جهاد اليهود المحاربين للمسلمين
إن الله سبحانه قد ضمن النصر للمؤمنين المجاهدين فقال سبحانه: ﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَيَوۡمَ يَقُومُ ٱلۡأَشۡهَٰدُ ٥١﴾ [المؤمن: 51]، وقال: ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيۡنَا نَصۡرُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٤٧﴾ [الروم: 47]، فهذا النصر المضمون للمؤمنين هو مشروط بنصرهم لدين الله وحمايته والذود عن حدود المسلمين وحقوقهم وحرماتهم، وأن يجاهدوا أنفسهم على القيام بواجبات دينهم قبل أن يجاهدوا عدوهم، حتى يكون الله وليهم وناصرهم والمعين لهم على عدوهم، ﴿إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرۡكُمۡ وَيُثَبِّتۡ أَقۡدَامَكُمۡ ٧﴾ [محمد: 7].
ولابد مع هذا من الأخذ بأسباب الوسائل من الحزم والعزم والاستعداد بالقوة، كما أرشد إليه الكتاب العزيز في قوله: ﴿خُذُواْ حِذۡرَكُمۡ﴾ [النساء: 71]، وقوله: ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن قُوَّةٖ﴾ [الأنفال: 60]، والقوة تختلف باختلاف الأحوال والأزمان، ولكل زمن دولة وقوة ورجال تناسب حالة القتال وزمانه.
أما إذا تخلف عملهم عن واجبات دينهم ولم يستعدوا بالحزم والعزم والقوة لجهاد عدوهم، فإنه يتخلف عنهم هذا النصر المضمون لهم؛ لأن ذنوب الجيش جند عليه، والاتكال على الإيمان بدون عمل يعتبر عجزًا ومخالفة لأمر الله ورسوله.
ولهذا يجب التفكير في سبب تخلف هذا النصر عن المؤمنين طيلة هذه السنين في قوله: ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيۡنَا نَصۡرُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٤٧﴾ [الروم: 47]، ولن يخلف الله وعده، وإن تخلف هذا النصر هو من أجل تخلف إصلاح الأحوال والأعمال، فتسلط الأعداء عليهم في حال تقصيرهم بواجبات دينهم وعدم استعدادهم بالقوة لمجابهة عدوهم، ثم وقوع الفتن والعداوة والبغضاء بين حكام المسلمين وزعمائهم، حتى صار بأسهم بينهم شديدًا مما أوجب تشتيت شملهم وذهاب حولهم وقوتهم، ولن تقوى صولة الباطل وتعظم شوكته إلا في حالة رقدة الحق وغفلته عنه، فإذا انتبه له هزمه بإذن الله تعالى، ﴿بَلۡ نَقۡذِفُ بِٱلۡحَقِّ عَلَى ٱلۡبَٰطِلِ فَيَدۡمَغُهُۥ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٞۚ وَلَكُمُ ٱلۡوَيۡلُ مِمَّا تَصِفُونَ ١٨﴾ [الأنبياء: 18]، غير أن الشيطان يخوف ويخذل ضعفة الإيمان ويعظم شأن أعدائهم في نفوسهم، مما يدخل الرعب والرهب في نفوسهم منهم، يقول الله تعالى: ﴿إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ يُخَوِّفُ أَوۡلِيَآءَهُۥ فَلَا تَخَافُوهُمۡ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ ١٧٥﴾ [آل عمران: 175]؛ أي يخوفكم بأوليائه ويعظمهم في نفوسكم.
ومن هذا التخويف ما وقع في قلوب أكثر الناس من شدة خوفهم من اليهود وتعظيمهم في نفوسهم حتى ظنوا أنهم لن يغلبوا لشدة كيدهم ومكرهم وتوفر وسائل القوة لديهم، وقد غزوا قلوب أكثر الناس بالرعب والرهب.
