ابتداء الإذن بالقتال في سبيل الله
إن الله سبحانه لما أوحى إلى نبيه ورسوله محمد ﷺ وأظهر دعوته إلى قومه يدعوهم إلى عبادة الله وحده وترك عبادة ما سواه، فتألبت عليه قريش بالعداوة لولا أن أقاربه من بني هاشم وخاصة عمه أبا طالب حيث أصروا على منعه وعدم تمكينهم منه، وما زالوا يكيدون له حتى ائتمروا على قتله بصفة يضيع بها دمه، وذلك بأن يختاروا من كل قبيلة رجلاً فيضربونه بسيوفهم معًا في وقت واحد حتى يضيع بينهم دمه. فأطلع الله نبيه على كيدهم وأنزل الله ﴿وَإِذۡ يَمۡكُرُ بِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثۡبِتُوكَ أَوۡ يَقۡتُلُوكَ أَوۡ يُخۡرِجُوكَۚ وَيَمۡكُرُونَ وَيَمۡكُرُ ٱللَّهُۖ وَٱللَّهُ خَيۡرُ ٱلۡمَٰكِرِينَ ٣٠﴾ [الأنفال: 30]؛ هذا وجميع عرب الحجاز ونجد مع قريش عليه، فهاجر النبي ﷺ من مكة إلى المدينة، وهاجر السابقون الأولون من أصحابه فآواهم إخوانهم الأنصار الذين كانوا أسلموا في موسم الحج بمكة، وقد بايعوا النبي ﷺ على أن يمنعوه من كل من يعتدي عليه كما يمنعون أهلهم وأولادهم وأنفسهم، ولذلك صار حربًا لقريش خاصة وللعرب عامة، وصاروا يعدون أنفسهم محاربين له لا يقصرون عن كل ما يستطيعون من أذى ينالونه به وبأصحابه إلا فعلوه.
وكان المؤمنون في ابتداء الإسلام وهم بمكة مأمورين بالصلاة والزكاة والعفو والصفح والصبر على أذى المشركين، وكانوا يتحرقون ويودون لو أمروا بالقتال ليشتفوا من أعدائهم، ولم تكن الحال إذ ذاك مناسبة للقتال لقلة عددهم بالنسبة إلى كثرة عدد عدوهم، وكونهم في بلد حرام لم يكن القتال فيه مناسبًا، وروى ابن أبي حاتم عن ابن عباس أن عبد الرحمن بن عوف وأصحابًا له أتوا النبي ﷺ بمكة فقالوا: يا رسول الله، كنا أعزة ونحن مشركون فلما آمنا صرنا أذلة! فقال: «إِنِّي أُمِرْتُ بِالْعَفْوِ، فَلَا تُقَاتِلُوا الْقَوْمَ». فلما حوله الله إلى المدينة وصارت لهم دار منعة وأنصار فرض الله عليهم القتال، فجزع بعضهم من فرضه وخافوا من مواجهة الأعداء خوفًا شديدًا؛ لأن فيه سفك الدماء ويتم الأولاد وتأيم النساء، فكانوا يكرهون فرضه عليهم بعد أن كانوا يتمنون قتال المشركين، فأنزل الله ﴿أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ قِيلَ لَهُمۡ كُفُّوٓاْ أَيۡدِيَكُمۡ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡقِتَالُ إِذَا فَرِيقٞ مِّنۡهُمۡ يَخۡشَوۡنَ ٱلنَّاسَ كَخَشۡيَةِ ٱللَّهِ أَوۡ أَشَدَّ خَشۡيَةٗۚ وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبۡتَ عَلَيۡنَا ٱلۡقِتَالَ لَوۡلَآ أَخَّرۡتَنَآ إِلَىٰٓ أَجَلٖ قَرِيبٖۗ قُلۡ مَتَٰعُ ٱلدُّنۡيَا قَلِيلٞ وَٱلۡأٓخِرَةُ خَيۡرٞ لِّمَنِ ٱتَّقَىٰ وَلَا تُظۡلَمُونَ فَتِيلًا ٧٧ أَيۡنَمَا تَكُونُواْ يُدۡرِككُّمُ ٱلۡمَوۡتُ وَلَوۡ كُنتُمۡ فِي بُرُوجٖ مُّشَيَّدَةٖ﴾ [النساء: 77-78].
