متقدم

فهرس الكتاب

 

قتال الصحابة للخوارج على النهروان

وأما استدلال الكاتب بقتال الصحابة للخوارج زاعمًا أن قتلهم هو من المبادأة التي هي الطلب، ويسمى الهجوم، وأنه لم يوجد منهم من التعدي أو الابتداء بالاعتداء ما يوجب قتلهم وقتالهم.

أقول: إن الخوارج إنما سموا خوارج من أجل أنهم خرجوا على الإمام علي ابن أبي طالب رضي الله عنه وعلى الصحابة، وقد وصفوا بأنهم يقتلون أهل الإسلام ويتركون أهل الأوثان. وسبب خروجهم أنه لما وقع التحكيم بين علي ومعاوية وقد اتفقا على تحكيم أبي موسى الأشعري عن علي وعمرو بن العاص عن معاوية، فعند ذلك قالوا: حكمتم الرجال ونبذتم كتاب الله وراء ظهوركم. وحكموا بكفر الصحابة لهذا السبب، وهم غوغاء الناس. والغوغاء هم عون الظالم ويد الغاشم في كل زمان ومكان. وقد وصفهم رسول الله بأنهم: «صغار الْأَسْنَانِ، وَسُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ، يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلاَتَهُ مَعَ صَلاَتِهِمْ، وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوْقَ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، إِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ، فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا، لِمَنْ قَتَلَهُمْ»[70]. فخرجوا من صف علي ومعاوية وقد عرفوا بالشجاعة والشدة والغلو الزايد، ويكفرون الناس بالذنب.

وقد استشار علي رضي الله عنه الصحابة في قتالهم أو قتال أصحاب معاوية، فأشاروا عليه بالبداءة بقتالهم قائلين: إن بقاءهم على حالهم خطر علينا وعلى أهلنا وأولادنا. فاستعان بالله ثم قاتلهم على النهروان حتى هزمهم. وقد قال النبي ﷺ: «يَقْتُلُهُمْ أَوْلَى الطَّائِفَتَيْنِ بِالْحَقِّ». فكان علي رضي الله عنه أولى الطائفتين بالحق عند أهل السنة، ومع ذلك قد قيل لعلي: أكفار هم؟ قال: لا، بل من الكفر فروا، إخواننا بغوا علينا. فقتال الصحابة لهم هو نوع من الحدود الشرعية كقطاع الطريق. وقد بدؤوا يعيثون في الأرض الفساد بقتل بعض الأفراد أشبه بقطاع الطريق الذين قال الله فيهم: ﴿إِنَّمَا جَزَٰٓؤُاْ ٱلَّذِينَ يُحَارِبُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَيَسۡعَوۡنَ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوٓاْ أَوۡ يُصَلَّبُوٓاْ أَوۡ تُقَطَّعَ أَيۡدِيهِمۡ وَأَرۡجُلُهُم مِّنۡ خِلَٰفٍ أَوۡ يُنفَوۡاْ مِنَ ٱلۡأَرۡضِ [المائدة: 33]، وحسبك أنهم كفروا الصحابة.

فقتال الصحابة لهم هو دفع لشرهم ويدخل في نوع الجهاد بالدفاع وهو واضح جلي لا مجال للشك في مثله. فلا وجه لدعوى عدم تعديهم إذ الحقائق تكذب ذلك، ويعدون عند العلماء من المبتدعين وليسوا من القوم الكافرين.

* * *

[70] متفق عليه من حديث أبي سعيد الخدري.