متقدم

فهرس الكتاب

 

العلم سلاح الدنيا والدين

إن من واجب العالم المخلص في علمه وعمله أن يحتسب القيام بما وصل إليه علمه من قول الحق والدعوة إليه بالحكمة الموعظة الحسنة، فيبين للناس معرفة الحق بدليله مشروحًا بتوضيحه، وبيان تعليله وتصحيحه؛ لكون العلم أمانة وكتمانه خيانة.

ومن المعلوم أن العلوم تزداد وضوحًا بتوارد أفكار الباحثين وتعاقب تذاكر الفاحصين؛ لأن العلم شجون يستدعي بعضه بعضًا، وملاقاة التجاوب من الرجال تلقيح لألبابها، وعلى قدر رغبة الإنسان في العلم وطموح نظره في التوسع فيه بطريق البحث والتفتيش والفحص عن الحق في مظانه، فإنه بذلك تقوى حجته وتتوق صلته بالعلم، ويقف على حقيقة الوفاق والخلاف فيه.

إن العلم الصحيح والدين الخالص الصريح هما شقيقان يتفقان ولا يفترقان، وقد مدح الله سبحانه الذي جاء بالصدق وصدق به.

إنه متى تصدى عالم أو كاتب لتأليف أي رسالة أو أي مقالة فبالغ في تنقيحها بالتدقيق، وبنى قواعدها على دعائم الحق والتحقيق بالدلائل القطعية والبراهين الجلية من نصوص الكتاب والسنة وعمل الصحابة وسلف الأمة، وهي مما عسى أن يقع فيها الخلاف بين العلماء من سلف الأمة، فحاول جاحد أو جاهل أن يغير محاسنها ويقلب حقائقها وينشر بين الناس بطلانها وعدم الثقة بها حتى يكونوا أوحش عند ذكرها وأشمس عند سماعها، فيلبسها ثوبًا من الزور والبهتان والتدليس والكتمان، ليعمي عنها العيان، ويوقع عدم الثقة بها عند العوام وضعفة الأفهام، أفيلام صاحبها متى كشف عنها ظلم الاتهام وأزال عنها ما غشيها من ظلام الأوهام بطريق الحجة والبرهان؟ إذ لابد للمصدور أن ينفث، والحجة تقرع بالحجة ومن حكم عليه بحق فالحق فلجه ﴿لِّيَهۡلِكَ مَنۡ هَلَكَ عَنۢ بَيِّنَةٖ وَيَحۡيَىٰ مَنۡ حَيَّ عَنۢ بَيِّنَةٖ [الأنفال: 42].

فمتى لم ترسخ في قلب الإنسان معرفة الحق بدليله ويميز بين صحيحه وعليله، مما يتعلق بعقائد الدين وما يدعمها من الحجج والبراهين، فإنه سيصاب بالانزلاق في مهاوي الجهل، ويصاب بالارتباك والخجل وعقدة الوجوم والوجل عند أول ملاقاة مع أهل الجدل، فيبقى صريعًا لجهلهم قد استحوذ عليه باطلهم؛ لعدم وجود ما يصول به ويجول من علم اليقين والبصيرة في الدين. إذ العلم الصحيح سلاح الدنيا والدين وصلاح المخلوقين، به تستنير البصيرة وتقوى الحجة.

وإن مما نستدرك على بعض علمائنا وعلى بعض الشباب المثقفين والمتعلمين كون أحدهم متى ظفر برسالة هامة تكشف له الإشكالات، وتزيل عن قلبه الشكوك والشبهات، مما يتعلق بهذه المسألة أو غيرها، وهي رسالة مختصرة صغيرة الحجم وغزيرة العلم بحيث يستطيع أحدهم دراستها في مجلس واحد أو في ساعة واحدة بدون مشقة ولا تكلف، فيكون حظه منها مجرد النظر إلى عنوانها، وعسى أن ينشط لدراسة الوجه الأول والثاني منها، ثم يصفق بأجنحتها بعضها على بعض ويودعها في سلة المهملات، وذلك آخر عهده بها، فيعود جهد صاحبها ضياعًا وعلمه عيالاً أشبه بمن يزف امرأة حسناء إلى عنين، أو كالمطر الوابل في الأرض السبخة.
فيا لائمي دعني أُغالي بقيمتي
فقيمة كل الناس ما يحسنونه

* * *