متقدم

فهرس الكتاب

 

الوصايا والنصائح الموجهة إلى أمراء الجيوش

كتب عمر بن الخطاب إلى سعد بن أبي وقاص فقال: أما بعد؛ فإني آمرك بتقوى الله على كل حال، فإن تقوى الله أفضل العدة على العدو، وأقوى المكيدة في الحرب. وآمرك ومن معك أن تكونوا أشد احتراسًا من المعاصي منكم من عدوكم، فإن ذنوب الجيش جند عليه، وهي أخوف منهم على عدوهم، وإنما ينصر المسلمون بمعصية عدوهم لربهم، ولولا ذلك لم تكن لنا قوة بهم؛ لأن عددنا ليس كعددهم، وإننا إن استوينا نحن وإياهم في المعصية كان لهم الفضل علينا في القوة، وإن لم ننصر عليهم بفضلنا لم نغلبهم بقوتنا. واعلموا أن عليكم في سركم حفظة من الله يعلمون ما تفعلون، فاستحيوا منهم ولا تعملوا بمعاصي الله وأنتم في سبيل الله، ولا تقولوا: إن عدونا شرٌّ منا فلن يسلط علينا، فرب قوم قد سلط عليهم من هو شرٌّ منهم، كما سُلّط على بني اسرائيل كفرة المجوس، فجاسوا خلال الديار، وكان وعدًا مفعولاً. انتهى.

وأقول: ألا ما أشد حاجة الجند، وطلاب المدارس إلى التدين الصحيح، ويجب على القائمين عليهم أن يمرنوهم على أداء الفروض، كتمرينهم لهم على الفنون العسكرية، وإنه لمما يؤلمني جدًّا أن رأيت نسبة المسلمين المصلين من الضباط والجند نسبة قليلة جدًّا بالنسبة إلى من لا يصلي.

وإنه من الواجب أن يصدر قانون عام ملزم للمعلمين والمتعلمين وللجنود بإلزامهم بأداء الفروض الدينية في أوقاتها، وأن تكون عنايتهم بها أشد واهتمامهم بأمرها آكد، إذ الوعظ والإرشاد لا يكفي بدون وازع، فإنه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له.

إن المعلم أو الجندي الذي يفرط في الصلاة وفي سائر الواجبات، فإنه سيكون أشد تفريطًا في غيرها من سائر وظائف عمله؛ لكون المفرط في حقوق ربه جديرًا بأن يكون أشد تفريطًا في حقوق وطنه، والخائن لأمانة ربه وعمود دينه جديرًا بأن يخون أمته وأهل وطنه، والله أعلم.

وسبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد الله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى سائر الأنبياء أجمعين.

حرر في اليوم الخامس والعشرين من شهر ذي الحجة سنة ست وتسعين بعد الثلاثمائة والألف.

* * *