وكانت أول آية نزلت في الإذن بالقتال هي قوله تعالى: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَٰتَلُونَ بِأَنَّهُمۡ ظُلِمُواْۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصۡرِهِمۡ لَقَدِيرٌ ٣٩ ٱلَّذِينَ أُخۡرِجُواْ مِن دِيَٰرِهِم بِغَيۡرِ حَقٍّ إِلَّآ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُۗ وَلَوۡلَا دَفۡعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعۡضَهُم بِبَعۡضٖ لَّهُدِّمَتۡ صَوَٰمِعُ وَبِيَعٞ وَصَلَوَٰتٞ وَمَسَٰجِدُ يُذۡكَرُ فِيهَا ٱسۡمُ ٱللَّهِ كَثِيرٗاۗ وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ٤٠ ٱلَّذِينَ إِن مَّكَّنَّٰهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ أَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَمَرُواْ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَنَهَوۡاْ عَنِ ٱلۡمُنكَرِۗ وَلِلَّهِ عَٰقِبَةُ ٱلۡأُمُورِ ٤١﴾ [الحج: 39-41]. قال العوفي عن ابن عباس: نزلت هذه الآيات في محمد وأصحابه حين أخرجوا من مكة، وهي أول آية نزلت في القتال.
ثم إن المشركين هم الذين بدؤوا المسلمين بالقتال لإرجاعهم عن دينهم، ولو لم يبدؤوا في كل وقعة لكان اعتداؤهم بإخراج الرسول من بلده وتمالؤهم على قتله، وفتنة المؤمنين في دينهم وإيذائهم بضربهم وأخذ أموالهم ومنعهم من الدعوة إلى سبيل ربهم، وكانوا ينهون الناس عن استماع القرآن خشية الإيمان به كما قال تعالى: ﴿وَهُمۡ يَنۡهَوۡنَ عَنۡهُ وَيَنَۡٔوۡنَ عَنۡهُۖ وَإِن يُهۡلِكُونَ إِلَّآ أَنفُسَهُمۡ وَمَا يَشۡعُرُونَ ٢٦﴾ [الأنعام: 26]؛ لكان كل ذلك كافيًا في اعتبارهم معتدين، يقول الله تعالى: ﴿وَإِذۡ يَمۡكُرُ بِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثۡبِتُوكَ أَوۡ يَقۡتُلُوكَ أَوۡ يُخۡرِجُوكَۚ وَيَمۡكُرُونَ وَيَمۡكُرُ ٱللَّهُۖ وَٱللَّهُ خَيۡرُ ٱلۡمَٰكِرِينَ ٣٠﴾ [الأنفال: 30]. وحسبك من الأذى كونهم وضعوا سلى الجزور على رأس رسول الله ﷺ وهو ساجد. فقتال النبي ﷺ لهم كله مدافعة عن الحق وأهله. وكذلك كانت حروب الصحابة لأجل حماية الدعوة ومنع الفتنة وحماية المسلمين من تغلب القوم الكافرين، والله تعالى يقول: ﴿وَقَٰتِلُوهُمۡ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتۡنَةٞ وَيَكُونَ ٱلدِّينُ لِلَّهِ﴾ [البقرة: 193]، أي حتى لا يفتن المسلم في دينه ولا يمنع من الدعوة إليه. فهذا هو الغاية من القتال بعد دفع الاعتداء والظلم واستتباب الأمن، وعبادة المسلمين ربهم، وإعلائهم كلمته، وتنفيذ شريعته، وبذلك يكون الجهاد لله وفي سبيل الله، وتكون كلمة الله هي العليا، ولا عبرة بما يهذي به العوام وبعض العلماء، حيث يزعمون أن الدين قام بالسيف، وأنهم في فتوحهم يجعلون القرآن في يد والسيف في اليد الأخرى، ومن لم يؤمن بالقرآن حكموا فيه السيف، فهذا لا أصل له، والقرآن بجملته وتفاصيله يرده، فلا إكراه في الدين، ﴿وَلَوۡ شَآءَ رَبُّكَ لَأٓمَنَ مَن فِي ٱلۡأَرۡضِ كُلُّهُمۡ جَمِيعًاۚ أَفَأَنتَ تُكۡرِهُ ٱلنَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُواْ مُؤۡمِنِينَ ٩٩﴾ [يونس: 99]. وقال: ﴿فَذَكِّرۡ إِنَّمَآ أَنتَ مُذَكِّرٞ ٢١ لَّسۡتَ عَلَيۡهِم بِمُصَيۡطِرٍ ٢٢﴾ [الغاشية: 21-22]؛ أي لست بمسلط على إدخال الهداية قلبهم.
