متقدم

فهرس الكتاب

 

احترام العهود في الإسلام

كان المسلمون في فتوحهم وفي معاهداتهم مع المشركين وأهل الكتاب يحترمون العهود أشد الاحترام ويقفون على حدودها، قال تعالى: ﴿وَأَوۡفُواْ بِعَهۡدِ ٱللَّهِ إِذَا عَٰهَدتُّمۡ وَلَا تَنقُضُواْ ٱلۡأَيۡمَٰنَ بَعۡدَ تَوۡكِيدِهَا [النحل: 91]، حتى إنه لو أحسوا بنقض العهد من العدو فإنهم يجب أن يشعروهم بنقض العهد حتى يكونوا وإياهم على العلم به على حد سواء، قال تعالى: ﴿وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوۡمٍ خِيَانَةٗ فَٱنۢبِذۡ إِلَيۡهِمۡ عَلَىٰ سَوَآءٍۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡخَآئِنِينَ ٥٨ [الأنفال: 85]. وروى الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة عن أبي الفيض، عن سليم بن عامر قال: كان معاوية يسير في أرض الروم وكان بينه وبينهم عهد إلى أمد، فأراد أن يدنو منهم حتى إذا انقضى الأمد غزاهم من قريب، فإذا بشيخ على فرس يقول: الله أكبر الله أكبر وفاء لا غدر يا معاوية، إن رسول الله قال: «مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْمٍ عَهْدٌ فَلَا يَحُلَّنَّ عُقْدَةً وَلَا يَشُدَّهَا حَتَّى يَنْقَضِيَ أَمَدُ الْعَهْدِ أَوْ يَنْبِذَ لَهُمْ عَلَى سَوَاءٍ»[16] قال: فبلغ ذلك معاوية فرجع بجيشه، فإذا بالشيخ هو عمرو بن عبسة رضي الله عنه.

وروى الإمام أحمد عن سلمان الفارسي أنه انتهى إلى حصن أو مدينة، فقال لأصحابه: دعوني أدعوهم كما رأيت رسول الله ﷺ يدعوهم فقال: إنما كنتُ رجلاً منكم فهداني الله للإسلام، فإن أسلمتم فلكم ما لنا وعليكم ما علينا، وإن أبيتم فأدوا الجزية، وإن أبيتم نابذناكم على سواء إن الله لا يحب الخائنين. يفعل ذلك بهم ثلاثة أيام.

وقد بلغ من تأكيد الوفاء بالعهود في الإسلام أن الله سبحانه نهانا أن ننصر إخواننا المسلمين على القوم الذي بيننا وبينهم عهد من الكفار، فقال تعالى: ﴿وَإِنِ ٱسۡتَنصَرُوكُمۡ فِي ٱلدِّينِ فَعَلَيۡكُمُ ٱلنَّصۡرُ إِلَّا عَلَىٰ قَوۡمِۢ بَيۡنَكُمۡ وَبَيۡنَهُم مِّيثَٰقٞ [الأنفال: 72]، فلا يباح لكم نصر المسلمين على المعاهدين، وفي الكتاب الذي كتبه رسول الله ﷺ: «إِنَّ الْمُسْلِمِينَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ»[17].

* * *

[16] أخرجه الطيالسي والإمام أحمد والترمذي من حديث عمرو بن عبسة. [17] أخرجه أبو داود والنسائي والإمام أحمد من حديث علي بن أبي طالب.