تحريم الخمر
نادى الله عباده باسم الإيمان بعدما هاجروا إلى المدينة ورسخ الإيمان في قلوبهم، وانقادت للعمل به جوارحهم، فلا توجد هذه الصيغة إلا في السور المدنيات، وهذه الآيات هي من سورة المائدة التي هي من آخر القرآن نزولاً، فأحلوا حلالها وحرموا حرامها.
وهي نص قطعي في تحريم الخمر، فمن قال بإباحتها فقد كفر. والله سبحانه لا يحرم شيئًا من المحرمات كالربا والزنا وشرب الخمر إلا ومضرته واضحة، ومفسدة راجحة، ولا يوجب شيئًا من الواجبات، كالصلاة والزكاة والصيام، إلا ومصلحته راجحة ومنفعته واضحة.
وقد حرّم الله الخمر لفنون المضار المتفرعة عنها؛ لأنها أم الخبائث وجماع الإثم، ومفتاح الشرور والداعية إلى الفجور، تهتك الأسرار وتقصر الأعمار، وتولد في الجسم أنواع المضار، تذهب بالثروة وتهدم بيوت الأسرة، وتورث شاربها فنونًا من الجنون والجهالة والغفلة.
ولا يزال الرجل يمشي مع الناس بعفاف وشرف وحسن خلق إلى أن يشرب الخمر ويدب السكر في رأسه، فعند ذلك ينسلخ من الفضائل ويتخلق بالرذائل ويستوحش من أهله وأقاربه وجيرانه، وتنزل الكآبة وسيما السوء على وجهه، وتخيم الوحشة على أهل بيته، فيبتلون بالخوف الشديد من توقع سطوته؛ لكونه قد أزال عن نفسه نعمة العقل التي شرفه الله بها وألحق نفسه بالمجانين، وكيف يرضى بجنونٍ مَن عقل.