فهذا القتال وإن ظنه بعضهم هجومًا لكنه حقيقة في الدفاع لشرهم، وقتال الدفاع لا يشترط أن يعلن به في كل حركة ولا في كل معركة؛ إذ العدو يترقب الفرصة لمواثبة عدوه، ﴿إِن يَثۡقَفُوكُمۡ يَكُونُواْ لَكُمۡ أَعۡدَآءٗ وَيَبۡسُطُوٓاْ إِلَيۡكُمۡ أَيۡدِيَهُمۡ وَأَلۡسِنَتَهُم بِٱلسُّوٓءِ وَوَدُّواْ لَوۡ تَكۡفُرُونَ ٢ لَن تَنفَعَكُمۡ أَرۡحَامُكُمۡ وَلَآ أَوۡلَٰدُكُمۡۚ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يَفۡصِلُ بَيۡنَكُمۡ﴾ [الممتحنة: 2-3]. فهؤلاء هم الذين قال الله فيهم: ﴿فَإِذَا ٱنسَلَخَ ٱلۡأَشۡهُرُ ٱلۡحُرُمُ فَٱقۡتُلُواْ ٱلۡمُشۡرِكِينَ حَيۡثُ وَجَدتُّمُوهُمۡ وَخُذُوهُمۡ وَٱحۡصُرُوهُمۡ وَٱقۡعُدُواْ لَهُمۡ كُلَّ مَرۡصَدٖۚ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمۡ﴾ [التوبة: 5]، وهذه الآيات هي معنى قول النبي ﷺ: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا». رواه البخاري ومسلم من حديث ابن عمر.
ويريد بهذا الأمر عرب الجزيرة، بحيث لا يبقى فيها إلا دين الإسلام. بخلاف اليهود والنصارى والمجوس والصابئة، فإنهم لا يُطالبون بمدلول الحديث من الإقرار بالشهادتين وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وإنما يُكتفى منهم بالجزية فقط، ثم يقرون على دينهم الباطل. وألحق بعض العلماء بهم المشركين في غير جزيرة العرب، فإنه يُكتفى منهم بأخذ الجزية، كما حقق ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية، ويدل له حديث بريدة في صحيح مسلم حيث قال: «فَإِنْ لَمْ يَقْبَلُوا فَاسْأَلْهُمُ الْجِزْيَةَ، فَإِنْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، وَكُفَّ عَنْهُمْ». وسيأتي بتمامه في موضعه.
ولما عزم النبي ﷺ على فتح مكة أخفى سفره، فكتب حاطب بن أبي بلتعة يخبرهم بذلك، فأنزل الله سورة (الممتحنة) وفيها التصريح بالنهي عن موالاة المشركين، وخص هذا النهي بالذين قاتلوا المسلمين وأخرجوهم من ديارهم وأموالهم، ثم قال: ﴿لَّا يَنۡهَىٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَمۡ يُقَٰتِلُوكُمۡ فِي ٱلدِّينِ وَلَمۡ يُخۡرِجُوكُم مِّن دِيَٰرِكُمۡ أَن تَبَرُّوهُمۡ وَتُقۡسِطُوٓاْ إِلَيۡهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِينَ ٨ إِنَّمَا يَنۡهَىٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ قَٰتَلُوكُمۡ فِي ٱلدِّينِ وَأَخۡرَجُوكُم مِّن دِيَٰرِكُمۡ وَظَٰهَرُواْ عَلَىٰٓ إِخۡرَاجِكُمۡ أَن تَوَلَّوۡهُمۡۚ وَمَن يَتَوَلَّهُمۡ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ ٩﴾ [الممتحنة: 8-9].
