وقعة خيبر
وأما قول الكاتب: (إن غزو النبي ﷺ وأصحابه لخيبر وقع ابتداء منه بدون أن يسبق منهم تعد بطريق الابتداء على الرسول وأصحابه. فهذا مما يحقق كون الجهاد المشروع هو الابتداء؛ أي الطلب لنشر دين الله وإعلاء كلمته).
وأقول: إن يهود خيبر مرتبطون بيهود المدينة في الحماية والنصرة وفي العهد وفي نقضه، وكانوا حلفاء لغطفان، تحارب غطفان لحربهم كما أن أهل خيبر يحاربون لحرب غطفان، قاله ابن كثير في البداية والنهاية، وقد غزا غطفان بمن معهم من أهل خيبر يوم الأحزاب حيث تحزبوا مع قريش وقبائل العرب والأحابيش، وذكر المؤرخون من أهل السير أن أهل خيبر هم أكبر من حرض قريشًا واليهود وغطفان على حرب رسول الله، ونقض يهود المدينة العهد الذي بينهم وبين رسول الله حيث ظنوا أن هذه الغزوة هي المستأصلة للرسول وأصحابه، وقد كبر الأمر على المسلمين حيث تحزبت جميع القبائل عليهم، وذلك عام خمسة من الهجرة وقد ضربوا على المدينة خندقًا يتقون به هجوم الأحزاب عليهم وقد أنزل الله سورة الأحزاب في شأنهم ومنها: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ إِذۡ جَآءَتۡكُمۡ جُنُودٞ فَأَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ رِيحٗا وَجُنُودٗا لَّمۡ تَرَوۡهَاۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرًا ٩ إِذۡ جَآءُوكُم مِّن فَوۡقِكُمۡ وَمِنۡ أَسۡفَلَ مِنكُمۡ وَإِذۡ زَاغَتِ ٱلۡأَبۡصَٰرُ وَبَلَغَتِ ٱلۡقُلُوبُ ٱلۡحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِٱللَّهِ ٱلظُّنُونَا۠ ١٠ هُنَالِكَ ٱبۡتُلِيَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَزُلۡزِلُواْ زِلۡزَالٗا شَدِيدٗا ١١﴾ إلى قوله: ﴿وَرَدَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِغَيۡظِهِمۡ لَمۡ يَنَالُواْ خَيۡرٗاۚ وَكَفَى ٱللَّهُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱلۡقِتَالَۚ وَكَانَ ٱللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزٗا ٢٥﴾ [الأحزاب: 9-25].
لهذا غزا النبي ﷺ خيبر عام ستة من الهجرة، ولما قرب منها نزل في مكان بين خيبر وغطفان ليقطع صلة غطفان ونصرتهم لأهل خيبر، وقد استعدت غطفان حين سمعت بالخبر بالحرب مع أهل خيبر، لكن رجالها حينما سمعوا بأن العدو قد صبح أهلهم، نفروا لنصرتهم وتركوا أهل خيبر، ففتحها رسول الله وأصحابه. وقد بشرهم القرآن بفتحها وهم بين مكة والمدينة، قال سبحانه: ﴿وَعَدَكُمُ ٱللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةٗ تَأۡخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمۡ هَٰذِهِۦ وَكَفَّ أَيۡدِيَ ٱلنَّاسِ عَنكُمۡ﴾ [الفتح: 20]، والمقصود أن رسول الله ﷺ لم يفتحها إلا بعد جهاد شديد، وقتال ضارٍ بين الفريقين، فكانوا مستحقين للقتال، ويعتبر قتالهم دفعًا لشرهم لكونهم محاربين لله ورسوله وعباده المؤمنين، والمحارب يُقاتل حيث وجد، يقول الله تعالى: ﴿فَإِمَّا تَثۡقَفَنَّهُمۡ فِي ٱلۡحَرۡبِ فَشَرِّدۡ بِهِم مَّنۡ خَلۡفَهُمۡ لَعَلَّهُمۡ يَذَّكَّرُونَ ٥٧﴾ [الأنفال: 57].
* * *