(6) حماية الدين والوطن من غزو أفلام الخلاعة والفتن
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله، ونستعين بالله، ونصلي ونسلم على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا نبيه ورسوله، اللهم صل على محمد وعلى آ له وصحبه وسلم.
أما بعد:
فإن نصوص الكتاب والسنة توجب على الأمة الإسلامية أن يكون منهم أمة صالحة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر؛ لأن هذا هو سبب صلاح الناس وفلاحهم، وعليه مدار سعادتهم في قديم الزمان وحديثه، قال تعالى: ﴿وَلۡتَكُن مِّنكُمۡ أُمَّةٞ يَدۡعُونَ إِلَى ٱلۡخَيۡرِ وَيَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ ١٠٤﴾ [آل عمران: 104]، فعلق سبحانه فلاح الناس ونجاتهم ونجاحهم بوجود جماعة مؤمنة يأمرون بالخير وينهون عن الفساد في الأرض، فهم يسعون في نجاة أنفسهم وإنجاء الناس معهم، فكانوا من أنفع الناس للناس، يهدون بالحق وبه يعدلون.
وأخبر سبحانه أن هذا هو سنته في خلقه من لدن القرون السابقة، وأنه ينجي الناس بوجود الرجال الصالحين الذين يأمرون بالخير وينهون عن الشر، ويسعون في البلاد بالإصلاح ومنع الفساد، فقال تعالى: ﴿فَلَوۡلَا كَانَ مِنَ ٱلۡقُرُونِ مِن قَبۡلِكُمۡ أُوْلُواْ بَقِيَّةٖ يَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡفَسَادِ فِي ٱلۡأَرۡضِ إِلَّا قَلِيلٗا مِّمَّنۡ أَنجَيۡنَا مِنۡهُمۡۗ وَٱتَّبَعَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَآ أُتۡرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجۡرِمِينَ ١١٦﴾ [هود:116] فأخبر سبحانه بأنه لولا وجود رجال صالحين ينهون عن الفساد في الأرض لعم الناس الهلاك والبلاء، ﴿وَلَوۡلَا دَفۡعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعۡضَهُم بِبَعۡضٖ لَّفَسَدَتِ ٱلۡأَرۡضُ﴾ [البقرة: 251]، فالأمر بالخير والنهي عن المنكر واجب على كل أحد بحسبه، كوجوب الصلاة والصيام؛ لأنه سنام الإسلام وقوام الدنيا والدين وصلاح المخلوقين، وهو الإلف المألوف المؤمِّن من كل خوف، به تألفت القلوب والتأمت الشعوب، وشمل الناس التلاطف والتعاطف والتواصل والتناصح، إذ هو بمثابة الدواء الذي يعالج به سائر الأدواء في رفعها ودفعها، أو من تقليلها وعدم فشوها وانتشارها، إذ المؤاخذة إنما تقع بطريق المجاهرة، فمن صفة المؤمنين ما أخبر الله عنهم بقوله: ﴿وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتُ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡضٖۚ يَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَيُطِيعُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓۚ أُوْلَٰٓئِكَ سَيَرۡحَمُهُمُ ٱللَّهُ﴾ [التوبة: 71].
والمعروف هو ما عرفت العقول السليمة والفطر المستقيمة حسنه وصلاحه وعموم نفعه، والمنكر هو ما أنكرت العقول السليمة والفطر المستقيمة قبحه وفساده ومضرته من سائر الأعمال على اختلاف أنواعها، ومن صفة المنافقين ما أخبر الله عنه بقوله: ﴿ٱلۡمُنَٰفِقُونَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتُ بَعۡضُهُم مِّنۢ بَعۡضٖۚ يَأۡمُرُونَ بِٱلۡمُنكَرِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَقۡبِضُونَ أَيۡدِيَهُمۡۚ نَسُواْ ٱللَّهَ فَنَسِيَهُمۡ﴾ [التوبة: 67]؛ أي نسوا ما ذكروا به مما يعود بصلاحهم وفلاحهم، ثم صلاح الناس معهم، فنسيهم الله وتركهم في طغيانهم يعمهون. ولهذا يقول بعض السلف في العصاة: إنهم هانوا على الله فعصوه ولو عزوا عليه لعصمهم، ولهدا نسيهم الله في عصيانهم وحذر المؤمنين أن يكونوا أمثالهم، فقال تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلۡتَنظُرۡ نَفۡسٞ مَّا قَدَّمَتۡ لِغَدٖۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ ١٨ وَلَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ نَسُواْ ٱللَّهَ فَأَنسَىٰهُمۡ أَنفُسَهُمۡۚ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ ١٩﴾ [الحشر: 18-19]؛ أي إنهم لما نسوا حق الله الواجب عليهم أنساهم مصالح أنفسهم الدينية والدنيوية؛ لكون الجزاء من جنس العمل.