ونسوا أن الله سبحانه قد وعد عباده المؤمنين بالنصر عليهم فقال تعالى: ﴿لَن يَضُرُّوكُمۡ إِلَّآ أَذٗىۖ وَإِن يُقَٰتِلُوكُمۡ يُوَلُّوكُمُ ٱلۡأَدۡبَارَ ثُمَّ لَا يُنصَرُونَ ١١١ ضُرِبَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلذِّلَّةُ أَيۡنَ مَا ثُقِفُوٓاْ إِلَّا بِحَبۡلٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَحَبۡلٖ مِّنَ ٱلنَّاسِ وَبَآءُو بِغَضَبٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَضُرِبَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلۡمَسۡكَنَةُۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ كَانُواْ يَكۡفُرُونَ بَِٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَيَقۡتُلُونَ ٱلۡأَنۢبِيَآءَ بِغَيۡرِ حَقّٖۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعۡتَدُونَ ١١٢﴾ [آل عمران: 111-112].
إنه من المعروف المألوف عن اليهود أنهم أجبن الناس عند اللقاء وجهًا لوجه؛ لأنهم كما أخبر الله عنهم أحرص الناس على حياة.
لكنهم وجدوا في هذا الزمان ملجأ منيعًا رفيعًا من متون الطائرات التي تحلق بهم إلى أجواء السماء ثم يمطرون الناس بقذائف التعذيب والتخريب. ولن يستمر لهم هذا الصنيع إن شاء الله فإن المسلمين لديهم المادة المالية التي تؤهلهم لإدراك كل ما يريدون من وسائل القوة المماثلة أو الزائدة على قوة الأعداء مع قوة الإيمان بالله عز وجل، ومتى صدقت العزيمة وقويت الإرادة حصل المراد، وقد قيل: إن الحاجات هي أم الاختراعات. والمال هو المحور الذي تدور عليه رحى الحرب ويستعان به في الطعن والضرب، إن المصارعة بين الحق والباطل والقتال بين المسلمين والكفار لا تزال قائمة وموجودة من لدن خلق الله الدنيا إلى أن تقوم الساعة، والعاقبة للتقوى. فمن ظن أن الله يديل الباطل على الحق إدالة مستمرة، أو ظن أن الله يديل اليهود على المسلمين إدالة مستمرة، فقد ظن بالله ظن السوء.
لكن الله سبحانه بحكمته يؤدب عباده، فإذا عصاه من يعرفه سلط عليه من لا يعرفه، والباطل لا تقوى شوكته ولا تعظم صولته إلا في حال رقدة الحق عنه وغفلته عنه، فإذا انتبه له هزمه بإذن الله تعالى ﴿بَلۡ نَقۡذِفُ بِٱلۡحَقِّ عَلَى ٱلۡبَٰطِلِ فَيَدۡمَغُهُۥ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٞۚ وَلَكُمُ ٱلۡوَيۡلُ مِمَّا تَصِفُونَ ١٨﴾ [الأنبياء: 18]. ﴿كَم مِّن فِئَةٖ قَلِيلَةٍ غَلَبَتۡ فِئَةٗ كَثِيرَةَۢ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ ٢٤٩﴾ [البقرة: 249].
غير أن للباطل صولة نعوذ بالله من شرها لكن عاقبتها الذهاب والاضمحلال، ومن هذه الصولة ما وقع في قلوب أكثر الناس من شدة خوفهم من اليهود وتعظيمهم في نفوسهم.
وكل شيء مرهون بوقته ومربوط بقضاء الله وقدره وعند التناهي يقصر المتطاول. إن هؤلاء الآيسين من رحمة الله والقانطين من نصر الله قد نسوا قول الله تعالى: ﴿وَإِذۡ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبۡعَثَنَّ عَلَيۡهِمۡ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ مَن يَسُومُهُمۡ سُوٓءَ ٱلۡعَذَابِ﴾ [الأعراف: 167]، وصدق الله العظيم فإن هذا العذاب الذي وعدهم الله بأن يساموا به هو ضربة لازب في حقهم لا يفارقهم ولا يزال ملازمًا لهم بأيدي المسلمين أو بأيدي من يسلطهم الله عليهم من سائر الأمم، فإن الله سبحانه يولي بعض الظالمين بعضًا، وما سيقع بهم إلى يوم القيامة أكثر وأعظم، ﴿سَنُرِيهِمۡ ءَايَٰتِنَا فِي ٱلۡأٓفَاقِ وَفِيٓ أَنفُسِهِمۡ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمۡ أَنَّهُ ٱلۡحَقُّ﴾ [فصلت: 53].
