متقدم

فهرس الكتاب

 

عقيدة الاشتراكية الماركسية وسوء عواقبها على الدين والدولة

إن الاشتراكية الماركسية هي الشيوعية المادية حقيقة وعقيدة، تنكر وجود الرب ووجود الملائكة، وتكذب بالأنبياء وتكذب بالبعث بعد الموت وتكذب بالجنة والنار، وتقول: ما هي إلا حياتنا الدنيا، وقد ذكروا ذلك في البيان الشيوعي الأول، حيث قالوا: إنه لا إله، والحياة مادة.

وتستعمل الشيوعية في سبيل تحقيق ذلك الثورة على الأخلاق والنظم. ثم استعمال الإبادة للجيل المنافي لهذه الفكرة، وخاصة الأمراء والزعماء والعلماء؛ ليستجدوا جيلاً لا يعرف معروفًا ولا يؤمن بدين، ويعتقدون بأن الدين أفيون الشعوب.

وإنما اشتدت كراهية الناس لها، وخاصة المسلمين، لكونها فكرة إلحادية تحاول أن تجتث أصل دين الإسلام، وتمحو معالمه. ثم ازدادوا نفرة عنها بعد أن عرفوا مساوئها السيئة، وكونها تجلب للناس الفقر والبلاء والخراب والدمار، مما رآه الناس وسمعوا به في البلدان الاشتراكية الماركسية نفسها، فاشتد بغضهم لها ونفرتهم عنها؛ لكون الضد يظهر حسنه الضد، وإنما تتبين الأشياء بأضدادها.

إن البلدان العربية استعصت على استجابة دعاية الاشتراكية من أجل إيمانها بالله وتمسكها بدينها الذي هو دين الإسلام؛ لأنهم -وإن دخل عليهم شيء من المبادئ الهدامة الجديدة التي علقت بأخلاق بعضهم، من سراية العدوى من الأخلاق الأوربية- لكنهم ما زالوا ولم يزالوا متمسكين بالإيمان بالله وحده ومحبة دين الإسلام، وإن كان الكثير من بعض البلدان لا يقومون بأداء فرائضه على التمام، لكن سلطان الدين ثابت وراسخ في نفوسهم، وهو السبب الأعظم الذي به عزوا ونهضوا، وفتحوا وسادوا، وبلغوا المبالغ كلها من المجد والرقي، فهو الهداية المهداة لجميع الخلق، فمنهم من آمن به، ومنهم من صدّ عنه، ومن أجل قوة سلطان الإيمان على نفوسهم، وأخذه بمجامع قلوبهم، اشتدت شكيمة العرب المسلمين دون انقيادها لدعوة الاشتراكية الماركسية، ودون انتشارها في بلدانهم، وحتى الذين ابتلوا بها في بدء ثورتها، أخذوا يقررون مصيرهم في التخلي عنها، والبراءة منها.

وحتى إن البادئين بتبني فكرة الاشتراكية في بعض البلدان العربية، كمصر، قد عرفوا تمام المعرفة أن دين الإسلام هو أقوى رادع، وأعظم وازع إلى محاربتها وعدم انتشارها؛ لأنه متى قوي سلطان الإيمان في القلب، فإنه يكون أقوى وأقدر على دفع ما يعرض له من البدع والنحل المزيفة والمذاهب الهدامة التي تُزيغ الناس عن معتقدهم الصحيح، ثم تقودهم إلى الإلحاد والتعطيل والزيغ عن سواء السبيل.

لهذا أخذوا يحتالون على الناس بدخولها إلى بلاد المسلمين تحت ستار الدين؛ لكونهم يلبسون الحق بالباطل، ويكتمون الحق وهم يعلمون، فجعلوا الدين جسرًا ومنفذًا يدخلون منه إلى قلوب العوام وضعفة العقول والأفهام، فنشروا في كتبهم وفي صحفهم أن دين الإسلام هو دين اشتراكي، وأن الاشتراكية لا تخالف الدين، بل إنها مستمدة من دين الإسلام، ثم أخذوا في خداع الناس، زاعمين أن اشتراكيتهم تؤمن بالله ورسله، وأنها لا علاقة لها بالدين، وما هي إلا مذهب اقتصادي في تمثيل الحياة فقط، فهم يحاربون الدين باسم الدين.

استباحوا هذا المكر والخداع في سبيل نصر مذهبهم، وحتى يصدق بنحلتهم الرجل العامي والهمج السذج الذين لم يعرفوا حقيقة الاشتراكية الماركسية، ولم يدرسوا مبادئها ولا عرفوا عواقبها السيئة ولا أصولها وما يدعون إليه، وكل من قويت معرفته بها وبمبادئها وما تؤول إليه، فإنه سيكون أشد عنها نفرة، وأشد لها بغضًا ممن لم يكن له غرض وهوى في أكل أموال الناس بالباطل.

والحاصل أن مبدأ الشيوعية من تسميتها بالشيوع؛ أي الاشتراك في الإبضاع في النساء وفي الأموال، فأظهروا الاشتراكية الماركسية في الأموال وبعد نجاحها يعودون إلى إظهار الاشتراكية في الإبضاع. فلا يختص أحد بامرأة دون الآخرين، وينقمون على الزواج الشرعي بأنه قيد لحرية الأشخاص، واستمتاعهم بتوسعهم فيها.

والمقصود أن الاشتراكية الماركسية والقائمين بها والداعين إليها كلها زيف وتضليل وكذب، وفضائحها وفظائعها مشهورة ومشاهدة، فهي أحدّ آلة في هدم المجتمع وتغييره، وهدم الدين واستباحة حرمات المسلمين من كل ما يتصل بأموالهم وأخلاقهم وأعراضهم.

فاعتقاد صحتها واستباحة ما يترتب عليها هو كفر بالله. فلا يجوز لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يزوّج مولاته من رجل شيوعي، يعتقد ويستبيح كل ما ذكرنا من عقيدة الشيوعيين، كما أنه لا يجوز لمسلم أن يتزوج بامرأة شيوعية تعتقد هذا الاعتقاد. وكما أن هذا الشيوعي لا يستحق أن يرث أباه المسلم؛ لكون الكفر يقطع الموالاة والنسب، فلا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم، كما حكى الله عن نبيه نوح عليه السلام أنه قال: ﴿رَبِّ إِنَّ ٱبۡنِي مِنۡ أَهۡلِي [هود: 45]؛ أي وقد وعدتني أن تنجيني بأهلي، فقال: ﴿قَالَ يَٰنُوحُ إِنَّهُۥ لَيۡسَ مِنۡ أَهۡلِكَۖ إِنَّهُۥ عَمَلٌ غَيۡرُ صَٰلِحٖ [هود: 46]. فبما أن للإسلام صوًى ومعالم كمعالم الطريق يعرف به صاحبه، فكذلك الكفر، فإن له معالم كمعالم الطريق يعرف به صاحبه. وبما أن الإيمان هو اعتقاد وقول وعمل، فكذلك الكفر هو اعتقاد وقول وعمل، والله تعالى يقول: ﴿وَقُلِ ٱعۡمَلُواْ فَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمۡ وَرَسُولُهُۥ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَٰلِمِ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ ١٠٥

[التوبة:105].

* * *