وقال: ﴿وَقَٰتِلُوهُمۡ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتۡنَةٞ وَيَكُونَ ٱلدِّينُ لِلَّهِ﴾ [البقرة: 193]، وحتى لانتهاء الغاية بحيث يكون ما بعده نقيضًا لما قبله كأنه يقول: متى زالت الفتن عن الدين وعن عباد الله المؤمنين فلا قتال.
فالقتال الواجب في الإسلام إنما شرع للدفاع عن الحق وأهله وحماية الدعوة ونشرها ﴿لِأُنذِرَكُم بِهِۦ وَمَنۢ بَلَغَ﴾ [الأنعام: 19]. فمعناه الصحيح قتال الذين يفتنون المسلم في دينه، ويصدونه عن سبيل ربه، ونشر الدعوة إلى دينه، وهذا هو القتال في سبيل حرية الدعوة إلى الله وإلى دينه.
وكل من نظر بعين البصيرة إلى مقاصد الشريعة علم أن الدين إنما اشتهر وانتشر بالدعوة والتبليغ لا بالإكراه والإلزام، فقد قال الله تعالى: ﴿لَآ إِكۡرَاهَ فِي ٱلدِّينِۖ قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشۡدُ مِنَ ٱلۡغَيِّ﴾ [البقرة: 256]، وهي محكمة وليست منسوخة في قول جمهور العلماء.
وسبب نزول النهي عن الإكراه معلوم؛ وهو أن رجلاً من الأنصار من بني سالم بن عوف له ابنان نصرانيان، وكان هو مسلمًا، فقال للنبي ﷺ: ألا أستكرههما على الإسلام فإنهما أبيا إلا النصرانية؟ فأنزل الله تعالى: ﴿لَآ إِكۡرَاهَ فِي ٱلدِّينِ﴾، وفيها روايات متعددة بمعنى ذلك، وأن الابنين متهودان.
ثم إن الحرب شر عظيم يترتب عليها سفك الدماء، ويتم الأولاد، وتأيم النساء، وأن القرآن لم يأذن بالجهاد إلا للضرورة التي هي المدافعة عن الحق الذي يعتقد الموحد أن فيه سعادته وسعادة البشر كلهم، فالحرب ضرورة يقتضيها جلب المصالح ودفع المفاسد، والسلم هو الأصل الذي يترتب عليه راحة الناس واطمئنانهم.
وقد سمى الله الإسلام سلمًا فقال تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱدۡخُلُواْ فِي ٱلسِّلۡمِ كَآفَّةٗ﴾ [البقرة: 208]؛ أي في الإسلام لأنه دين السلام والأمان، ولهذا أمر الله بإيثارها على الحرب فقال: ﴿۞وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلۡمِ فَٱجۡنَحۡ لَهَا وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِ﴾ [الأنفال: 61].
وابتداء القتال مشروط بتقدم الدعوة إلى الإسلام، وعدم قبول المخالف للدخول في الذمة المعبر عنها بالجزية، وهي نزر يسير، بمثابة الرمز للخضوع للإسلام، وعدم الاعتداء عليه وعلى أهله.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: كانت سيرة رسول الله ﷺ أن من سالمه لم يقاتله. قال: ولا يقدر أحد قط أن ينقل عن رسول الله ﷺ أنه أكره أحدًا على الإسلام لا مقدورًا عليه ولا ممتنعًا، ولا فائدة في إسلام المكره. ثم استدل بقوله تعالى: ﴿لَآ إِكۡرَاهَ فِي ٱلدِّينِ﴾ [البقرة: 256]. وبقوله: ﴿فَإِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَضَرۡبَ ٱلرِّقَابِ حَتَّىٰٓ إِذَآ أَثۡخَنتُمُوهُمۡ فَشُدُّواْ ٱلۡوَثَاقَ فَإِمَّا مَنَّۢا بَعۡدُ وَإِمَّا فِدَآءً حَتَّىٰ تَضَعَ ٱلۡحَرۡبُ أَوۡزَارَهَاۚ ذَٰلِكَۖ وَلَوۡ يَشَآءُ ٱللَّهُ لَٱنتَصَرَ مِنۡهُمۡ وَلَٰكِن لِّيَبۡلُوَاْ بَعۡضَكُم بِبَعۡضٖ﴾ [محمد: 4].
