الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب كل مسلم
إن النهي عن المنكر هو مما يقلل فشوه وانتشاره وسلامة الناس من أضراره وآلامه، والشريعة الإسلامية جاءت بجلب المصالح وتكثيرها، ودرء المفاسد وتقليلها، والمنكر متى ترك بحاله ولم يقم أحد من الناس بمنعه ودفعه، فإنه بمقتضى السكوت عنه ينتشر ويشتهر في العباد والبلاد على سبيل العدوى والتقليد الأعمى.
وإن الأمراء والعلماء والرؤساء ومجالس الشورى هم بمثابة المرابطين دون ثغر دينهم ووطنهم، يحمونه عن دخول الفساد والإلحاد، وما يعود بخراب البلاد وفساد أخلاق النساء والأولاد، ولا يتصف بالقيام بهذا العمل وحماية الدين والوطن إلا خيار الناس قولاً وعملاً، يقول الله تعالى: ﴿كُنتُمۡ خَيۡرَ أُمَّةٍ أُخۡرِجَتۡ لِلنَّاسِ تَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَتَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَتُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ﴾ [آل عمران: 110]، فهذه الخيرية الجميلة لا تدرك إلا بهذه الأعمال الجليلة التي من جملتها الأمر بالخير والنهي عن الشر، فإذا لم يتصفوا بذلك ولم يوجد منهم من يقوم بهذا الغرض، فإنهم يكونون من شر الخلق والخليقة؛ لأن من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه، يقول الله تعالى: ﴿لَوۡلَا يَنۡهَىٰهُمُ ٱلرَّبَّٰنِيُّونَ وَٱلۡأَحۡبَارُ عَن قَوۡلِهِمُ ٱلۡإِثۡمَ وَأَكۡلِهِمُ ٱلسُّحۡتَۚ لَبِئۡسَ مَا كَانُواْ يَصۡنَعُونَ ٦٣﴾ [المائدة: 63]، فأخبر الله أن نهي الربانيين والأحبار لهم قد قلل من فشو شرهم وفسادهم، وإنما دخل النقص على بني إسرائيل من أجل سكوتهم عن المنكرات حتى فشت وانتشرت وعم عقابها الصالح والفاسد، يقول الله تعالى: ﴿كَانُواْ لَا يَتَنَاهَوۡنَ عَن مُّنكَرٖ فَعَلُوهُۚ لَبِئۡسَ مَا كَانُواْ يَفۡعَلُونَ ٧٩﴾ [المائدة: 79]، وليس مخصوصًا هذا بهم دون غيرهم، بل هو شامل لكل من اتصف بصفتهم؛ لأن الاعتبار في القرآن بعموم لفظه لا بخصوص سببه، فهو يتمشى على حد:
إياك أعني واسمعي يا جارة
وخير الناس من وعظ بغيره، فكل ما قص الله عن بني إسرائيل فإنما يعني به هذه الأمة، فقوله: ﴿قُلۡ يَٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ لَسۡتُمۡ عَلَىٰ شَيۡءٍ حَتَّىٰ تُقِيمُواْ ٱلتَّوۡرَىٰةَ وَٱلۡإِنجِيلَ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكُم مِّن رَّبِّكُمۡ﴾ [المائدة: 68]، فمعناه بالضبط: يا أهل القرآن ويا أهل الإسلام لستم على شيء حتى تقيموا القرآن. فمتى قصر الناس في واجبهم ولم يقوموا بحماية دينهم ووطنهم، وتركوا الخمور تجلب إلى بلدهم، والحوانيت تفتح لبيعها، بحيث تكون في متناول كل يد من صغير وكبير، وتركوا الأفلام الخليعة والفواحش الشنيعة تنتشر بينهم، بحيث تغزوهم في عقر دورهم بدون أن ينكروا منكرها، وبدون أن يتناصحوا في شأنها، ويمنعوا ما يقبح منظره منها، فإنهم يعتبرون بأنه قد استودع منهم، وإن هذا العمل والسكوت عليه مؤذن بفتنة في الأرض وفساد كبير، وهؤلاء الرؤساء يلامون على سكوتهم عنه، إذ لا نجاة لهم ولا للناس معهم إلا بأمرهم بالخير ونهيهم عن الشر.