سنة رسول الله في فتح البلدان
إن رسول الله ﷺ قد سَنّ لأصحابه وأمته سنة الفتح للبلدان وذلك بفتحه مكة عنوة، وصلى ثماني ركعات في بيت أم هانئ شكرًا لله، وذلك ضحى يوم الفتح. وأمر بلالاً بأن يؤذن على رتاج الكعبة أن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام. وقد امتن على كافة قريش وأهل مكة سوى سبعة نفر بالغوا في إيذاء النبي ﷺ منهم عقبة بن أبي معيط الذي وضع سلى الجزور على رأس النبي ﷺ وهو ساجد بالمسجد الحرام.
وقال لسائر قريش وأهل مكة: «اذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ»[15]. فسموا الطلقاء من ذلك اليوم، وتركهم على علاتهم بدون أن يسأل أحدًا منهم عن عقيدته أو إسلامه حتى أسلموا باختيارهم من تلقاء أنفسهم.
وقد جعل الصحابة هذا الفتح وهذا التصرف فيه نصب أعينهم، وغاية قصدهم وعليه سير عملهم.
وقد سار الصحابة رضي الله عنهم بسيرة رسول الله في فتوحهم للبلدان المملوءة بالسكان، فلم يكرهوا شخصًا واحدًا على الدخول في الإسلام، بل تركوهم على ما هم عليه من مختلف الأديان، وعهدوا لهم بأن لا يؤذوا المسلمين ولا يفتنوهم عن دينهم ولا يتعرضوا للطعن في الدين، ثم هم آمنون على دمائهم وأموالهم لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين، وسموا أهل الذمة؛ لأن لهم ذمة الله ثم ذمة المسلمين، من رامهم بسوء غرم وأثم. فهذا الأمر الثابت في فتوح المسلمين ومعاملتهم للذميين، وقد أوصى عمر بأهل الذمة خيرًا وأن يعاملوا بإحسان.
ولما انتشر الإسلام بين هؤلاء، وعرفوا محاسنه، وذاقوا حلاوته وعدل سادته، وتعلموا لغته، أخذوا يدخلون فيه أفواجًا أفواجًا طائعين مختارين، ومن اختار منهم البقاء على دينه فإنه آمن على ماله ودمه، فعاش هؤلاء في ظل الإسلام والمسلمين في أمن وأمان وسعادة واطمئنان.
* * *
[15] سيرة ابن هشام 2/412.