فأمر الله عباده متى مكنهم الله من غلب عدوهم والاستيلاء عليه بأن يشدوا الوثاق -أي الأسر- ويرفعوا القتل، ثم يفعلوا معهم إحدى الحسنيين؛ إما المن عليهم بدون شيء بأن يسرحوهم بإحسان إلى أهلهم، أو يضربوا عليهم الفداء، كل واحد بحسبه، كما فعل رسول اللهﷺ مع أسرى بدر. وهذه الآية محكمة وليست منسوخة على القول الصحيح، ولم يقل سبحانه: حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق ولا تطلقوهم حتى يسلموا أو يقتلوا، كما يقوله من يرى أن القتل سببه الكفر، يؤكده قوله: ﴿فَإِنِ ٱعۡتَزَلُوكُمۡ فَلَمۡ يُقَٰتِلُوكُمۡ وَأَلۡقَوۡاْ إِلَيۡكُمُ ٱلسَّلَمَ فَمَا جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمۡ عَلَيۡهِمۡ سَبِيلٗا ٩٠﴾ [النساء: 90]، وهذه الآية مسبوقة بقوله: ﴿۞فَمَا لَكُمۡ فِي ٱلۡمُنَٰفِقِينَ فِئَتَيۡنِ وَٱللَّهُ أَرۡكَسَهُم بِمَا كَسَبُوٓاْۚ أَتُرِيدُونَ أَن تَهۡدُواْ مَنۡ أَضَلَّ ٱللَّهُۖ وَمَن يُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُۥ سَبِيلٗا ٨٨ وَدُّواْ لَوۡ تَكۡفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَآءٗۖ فَلَا تَتَّخِذُواْ مِنۡهُمۡ أَوۡلِيَآءَ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۚ فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَخُذُوهُمۡ وَٱقۡتُلُوهُمۡ حَيۡثُ وَجَدتُّمُوهُمۡۖ وَلَا تَتَّخِذُواْ مِنۡهُمۡ وَلِيّٗا وَلَا نَصِيرًا ٨٩ إِلَّا ٱلَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىٰ قَوۡمِۢ بَيۡنَكُمۡ وَبَيۡنَهُم مِّيثَٰقٌ أَوۡ جَآءُوكُمۡ حَصِرَتۡ صُدُورُهُمۡ أَن يُقَٰتِلُوكُمۡ أَوۡ يُقَٰتِلُواْ قَوۡمَهُمۡۚ وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ لَسَلَّطَهُمۡ عَلَيۡكُمۡ فَلَقَٰتَلُوكُمۡۚ فَإِنِ ٱعۡتَزَلُوكُمۡ فَلَمۡ يُقَٰتِلُوكُمۡ وَأَلۡقَوۡاْ إِلَيۡكُمُ ٱلسَّلَمَ فَمَا جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمۡ عَلَيۡهِمۡ سَبِيلٗا ٩٠﴾ [النساء:88-90].
وروى ابن جرير عن ابن عباس أنها نزلت في طائفة من الكفار وهي الطائفة المسالمة للرسول وأصحابه، فما جعل الله للمؤمنين سبيلاً في قتالهم لكونهم قد سلموا المسلمين من شرهم، فلم ينقصوهم شيئًا ولم يظاهروا عليهم عدوهم، ولم يتعرضوا للطعن في دينهم، فصاروا مستحقين للسلامة والمسالمة، ويعني بالمنافقين الذين بمكة لا المنافقين في دار الهجرة.
