متقدم

فهرس الكتاب

 

الخطر والضرر الذي يتعرض له المبتعث من الفتن وهو صغير السن

وإن مما يؤكد الخطر ويوقعهم في الضرر على الأخلاق والعقائد كون أكثر هؤلاء الطلاب يسافرون إلى الخارج وهم صغار الأسنان، لم ترسخ في قلوبهم تعاليم دين الإسلام، وقبل أن يتربوا على العلم بفرائضه وفضائله تربية عملية. ثم التحقوا بالمدارس النصرانية، واختلطوا بالمعلمين والمتعلمين بها فجالسوهم ووانسوهم وانطبع فيهم شيء من أخلاقهم وملؤوا أفكارهم من الإلحاد وفساد الاعتقاد؛ كجحود الرب والتكذيب بالقرآن والتكذيب بالرسول ﷺ والتكذيب بالبعث بعد الموت والتكذيب بالجنة والنار فلقنوهم هذه العقيدة على سبيل الصداقة فصادفت منهم قلبًا خاليًا فتمكنت، فرجعوا إلى بلادهم وهم يهرفون بما لا يعرفون. وناهيكم بالسذاجة وعدم الرسوخ في العلم والمعرفة، فإن القاصرة عقولهم والناقصة علومهم ينقدح الشك في قلب أحدهم بأول عارض من شبهه، فيؤثر معهم هذا التضليل فيزيغهم عن الحق وسواء السبيل، فيتبعون أساتذتهم في أسوأ العادات وترك العبادات.

ومما لا شك فيه أن إرسال أولادنا وبناتنا للتعلم في بلدان أوروبا والبلدان الشيوعية له مخاطره في تكوين عقولهم، وله آثاره في بناء شخصيتهم.

فالطالب يجد نفسه يتلقى فلسفة الغرب المادية والعلمانية وعقيدته السيئة الخاصة به ويتشبع من هذه الفلسفة ويعود إلى بلده بشخصية مختلفة تهدم ولا تبني، حيث إنه قد عاد بأفكار مغايرة لعقيدة أهل بلده وعاداتهم وتقاليدهم.

وهناك فرق بين نوعين من العلوم التي يتوجَّه أبناؤنا لتحصيلها. فالعلوم الإنسانية مثل الأدب والتاريخ والفلسفة والاجتماع والاقتصاد والعلوم السياسية والقانون. فهذه العلوم لا حاجة لأبنائنا في تحصيلها من علماء لا عقيدة لهم ولا أخلاق، حيث إنهم يتأثرون بأفكارهم وميولهم ويشربون من موردهم من الفلسفات والآراء الهدامة التي تحطم كل القيم والآداب.

أما العلوم التطبيقية والعلمية البحتة كالطب والهندسة فإن سعيهم لاستكمالها يغدو وفق شروط معينة ضرورة ملحة.

ولسنا نقول ذلك ونطالب به إلا انطلاقًا من حرصنا على مستقبل شبابنا رجال المستقبل الذين يؤتمنون على تربية رجاله المقبلة.

فالعائد من الخارج يأخذ مركزه القيادي والتربوي ولا تقصر الدولة في إعطائه مكانته في قيادة البلاد والعباد سواء في مجال التعليم أو التصنيع أو العمل الإداري.

فإذا عاد إلينا بعقيدة ممسوخة، وبأفكار تغاير مبادئنا وأخلاقنا وديننا، فإنه لا محالة سيؤثر في نفوس الكثيرين ويقودهم إلى المهالك.

ونحن نعلم أن مؤسسات الاستعمار ومراكز توجيهه تتلقى الطلاب والطالبات هناك، وتحوطهم بكل وسائل الإغراء والفتنة من كل لون؛ الفكري والجنسي والنفسي، وقليلون من ينجون من شرهم.

والصهيونية بألاعيبها وحيلها توقع كثيرًا منهم في حبالها تحت بريق العلم والخداع، وغير ذلك من النوادي الليلية التي يديرونها لجر أرجل هؤلاء الطلاب وصرفهم عن تلقي العلم المبتعث من أجله.

والبلدان الشيوعية الماركسية تحرص كل الحرص على تلقبن المبتعثين من بلادنا أفكارهم وآراءهم وفلسفتهم المادية الملحدة، فيعود المبتعث وهو ناقم على دينه وعادات أهله وتقاليدهم، فيخرب ويهدم، وذلك من جراء إرسالنا لأولادنا وتركهم في أحضانهم، وناهيك عن وسائل التدمير في هذه المجتمعات التي أصبح شرب الخمر والمخدرات كتناول الخبز والماء، والاتصال بين الرجال والنساء سهل ميسر.

ومن يمارس هذا الحرام يسهل قياده ويعود مفقود الإحساس بالكرامة، ويفرط في كل شيء في سبيل شهوته ونزواته، إذْ إن إدمان رؤية المنكرات تقوم مقام ارتكابها في سلب القلوب نور التمييز والإنكار؛ لأن المنكرات متى كثر على القلب ورودها، وتكرر في العين شهودها، ذهبت عظمتها شيئًا فشيئًا إلى أن يراها الإنسان فلا يحس أنها منكرات، ولا يمر بفكره أنها معاصٍ، وذلك بسبب سلب القلوب نور التميز والإنكار على حد ما قيل: إذا كثر المساس قل الإحساس.

ولا حجة لمن يقول: إن الطالب أو الطالبة لا يتغير مادام متحصنًا بالثقافة الإسلامية في بلده؛ لأنه مهما تحصن وتحصل له من ثقافة إسلامية، فإنه في ظروف الغربة والضغوط والتأثيرات والإغراء في مجتمع متحلل لا بد أن يؤثر فيه أو يشوه عقليته.

وما حاجتنا إلى أن نلقي بفلذات أكبادنا في هذه المجتمعات التي هي غاية في مهالك الأخلاق، ونحن قادرون على تلقينهم العلوم في بلدهم وجلب القدرات العلمية إلى بلادنا بشروط توافق عقيدتنا وتقاليدنا، ويكونون تحت بصرنا فنسلم من شرهم ونأمن عواقب أفكارهم.