طريقنا في الدعوة إلى دين الإسلام
قلنا في دعوتنا إلى دين الله وإلى الجهاد في سبيل الله: إن الإسلام يسالم من يسالمه ولا يقاتل إلا من يقاتله أو يمنع نشر دعوته أو يقطع السبيل في منع إبلاغها للناس، فإنهم بمنع إبلاغها يعتبرون معتدين على الدين وعلى الخلق أجمعين؛ لأن الله سبحانه أمر بإبلاغ هذا الدين والتبشير به جميع خلقه، قال سبحانه: ﴿وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانُ لِأُنذِرَكُم بِهِۦ وَمَنۢ بَلَغَ﴾ [الأنعام: 19]، فمتى أقبل دعاة الإسلام على بلد ليدعوا أهلها إلى دين الله بالحكمة والموعظة الحسنة ويجادلوهم بالتي هي أحسن، فإن فتح لهم الباب وسهل لهم الجناب وأذن لهم بالدخول ونشر الدعوة، فهذا غاية ما يبتغون وبذلك فليفرح المؤمنون، فلا قتل ولا قتال، وكل الناس آمنون على دمائهم وأموالهم، وقد فتح المسلمون كثيرًا من البلدان بهذه الصفة مما يسمى صلحًا، أما إذا نصبت لهم المدافع ووجهت نحوهم أفواه البنادق وسلت في وجوههم السيوف ومنع الدعاة منعًا باتًّا عن حرية نشر دعوتهم وعن الاتصال بالناس في إبلاغهم دين الله الذي فيه سعادتهم وسعادة البشر كلهم، فإنهم يعتبرون حينئذ معتدين على الدين وعلى الخلق أجمعين، ويعتبر المسلمون مكلفين من الله باقتحام كل شدة ومشقة وخوض كل خطر وضرر في سبيل الله وفي سبيل نشر دين الله، حتى يزول المنع والاضطهاد والفتنة عن الدين، يقول الله سبحانه: ﴿وَقَٰتِلُوهُمۡ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتۡنَةٞ وَيَكُونَ ٱلدِّينُ لِلَّهِ﴾ [البقرة: 193]، وقال: ﴿وَٱلۡفِتۡنَةُ أَشَدُّ مِنَ ٱلۡقَتۡلِ﴾ [البقرة: 191]، وقال: ﴿ذَٰلِكَۖ وَلَوۡ يَشَآءُ ٱللَّهُ لَٱنتَصَرَ مِنۡهُمۡ وَلَٰكِن لِّيَبۡلُوَاْ بَعۡضَكُم بِبَعۡضٖ﴾ [محمد: 4]، فقتالهم والحالة هذه هو في سبيل الله ولا يبالون بما أصابهم في ذات الله؛ لأن الله سبحانه قد اشترى من المؤمنين أنفسهم في سبيل نشر دين ربهم وإعلاء كلمته، فهم يتمنون الشهادة في سبيل الله كما يتمنى أكثر الناس الحياة، لعلمهم أن لهم حياة أخرى هي أبقى وأرقى من حياتهم في الدنيا، وقد باعوا أنفسهم لله في سبيل الحصول عليها، يقول الله سبحانه: ﴿۞إِنَّ ٱللَّهَ ٱشۡتَرَىٰ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ أَنفُسَهُمۡ وَأَمۡوَٰلَهُم بِأَنَّ لَهُمُ ٱلۡجَنَّةَۚ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيَقۡتُلُونَ وَيُقۡتَلُونَۖ وَعۡدًا عَلَيۡهِ حَقّٗا فِي ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَٱلۡإِنجِيلِ وَٱلۡقُرۡءَانِۚ وَمَنۡ أَوۡفَىٰ بِعَهۡدِهِۦ مِنَ ٱللَّهِۚ فَٱسۡتَبۡشِرُواْ بِبَيۡعِكُمُ ٱلَّذِي بَايَعۡتُم بِهِۦۚ وَذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ ١١١﴾ [التوبة: 111]، فهذا طريق دعوتنا إلى دين الإسلام.
وقد سُئل النبي ﷺ عن الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل للذكر، والرجل يقاتل ليرى مكانه، فمن في سبيل الله؟ فقال: «مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا، فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ». رواه البخاري ومسلم في حديث أبي موسى.
وحتى القتال في سبيل نصر المستضعفين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم بغير حق يقول الله: ﴿وَمَا لَكُمۡ لَا تُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلۡمُسۡتَضۡعَفِينَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَآءِ وَٱلۡوِلۡدَٰنِ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَخۡرِجۡنَا مِنۡ هَٰذِهِ ٱلۡقَرۡيَةِ ٱلظَّالِمِ أَهۡلُهَا وَٱجۡعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّٗا وَٱجۡعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا ٧٥﴾ [النساء: 75].
وهذه وإن نزلت في المستضعفين بمكة الذين لم يستطيعوا الهجرة لكنها شاملة لكل من كان بصفتهم إلى يوم القيامة؛ لكون الاعتبار في القرآن هو بعموم لفظه لا بخصوص سببه؛ ولأن المسلمين متكافلون يسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم، فمتى بغى عدو على المسلمين وجب أن يكونوا كاليد الواحدة في دحر نحره وكف شره.
هذا وإن الحروب بين المسلمين والكفار يكون لها أسباب تثيرها وأحوال تهيجها سوى ما ذكرنا، مما يدخل تحت الدفاع عن حقوق المسلمين لاعتبار أنهم متكافلون يسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم، فمتى همّ العدو الغاشم باغتصاب بلادنا أو شيء من حقوقنا أو أراد العدو الباغي استذلالنا أو العدوان على استقلالنا بقطع حرية دعوتنا إلى دين الله، فعند ذلك يجب أن نتحلى بحلية الشجاعة والقوة والعزة فنقاتل في سبيل ذلك حتى تكون حقوقنا محفوظة، وهذا من باب الدفاع عن الدين وكف الاعتداء عن المسلمين وعن بلادهم وأفرادهم حتى في غير بلاد المسلمين؛ لاعتبار أن المسلمين بعضهم أولياء بعض، وأنهم كالجسد الواحد إذا اشتكى بعضه اشتكى كله، وحتى لو حصل الاعتداء عل كافر من أهل الذمة فإنه يجب الدفاع عنه بما نستطيعه من قوة.
وقال الإمام ابن حزم في مراتب الإجماع: إن من كان في الذمة وجاء أهل الحرب إلى بلادنا يقصدونه وجب علينا أن نخرج لقتالهم بالكراع والسلاح ونموت دون ذلك، فإن تسليمه إهمال لعقد الذمة. وكل هذا من أنواع الجهاد بالدفاع الذي نعتقده ونؤمن بصحته.
ثم إن هذه المسألة تليدة الأصل وليست بوليدة هدا العصر، فقد وقع الخلاف فيها بين أئمة المذاهب قبل كل شيء؛ فذهب الجمهور كمالك وأحمد وأبي حنيفة إلى أن سبب الجهاد هو المقاتلة؛ أي نقاتلهم عند قتالهم لنا أو منعهم نشر ديننا، وذهب الإمام الشافعي إلى أن سببه الكفر فيقاتلون حتى يسلموا، حكاه شيخ الإسلام ابن تيمية في قاعدة قتال الكفار قال: وقول الجمهور هو الذي يدل عليه الكتاب والسنة والاعتبار.
* * *