خداع زعماء الاشتراكية الماركسية في تسمية نحلتهم بالإسلامية
إن الشريعة الإسلامية- أي الكتاب والسنة- هي عدل الله في أرضه، ورحمته لعباده، نصبها حكمًا قسطًا، تحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه من الأقوال والأعمال والاعتقاد، فتقطع عن الناس النزاع، وتعيد خلافهم إلى مواقع الإجماع. وإن هذه الاشتراكية العلمية الماركسية هي اشتراكية ماركس اليهودي[96].
وحين ابتدأ في ابتداعها استنفر لها العمال المقلّين من المال، وأوهمهم بأنه سيساويهم بالأغنياء، فاستجابوا لدعوته مسرعين، لطمعهم في مشاركة المكثرين. ومن العادة أن الغوغاء هم عون الظالم ويد الغاشم في كل زمان ومكان.
وعلى أثرها اشتد الفقر والبؤس بالناس، حتى صار بعضهم ينهب بعضًا، وفقدت الأمانة وذهبت التجارة، وانقطعت السبل وعدمت الحاجات الضرورية فضلا عن الكمالية، وغلت الأطعمة، وازداد بها الفقير فقرًا إلى فقره، فانسل دعاتها عنها حين علموا بأنه لا حياة ولا معيشة معها، وكادت أن تموت وتدفن في أجداثها كل هذه السنين الطويلة.
حتى تصدى لبعثها (جمال عبد الناصر) حاكم مصر في زمانه، فبعثها من أجداثها حتى رسخت في مصر، وصدر الأمر بتعميم تأميمها.
ثم انتشرت في بعض البلدان العربية، وهي تنادي بذهاب الثروة وقوة الأمة، وهي نفس الاشتراكية العلمية الماركسية بلا اختلال ولا خلاف، فهي شيوعية محضة، وإن هذه الاشتراكية مبنية على الخداع والتغرير والتضليل، في بداية دعوتها ونهايتها، يدلسون على العوام وضعفة العقول والأفهام بأنها اشتراكية إسلامية، وأن دين الإسلام اشتراكي، وأن عمر بن الخطاب اشتراكي، وأن أبا ذر اشتراكي، تخرصًا وأحاديث ملفقة ما أنزل الله بها من سلطان.
والأصل في ذلك كله هو تضليل عوام المسلمين وإطفاء ثائرة غضبهم، وليكثروا بهم سوادهم. والحق أن دين الإسلام بريء من هذه الاشتراكية الماركسية؛ لأن دين الإسلام يحترم أموال الأفراد والجماعات، كما يحترم دماءهم، ويقول: «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ»[97].
أما زبانية هذه الفكرة، فإنهم يحرمون هذه الأموال على أهلها التي هي نتاج قوتهم وعرق جبيهم، ويبيحونها لأنفسهم، فلا تسأل عما كانوا يفعلون. فليس الإسلام بدين الاشتراكية الظالمة، إنما هو دين العدل والكمال، قد نظم حياة الناس أحسن نظام، في حالة الشخص بانفراده ومع أهله وفي مجتمع قومه، بالحكمة والمصلحة والعدل والإحسان؛ لأنه الدين الصالح لكل زمان ومكان، الكفيل بحل مشاكل العالم، ما وقع في هذا الزمان، وما سيقع بعد أزمان، فلا يقع بين الناس مشكلة من مشكلات العصر، كهذه الاشتراكية الماركسية، إلا وفي الشريعة الإسلامية بيان حلالها من حرامها، كما أنه لا يأتي صاحب باطل بنحلة باطلة، إلا وفي الشريعة الإسلامية بيان بطلانها، وطريق الهدى من الضلال فيها، فهو كفيل بسعادة الناس في دنياهم وآخرتهم.
فلو أن الناس آمنوا بتعاليم دين الإسلام، وانقادوا لحكمه وتنظيمه، ووقفوا عند حدوده ومراسيمه، لصاروا به سعداء، ولما استباح بعضهم أموال بعض، بحجة الاشتراكية المبتدعة التي ما أنزل الله بها من سلطان. إن الناس لو تفقهوا في الإسلام، وعملوا به على التمام، لهداهم إلى التي هي أقوم، ولما وقعوا في فرق الاختلاف والانحلال، كفرقة الاشتراكية الماركسية، وفرقة الشيوعية والبعثية. وفرقة القومية العربية، وفرقة البهائية، والقاديانية، قد استبدلوا هذه الأسماء ومسمياتها بدل الإسلام والدين الذي سماهم الله به المسلمين المؤمنين عباد الله، ﴿وَمَن يَبۡتَغِ غَيۡرَ ٱلۡإِسۡلَٰمِ دِينٗا فَلَن يُقۡبَلَ مِنۡهُ وَهُوَ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ ٨٥﴾ [آل عمران: 85].
