متقدم

فهرس الكتاب

 

حديث العير والنفير

قال الكاتب: (ويكفي عن كل قول ودليل مجرد أن نذكر غزوة أو بداية غزوة، وذلك أن الرسول حين خرج لأخذ القافلة التي تحمل تجارة لقريش كان خروجه هذا للقتال ولم يكن في هذا نوع دفاع. ثم كان بعدها وقعة بدر بين المسلمين والمشركين، وهذا فيه دليل قوي على أن الخروج للقتال يعني الطلب، فالرسول وأصحابه لم يدافعوا عن أنفسهم في هذه الواقعة بل كانوا مبتدئين بالقتال طالبين للعدو).

وحروب الرسول ﷺ في خيبر وهوازن وحصاره للطائف حيث كان الرسول هو البادئ بالقتال لنشر هذا الدين وتحكيم الكتاب بينهم، ولم تكن الغزوات منه لأنهم قاتلوه أو اعتدوا عليه، فإنه لم يسبق منهم ذلك إلا في نادر الأحوال. انتهى كلامه.

وأقول إن الكاتب رحمه الله تناول وقعة بدر وما ترتب عليها من خبر العير والنفير وهي وقعة مشهورة ويدرسها الطلاب في مدارسهم؛ لكونها وقعة مشهورة، فهم يعرفونها ويعرفون أسبابها تمام المعرفة، فلو سأل عنها أحد أولاده لأخبره أن قريشًا هم الأعداء الألداء والبادئون بالاعتداء على الرسول وأصحابه، فهم أئمة الكفر الذين قال الله فيهم: ﴿وَإِن نَّكَثُوٓاْ أَيۡمَٰنَهُم مِّنۢ بَعۡدِ عَهۡدِهِمۡ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمۡ فَقَٰتِلُوٓاْ أَئِمَّةَ ٱلۡكُفۡرِ إِنَّهُمۡ لَآ أَيۡمَٰنَ لَهُمۡ لَعَلَّهُمۡ يَنتَهُونَ ١٢ أَلَا تُقَٰتِلُونَ قَوۡمٗا نَّكَثُوٓاْ أَيۡمَٰنَهُمۡ وَهَمُّواْ بِإِخۡرَاجِ ٱلرَّسُولِ وَهُم بَدَءُوكُمۡ أَوَّلَ مَرَّةٍۚ أَتَخۡشَوۡنَهُمۡۚ فَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخۡشَوۡهُ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ ١٣ [التوبة: 12-13]. فسماهم الله أئمة الكفر من أجل أن الناس يأتمون بهم في اعتقاد الكفر والعمل على حسابه.

ثم أثبت سبحانه اعتداءهم على المؤمنين في ابتداء الأمر ونهايته إلى قوله: ﴿أَلَا تُقَٰتِلُونَ قَوۡمٗا نَّكَثُوٓاْ أَيۡمَٰنَهُمۡ وَهَمُّواْ بِإِخۡرَاجِ ٱلرَّسُولِ وَهُم بَدَءُوكُمۡ أَوَّلَ مَرَّةٍۚ أَتَخۡشَوۡنَهُمۡۚ فَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخۡشَوۡهُ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ ١٣ [التوبة: 13]، ففي هذه الآيات أوضح الدلالات على بداءتهم بالاعتداء في الابتداء على رسول الله وأصحابه، فكان رسول الله بمكة يأتيه أصحابه ما بين مجروح ومضروب، وقد توفيت سمية أم عمار تحت التعذيب في سبيل إسلامها، كما توفي زوجها ياسر من جراء ذلك، وكان رسول الله يمر عليهما وهما يعذبان ويقول: «صَبْرًا يَا آلَ يَاسِرٍ إِنَّ مَوْعِدَكُمُ الْجَنَّةُ»[63]. وكانوا يحمون الحجارة ويضعونها على بطن بلال وظهره ويقولون له: قل: واللات والعزى. فيقول: أحد أحد.

ومن المعلوم بطريق المقاضاة بالمثل أن المحاربين يتحينون الفرصة لمواثبة عدوهم ويغتنمون غرته وغفلته؛ لأن الحرب خدعة. وهذا واضح من فعل النبي ﷺ وأصحابه في هذه الواقعة، غير أن الهوى يعمي عن رؤية الحق، كما أن الكبر يمنع من اتباعه. ومثل هذا لن يخفى على أحد غير أن الكاتب أراد أن يوجد دليلاً يثبت صحة ما ذهب إليه من أن الجهاد سببه الكفر وأن الكفار يقاتلون حتى يسلموا.

[63] أخرجه الحاكم في المستدرك من حديث محمد بن إسحاق مرسلاً.