الاحتكار والتسعير
إن الناس قد يعرض لهم حالات من الحاجات والشدّات، وارتفاع أسعار الأطعمة والأشياء الضرورية، مما يوجب على الحكومة التدخل في مراعاة تلطيفها وتخفيفها بمقتضى العدل، بدون ضرر ولا ضرار.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إن التسعير منه ما هو ظلم لا يجوز، ومنه ما هو عدل جائز. انتهى.
وقد روى مسلم في صحيحه عن معمر بن عبد الله أن النبي ﷺ قال: «لَا يَحْتَكِرُ إِلَّا خَاطِئٌ»، والمحتكر الخاطئ هو الذي يشتري الطعام من السوق، ثم يحتكره لإرادة الغلاء.
أما من كان عنده طعام من نخله أو زرعه فاحتكره لإرادة الغلاء، فلا يعمه الوعيد. ومثله من اشتراه في حالة الكساد واليسار، أو اشتراه من التجار، فلا يشمله الوعيد؛ لكون الحديث ورد فيمن اشترى طعامًا مجلوبًا في السوق؛ لقوله ﷺ: «الْجَالِبُ مَرْزُوقٌ، وَالْمُحْتَكِرُ مَلْعُونٌ»[107]، ولأن في خزن الطعام في حالة كساده، مصلحة عامة لجميع الناس، بحيث يجدونه عندما يحتاجون إليه، وهو أحسن من كونهم لا يجدونه، ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إن المحتكر هو الذي يعمد إلى شراء ما يحتاج إليه الناس من الطعام المجلوب في السوق، فيحبسه عنهم، يريد غلاءه عليهم، وهو ظلم للخلق لما فيه من الإرهاق والتضييق عليهم بزيادة الثمن، ومثله من عنده طعام غير محتاج إليه، وفي الناس ضرورة وحاجة إليه.
فلولي الأمر أن يكره مثل هذا على بيع ما عنده بقيمة المثل عند الضرورة في حالة حاجة الناس إليه، وفي غير الضرورة لا يجوز إكراهه على بيع ما عنده ولا التسعير عليه في ماله، وعليه يُحمل ما رواه أنس، قال: غلا السعر على عهد رسول الله ﷺ فقالوا: لو سعرت لنا يا رسول الله. فقال: «إنَّ اللَّهَ هُوَ الْقَابِضُ الْبَاسِطُ الرَّازِقُ الْمُسَعِّرُ، وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَلْقَى اللَّهَ وَلَا يَطْلُبُنِي أَحَدٌ بِمَظْلِمَةٍ فِي دَمٍ وَلَا مَالٍ» رواه أبو داود والترمذي وصححه.
فما يفعله الناس من تسعير السمك على الصيادين، وهو صيد لا ينالونه إلا بكلفة ومشقة، ويخوضون في حصوله الخطر وفنون الضرر. فإن هذا التسعير خطأ؛ لكونه مما يقتضي تنفيرهم عنه، ومن الواجب مساعدتهم لتوفيره.
* * *
[107] رواه ابن ماجه في سننه من حديث عمر.