فنظام دين الإسلام، بمقتضى اسمه ومسماه وعقائده وقواعده، هو صراط الله المستقيم، فلا ينسب إليه شيء من هذه المذاهب والنحل المبتدعة والسبل المتفرقة، التي عناها القرآن بقوله: ﴿وَأَنَّ هَٰذَا صِرَٰطِي مُسۡتَقِيمٗا فَٱتَّبِعُوهُۖ وَلَا تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمۡ عَن سَبِيلِهِۦۚ ذَٰلِكُمۡ وَصَّىٰكُم بِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ ١٥٣﴾ [الأنعام: 153]، لأن هذه النحل التي انتحلوها واستحلوا سلوكها، قد أبعدت بهم عن سبيل الله والدين، وإن كانوا يتسمون به بألسنتهم مع مخالفتهم له بأعمالهم وعقائدهم.
وكلٌّ يَدّعي وصلاً بليلى
وليلى لا تُقرُّ لهم بذاكَ
فالإسلام ليس محض ألعوبة وأماني كاذبة، بحيث يقول الشيوعي: إن الشيوعية إسلامية. والاشتراكي الماركسي يقول: إن الاشتراكية إسلامية. وكذا القومية العربية والبعثية، والقاديانية. وما سيبتدع من النحل، ويسمى باسمه. والله يقول: ﴿لَّيۡسَ بِأَمَانِيِّكُمۡ وَلَآ أَمَانِيِّ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ﴾ [النساء: 123]؛ لأن للإسلام صوىً ومنارًا كمنار الطريق، يعرف به صاحبه. فأحكامه وأركانه وفرائضه وفضائله معروفة مشهورة، ولن تتوفر لأي نظام أو أي نحلة غيره متى أحسن الناس فهمه وتطبيقه وإتباعه.
ومتى قصّر أهله في فهمه وعدم العمل به، فلن ينسب إليه هذا النقص والتقصير، إذ إن كثيرًا من الناس في هذا الزمان يتسمون بالإسلام، وهم منه بعداء، وينتحلون حبه وهم له أعداء، يعادون بنيه ويسعون في تقويض مبانيه، لم يبق معهم من الإسلام سوى محض التسمي به والانتساب إليه، بدون عمل به ولا انقياد لحكمه، فكانوا ممن قال الله فيهم: ﴿وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَمَا هُم بِمُؤۡمِنِينَ ٨ يُخَٰدِعُونَ ٱللَّهَ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَمَا يَخۡدَعُونَ إِلَّآ أَنفُسَهُمۡ وَمَا يَشۡعُرُونَ ٩ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ مَرَضٗاۖ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمُۢ بِمَا كَانُواْ يَكۡذِبُونَ ١٠﴾ [البقرة: 8-10].
فاعملوا بإسلامكم تعرفوا به، وادعوا الناس إليه تكونوا من خير أهله، فإنه لا إسلام بدون عمل.
هو الإسلام ما للناس عنه
إذا ابتغوا السلامة من غناءِ
إذا انصرفت شعوبُ الأرض عنه
فبَشِّرْ كلَّ شعبٍ بالشقاءِ
* * *
[96] كارل ماركس: ألماني الجنسية من أسرة يهودية، ولد سنة 1818 م في بلدة (تريف)، وكان كسولاً أنانيًّا يطلب المال من أبيه دون أن يعمل وسمّته أمه باسم (الطفيلي)، واشتهر بكذبه وعدم وفائه بعهوده، ووضع آراءه الاقتصادية في كتابه (رأس المال)، وأصدر مع صديقه (إنجلز) البيان الشيوعي المشهور الذي تضمن الأسس التي تقوم عليها الحركة الشيوعية. [97] أخرجه الإمام أحمد من حديث عم أبي حرة الرقاشي.