شرب الدخان أيضًا من الأمور المحرمة
وهكذا يقال في الصبر عن شرب الدخان الذي هو أضر شيء على الأبدان، والدخان هو المسمى بالتبغ، سواء كان من سيجارة أو نارجيلة، وإن كبار الأطباء على اختلاف أوطانهم نجدهم يحذرون أشد التحذير من شرب الدخان لعلمهم بالأضرار الناشئة عنه، من كونه يعبث بالصحة ويحدث فنونًا من الأسقام، فهو من الأشربة المحدثة الضارة للصحة، ولأجل ذلك قال كثير من العلماء بتحريمه، فمن الواجب على العاقل أن يصون نفسه عن مقارفته، وإن كان قد ابتلي به وجب أن يتوب عنه، حفظًا لصحته وحماية لذريته الذين يستنون بسنته ويقتدون بسيرته، وقد قام الطب الحديث في هذا الزمان على تحقيق مضرته وسوء مغبته، وأنه يعجل بهلاك المصدورين، وقد وصفه بعض الأطباء بالحية المنطوية على الجسم.
مُفتّر الجسم لا نفعٌ به أبدًا
بل يورثُ الفقرَ والأسقامَ في البدنِ
تبًّا لشاربه كيف المقامُ على
ما ريحُه شبه السّـرجينِ من عطنِ
ولا يغرنْك من في الناس يشـربُه
الناس في غفلةٍ عن واضحِ السننِ
يقضـي على المرء في أيام محنته
حتى يرى حسنًا ما ليس بالحسنِ
جاء في كتاب الصحة والحياة لمؤلفه الطبيب أ. س. سلمون: إن الناس في مختلف الأقطار مستعبدون لعادتين وخيمتين شديدتي التنكيل بالجهاز التنفسي وهما: تدخين التبغ وتعاطي المشروبات الروحية والمواد المسكرة، ودخان التبغ يؤذي كل عضو من أعضاء الجهاز التنفسي، فهو يحدث التهابًا في الأغشية المخاطية والخاصة بالأنف والحلق والقصبة الهوائية ويسبب السعال ويفتك بغشاء الرئتين فتكًا ذريعًا، بحيث يعرّضها للتدرن وما إليه من الأمراض الفتاكة التي يصعب دفع غوائلها، ويعرّف الأطباء الناس الذين يتعاطون الكحول ويشربون الدخان (التبغ) أنهم معرّضون بسهولة للالتهاب الرئوي وأمراض التدرن، وأن الفرص لشفائهم من هذه الأمراض حين يصابون بها صعبة جدًّا، وهذا دليل ساطع وبرهان قاطع على الضرر البليغ الذي يسببه الكحول والتبغ، وليت مضار الكحول والتبغ تقف عند حد الرئتين، بل إنها تتعداهما إلى جميع أجزاء الجسم.
إن النصارى في هذا الزمان قد صاروا أشد الناس عداوة ومحاربة للكحول والتدخين، فينشرون عنهما من الأضرار الناجمة والمتفرعة عنهما ما يقتضي التحذير والتنفير منهما، من ذلك أنهم منعوا منعًا باتًّا جميع الدعايات إلى الخمور أو التدخين، لا في الألواح ولا التلفزيون ولا السينما، ثم ألزموا الشركات التي تتعامل في الدخان بأن تكتب على كل علبة (احذر شرب الدخان، فإنه يضر صحتك)، وكل ما لا يكتب عليه فإنه يصادر. وهذه من الأسباب التي قللت فشوه وانتشاره في بلدهم، إذ الوقاية خير من العلاج.
فمتى كان الأمر في الدخان (التبغ) بهذه الصفة من تحقيق مضرته وسوء عاقبته، فإن من الواجب على وزارة التربية والتعليم ورعاية الشباب إصدار قرار بمنع التدخين في المدارس من كل أحد احترامًا لها، كما يحترم الناس المساجد بعدم التدخين فيها، ومراعاة لتقليله وعدمه، وإنما أسست المدارس لتعليم الشباب ما ينفعهم وتحذيرهم مما يضرهم وهذا منها، خصوصًا الأساتذة، فإنه متى قام أحدهم بالتدخين بمرأى من الشباب والمتعلمين، فإن هذا تعليم منه بإباحته، ودعاية سافرة إلى فعله، إذ التعليم والدعاية بالأفعال أبلغ منها بالأقوال، والأستاذ قدوة تلميذه، وثقته به تستدعي قبوله لما يقوله ويفعله، فالتلاميذ مع الأساتذة بمثابة الأعضاء مع اللسان، تقول: اتق الله فينا، فإن استقمت استقمنا وإن اعوججت اعوججنا.
إن في المشروبات المباحة النافعة التي تزيد في صحة الجسم والعقل ما يغني ويكفي عن هذه الأشربة الخبيثة التي ضررها أكبر من نفعها، ولكن حبك للشيء يعمي ويصم، فلا يسمع محبها نداءها، ولا يرى ضررها للغير وإيذاءها، وقد حفت النار بالشهوات.
والنفس كالطفل إن تتركه شبَّ على
حبِّ الرضاعِ وإن تفطمه ينفطمِ