التعليم في الخارج محفوف بالأخطار
ولا شك أن هذا أفضل من التعلم في الخارج، الذي هو محفوف بالأخطار والأضرار، فهو خطر على العفاف والشرف وعلى العقيدة والأخلاق، لكثرة من يلقونه ويختلطون به ممن ليس على دينهم، وقد تؤثر فيهم مجالستهم ومؤانستهم مع صغر سنهم، وكون قلوبهم قابلة لما يلقى فيها من الخير والشر. وياليت شعري ما الذي يرجعون به؟ وماذا يستفيدونه من هؤلاء الأساتذة؟ فإنهم بمجرد الاختبار والتجربة يرجع أحدهم إلى أهله وهو ساذج من العلم والمعرفة مزيف مغشوش بشهادة النجاح الكاذبة التي لا حقيقة لها سوى الغش، بمحاولة تكثير سواد الطلاب عندهم وفي بلدهم لما يكتسبونه على أثرهم من المادة.
وقد استعاذ النبي ﷺ من علم لا ينفع، ولا يستعيذ إلا من الشر، إذ الغاذي شبيه بالمغتذى، فمن العناء العظيم استيلاد العقيم والاستشفاء بالسقيم، فما أبعد البرء من مريض داؤه من دوائه وعلته من حميته.
إنه من المعلوم أن الشباب يفضلون السفر إلى الخارج للتعلم مهما كانت مضرته وسوء عاقبته؛ لكونهم يفتخرون به ويرونه سببًا ووسيلة إلى رفع رتبهم ومرتباتهم، فصاروا يفضلونه على التعلم في بلادهم. وكان بدء فتح هذا الباب للسفر للخارج في البلدان العربية حينما ابتدئ بفتح المدارس فيها على اختلاف أنواعها وعلومها، ولم يكن لديهم في ذلك الوقت كفاءة من المعلمين، ففتحوا هذا الباب للطلاب ليتعلموا شتى العلوم والفنون كي يستغنوا بعلمهم وتعليمهم في الخارج.
فاستمر هذا الفتح إلى حد الآن يقتدي الناس بعضهم ببعض فيه دون أن يفكروا في الاستغناء عنه.
وإن من الرأي السديد والأمر المفيد وجوب غلق هذا الباب عن سائر الطلاب لحصول الكفاءة التامة بالمعلمين من داخل البلدان العربية، والاستغناء بهم عن السفر للخارج بالكلية، فياليت شعري من الذي يفوز بالسبق إلى غلق هذا الباب الذي أحدث القلق والاضطراب في عقائد الطلاب، فإن خير الناس من يكون مفتاحًا للخير مغلاقًا للشر.
وإن الحكام متى اخترعوا أمرًا وشرعوا مشروعًا مما يتطلع إليه الطلاب، ويؤملون نجاحهم على أثره برفع راتبهم ومراتبهم وقبول دوائر الأعمال لهم، فإنه من المعلوم أن الناس يندفعون إليه بشغف وشدة بحيث يطأ بعضهم أعقاب بعض في طلبه حتى ولو كان سيئ العاقبة في نفس الأمر. والواقع إن فعل الحكومة لهذا الشيء بهذه الصفة هو غاية في التشجيع والتنشيط للطلبة، لكنهم متى سدوا عنهم هذا الباب وصرفوا عنه الطلاب بالإياس منه، وفتحوا لهم ما هو أرفق وأوفق بهم وأصلح لهم في أمر دينهم ودنياهم ومجتمعهم، فإنهم عند ذلك يحمدون عاقبة أمرهم ثم ينشر الثناء والشكر لمن تسبب في سد هذا الباب بحيث يذكر به في حياته وبعد وفاته.
وربما كان مكروه النفوس إلى
محبوبها سببًا ما مثلُه سببُ