ليس صحيحًا أن مدمن الخمر لا يستطيع تركها
يقول بعض الناس: إن الخمر متى أدمن صاحبها شربها وتخمر في رأسه حبها، فإنه قلَّ أن يقلع عنها أو يتوب عنها، لأنه كلما اشتكى رأسه من وجعها عاد إلى شربها، على حد ما قيل:
..................................
فداوني بالتي كانت هي الداء
ونحن لا نسلم بصحة هذا القول ولا لهذا الاعتقاد لوقوع العمل بضده، بطريق التجربة والمشاهدة، لكون عمل النفس من صاحبها، فالإقلاع عنها والتوبة منها سهل ميسر مع قوة الإرادة وصدق العزيمة، أما رأيت الصحابة الكرام كيف تربوا على حبها وإدمان شربها في جاهليتهم من حالة صغرهم إلى كبرهم، ثم أقلعوا عنها وتابوا منها بعد الإسلام وبعدما رسخ الإيمان في قلوبهم؛ لكون الإيمان الراسخ هو أعظم وازع على أفعال الطاعات وأقوى رادع عن ارتكاب المنكرات، والصبر المحمود هو الصبر على طاعة الله والصبر عما حرم الله.
إلى حالة أن الصحابة ندموا على الشهداء الذين قتلوا في سبيل الله وهي في بطونهم قبل أن تحرم الخمر عليهم، فأنزل الله تعالى: ﴿لَيۡسَ عَلَى ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ جُنَاحٞ فِيمَا طَعِمُوٓاْ إِذَا مَا ٱتَّقَواْ وَّءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ﴾ [المائدة: 93] لكون الشرائع لا تلزم إلا بعد البلوغ.
فهؤلاء الصحابة رضي الله عنهم لم يكن إقلاعهم عنها ثقيلاً في نفوسهم لكون قَوة الإيمان هي أعظم وازع وأقوى رادع عن ارتكاب المنكرات وشرب المسكرات.
لن ترجع الأنفس عن غيّها
ما لم يكن منها لها زاجرُ
وقد شرع الله الصيام لمغالبة النفس والشهوة والهوى، فيصبر عما حرم الله عليه من كل ما يشتهيه من الطعام والشراب والوقاع والخمر والدخان، حتى لو ضرب المسلم على أن يستبيح الفطر في نهار رمضان، لما استباح الفطر أبدًا، لكون المؤمن يلجم نفسه بلجام التقوى ويكفها من مراتع الغيِّ والردى حتى تتعود الصبر على طاعة الله، ثم الصبر عما حرم الله، والنفس من صاحبها، فإن أطمعها في فنون المشتهيات وأرخى لها العنان في تناول المطاعم والمشارب المحرمات طمعت واشتهت، وإن ألجمها بلجام التقوى وكبحها عن مشارب الغي والردى سلت وسمحت وانقادت.
وما النفسُ إلا حيث يجعلُها الفتى
فإن أُطمعت تاقت وإلا تسلَّتِ
و ﴿قَدۡ أَفۡلَحَ مَن زَكَّىٰهَا ٩ وَقَدۡ خَابَ مَن دَسَّىٰهَا ١٠﴾ [الشمس: 9-10].
إن الله سبحانه خلق الإنسان وفضله بالعقل على سائر الحيوان وركب فيه السمع والبصر ليتم بذلك استعداده لتناول المنافع والتباعد عن المضار، فمتى وقع في مضار الإسكار لغلبة شهوته على عقله علمنا حينئذ أنه ليس لديه عقل صحيح وأنه استحب العمى على الهدى؛ لأنه إنما سمي العقل عقلاً لكونه يعقل عن الله أمره ونهيه، أو لكونه يعقل صاحبه على الفرائض والفضائل ويردعه عن منكرات الأخلاق والرذائل، كما قيل:
والعقل في معنى العقال ولفظِهِ
فالخيرُ يعقل والسّفاه يحلّهُ
يعني أن العقل يعقل صاحبه على فعل الخير واجتناب الشر، وأن السفاه هو الذي يحل هذا العقال ويجعله يتخبط في فنون الضلال والخبال من أنواع الشرور وشرب الخمور، ﴿وَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ فِتۡنَتَهُۥ فَلَن تَمۡلِكَ لَهُۥ مِنَ ٱللَّهِ شَيًۡٔا﴾ [المائدة: 41].
قبحًا لهاتيك العقول فإنها
عِقالٌ على أصحابِها وعقابُ