إن هذا الطفور والطغيان ومجاوزة الحد في الفتك والسفك والعدوان الواقع من اليهود على العرب المسلمين الفلسطينيين طيلة هذه السنين، حتى أخرجوهم من ديارهم ومساكنهم إلى الصحراء، واستولوا عليها قسرًا وقهرًا، وأخذوا يسومونهم سوء العذاب من القتل والتضييق والإرهاق حتى بلغ الأمر بهم إلى أشد الاختناق وإلى حد ما لا يطاق، ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَٰتَلُونَ بِأَنَّهُمۡ ظُلِمُواْۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصۡرِهِمۡ لَقَدِيرٌ ٣٩﴾ [الحج: 39]، قد عرف العقلاء أن هذا التغلب والاستيلاء من اليهود إنما حصل بسبب ذنب من المسلمين اقترفوه ولو استقاموا ما سقموا، فإن ذنوب الجيش جند عليه والله تعالى يقول: ﴿مَّآ أَصَابَكَ مِنۡ حَسَنَةٖ فَمِنَ ٱللَّهِۖ وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٖ فَمِن نَّفۡسِكَ﴾ [النساء: 79]، فبسبب الاختلاف في النزعات والأهواء بين الملوك والزعماء تقطعت وحدة المسلمين إربًا وأوصالاً، وصاروا شيعًا وأحزابًا، ففشت من بينهم الفوضى والشقاق، وقامت الفتن على قدم وساق، وهي فرصة سنح للعدو فيها المواثبة، فقويت شوكته وعظمت صولته وتسلط على المسلمين بجبروته وقوته، حتى أخذ الناس يقولون: متى نصر الله؟ ألا إن نصر الله قريب، وإن هذه الطائفة الباغية الطاغية التي حلت بساحة العرب المسلمين تقتل الأنام وتحاول أن تجتث أصل الإسلام ينسلون للتعاون من كل حدب ويتواثبون على أهل الإسلام من كل جانب، فإن جهادهم واجب على المسلمين بكل الوسائل، فمن لم يقدر عليه ببدنه وجب عليه بماله؛ لأن المال بمثابة الترس يُستجلب به العدد والعتاد ووسائل الجهاد ويستدفع به صولة أهل الكفر والعناد.
إن منشأ هذا التغلب بطريق الطفور من طائفة اليهود هو أنهم وجدوا جوًّا خاليًا لا يقال لهم فيه: إليكم إليكم. فأخذوا يبيضون ويصفرون ويصنعون من السفك والفتك ما يريدون، وإلا فإنهم أجبن أمة عند اللقاء، وقد جرب المسلمون ذلك معهم في ذي الحجة عام87 هجري الموافق 68 ميلادي[72]، حيث هزموهم بإذن الله بدون عناء لولا إنقاذ أمريكا لهم، وصادفهم أهل الأردن وخاصة الفدائيين فهزموهم واستولوا على قواتهم وقتلوا منهم عددًا كثيرًا، ورجعوا منهزمين يائسين حزينين، وهذه سنته سبحانه فيمن طغى وبغى وتجبر على الناس.
إن هذه القضية قد حركت كل من في قلبه غيرة دينية أو نخوة عربية، فساهموا في الفضل وتنافسوا في البذل، فساحت أيديهم بالندى وتساعدوا على دفع الاعتداء، ﴿هَٰٓأَنتُمۡ هَٰٓؤُلَآءِ تُدۡعَوۡنَ لِتُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبۡخَلُۖ وَمَن يَبۡخَلۡ فَإِنَّمَا يَبۡخَلُ عَن نَّفۡسِهِۦ﴾ [محمد:38]، ﴿فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسۡتَطَعۡتُمۡ وَٱسۡمَعُواْ وَأَطِيعُواْ وَأَنفِقُواْ خَيۡرٗا لِّأَنفُسِكُمۡۗ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفۡسِهِۦ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ ١٦﴾ [التغابن: 16]، والله أعلم.
﴿سُبۡحَٰنَ رَبِّكَ رَبِّ ٱلۡعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ١٨٠ وَسَلَٰمٌ عَلَى ٱلۡمُرۡسَلِينَ ١٨١ وَٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ١٨٢﴾.
وصلى الله على نبيه محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
حرر في 14 جمادي الآخرة سنة 1398هـ.
* * *
[72] يوم الخميس 22 ذي الحجة 1387 الموافق 21-3-1968م.