْۚ فَإِن تَوَلَّيۡتُمۡ فَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا ٱلۡبَلَٰغُ ٱلۡمُبِينُ ٩٢ [المائدة: 92].

فهذه نصيحتي لكم والله خليفتي عليكم وأستودع الله دينكم وأمانتكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

* * *

[143] أخرجه الطبراني في الكبير من حديث أبي أمامة بلفظ: «دخل الشيطان بينهما». [144] أخرجه البخاري من حديث عبد الله بن عمر.