الرد على كتاب الجهاد في الإسلام بين الطلب والدفاع
الحمد لله رب العالمين، وبه نستعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.
أما بعد:
فقد أهدى إلي أحد المشايخ الكرام كتابًا عنوانه الجهاد في الإسلام بين الطلب والدفاع لمؤلفه الشيخ صالح اللحيدان، فعملت عملي في دراسته لأعجم عود فراسته وأعرف حقيقة سياسته، فألفيته قد ألفه كرد منه على كتابنا الجهاد المشروع في الإسلام.
وقد بنى قواعده على أمرين: أحدهما زعمه بأن الجهاد المشروع في الإسلام هو قتال الكفار حتى يسلموا بطريق الطلب، لا فرق في ذلك بين المحاربين والمسالمين، وزعم أن رسول الله وأصحابه هم المبتدئون بالقتال في غزواتهم، وأنهم المطالبون للعدو؛ لأن خروجهم لعير قريش لا يعني غير هذا، ولم تكن غزواته لهم لأنهم قاتلوه أو اعتدوا عليه؛ فإنه لم يسبق لهم ذلك إلا في نادر الأحوال، وأخذ يندفع في تحقيق رأيه وتفنيد كلام من يخالفه، وهذه هي طريقة بعض العلماء المتقدمين وأكثر العامة، حتى حسبها الكاتب حقًّا لا يجوز تبديله ولا النظر في أمر يخالفه.
الأمر الثاني: قول من يقول: إن سبب الجهاد هو الدفاع عن الدين ودفع أذى المعتدين على المؤمنين، وأن الرسول ﷺ إذا قاتل فإنما يقاتل لرد العدوان على الدين أو على عباده المؤمنين، وقد سخط الكاتب هذا القول أشد السخط، وتحامل على القائلين به بالإنحاء بالملام، وتوجيه المذام بدون كرامة ولا احترام، فوسمهم بالزراية وعدم الدراية والرواية، بعبارات كلها تقتضي الجنف والجفاء وتنافي الإنصاف، قد جعل فيها الجد عبثًا، والتبر خبثًا، والصحيح ضعيفًا.
وكم من مليم لم يصب بملامة
ومتبع بالذنب من لا له ذنبُ
إن الاختلاف بين الناس واقع ما له من دافع، ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك، وإن العصمة عن الخطأ ليست لكتاب غير كتاب الله تعالى، ﴿وَلَوۡ كَانَ مِنۡ عِندِ غَيۡرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخۡتِلَٰفٗا كَثِيرٗا ٨٢﴾ [النساء: 82].
إن هذا الاختلاف بين العلماء إنما ينشأ غالبًا من تفاوت الأفهام في العلوم والأحكام، وعدم التوسع في النصوص والقصود وسائر العلوم والأحكام؛ لأن الناس بدليل الاختبار يتفاوتون في العلوم والأفهام، وفي استنباط المعاني والأحكام أعظم من تفاوتهم في العقول والأجسام، فيتحدث كل إنسان بما فهمه حسبما وصل إليه علمه، وعادم العلم لا يعطيه، وكل إناء ينضح بما فيه، فمن واجب العالم أن يبدي غوامض البحث ويكشف للناس مشاكله، ويبين صحيحه وضعيفه، مدعمًا بدليله حتى يكون جليًّا للعيان، وليس من شأنه أن يفهم من لا يريد أن يفهم.
وقد استدركنا على هذا الكتاب بعض الأخطاء التي سنذكرها في مواضعها ولن يستحق أن يرد على مثله لوضوح اعتلاله واختلاله وعدم عدالة أقواله، وليس تحامله على العلماء المخالفين لرأيه بأكبر من تحامله على الرسول ﷺ وأصحابه حيث نسبهم في غزواتهم إلى أنهم البادئون بالاعتداء بدون سبب يوجبه من الأعداء سوى إكراههم على الدين.
ويبعد جدًّا حمل هذا الخطأ على التعمد مع علمه به، ولكنه نشأ عن مبلغ فهمه وغاية ما وصل إلى علمه، وإننا لنرجو له أجرًا على خطئه وأجرين على إصابته.
* * *