ثم قال في الفئة المحاربة: ﴿سَتَجِدُونَ ءَاخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأۡمَنُوكُمۡ وَيَأۡمَنُواْ قَوۡمَهُمۡ كُلَّ مَا رُدُّوٓاْ إِلَى ٱلۡفِتۡنَةِ أُرۡكِسُواْ فِيهَاۚ فَإِن لَّمۡ يَعۡتَزِلُوكُمۡ وَيُلۡقُوٓاْ إِلَيۡكُمُ ٱلسَّلَمَ وَيَكُفُّوٓاْ أَيۡدِيَهُمۡ فَخُذُوهُمۡ وَٱقۡتُلُوهُمۡ حَيۡثُ ثَقِفۡتُمُوهُمۡۚ وَأُوْلَٰٓئِكُمۡ جَعَلۡنَا لَكُمۡ عَلَيۡهِمۡ سُلۡطَٰنٗا مُّبِينٗا ٩١﴾ [النساء: 91] فهؤلاء هم المحاربون للمؤمنين، وقد جعل الله للمؤمنين سلطانًا؛ أي حجة بينة في قتلهم وقتالهم لاعتبار أنهم محاربون لله ورسوله ودينه ويتربصون بالمسلمين الدوائر، ويزيده وضوحًا قوله تعالى: ﴿لَّا يَنۡهَىٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَمۡ يُقَٰتِلُوكُمۡ فِي ٱلدِّينِ وَلَمۡ يُخۡرِجُوكُم مِّن دِيَٰرِكُمۡ أَن تَبَرُّوهُمۡ وَتُقۡسِطُوٓاْ إِلَيۡهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِينَ ٨﴾ [الممتحنة: 8] فهؤلاء هم المسالمون للرسول وأصحابه، فهم يستحقون الإكرام والاحترام والصدقة والإحسان لعدم عدوانهم على المسلمين، ثم قال في ضدهم: ﴿إِنَّمَا يَنۡهَىٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ قَٰتَلُوكُمۡ فِي ٱلدِّينِ وَأَخۡرَجُوكُم مِّن دِيَٰرِكُمۡ وَظَٰهَرُواْ عَلَىٰٓ إِخۡرَاجِكُمۡ أَن تَوَلَّوۡهُمۡۚ وَمَن يَتَوَلَّهُمۡ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ ٩﴾ [الممتحنة: 9] فهؤلاء هم المحاربون لله ورسوله ودينه وعباده المؤمنين، فيستحقون القتال لكف ظلمهم وعدوانهم.
إن الله سبحانه قد أعطى كل ذي حق حقه، غير مبخوس ولا منقوص ﴿وَلَا يَظۡلِمُ رَبُّكَ أَحَدٗا ٤٩﴾ [الكهف: 49]، وهذه الآيات هي بمثابة ميزان العدل والحكم بالحق بحيث تقطع عن الناس النزاع وتعيد خلافهم إلى مواقع الإجماع في كل من يستحق القتل والقتال ومن لا يستحقه.
غير أن بعض العلماء من المفسرين والفقهاء المتقدمين يقابلون مثل هذه الآيات الواردة في محاسن الإسلام وسماحته كآية: ﴿وَقَٰتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يُقَٰتِلُونَكُمۡ﴾ [البقرة: 190]، وقوله: ﴿لَآ إِكۡرَاهَ فِي ٱلدِّينِ﴾ [البقرة: 256]، وقوله: ﴿إِذَآ أَثۡخَنتُمُوهُمۡ فَشُدُّواْ ٱلۡوَثَاقَ فَإِمَّا مَنَّۢا بَعۡدُ وَإِمَّا فِدَآءً﴾ [محمد: 4]، وقوله: ﴿۞وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلۡمِ فَٱجۡنَحۡ لَهَا﴾ [الأنفال: 61]، و قوله: ﴿فَمَا ٱسۡتَقَٰمُواْ لَكُمۡ فَٱسۡتَقِيمُواْ لَهُمۡ﴾ [التوبة: 7]، فكل هذه الآيات وأمثالها يعارضونها بدعوى نسخها ليثبتوا الحكم بأضدادها تمشيًا على ما يعتقدونه في نفوسهم، فهم يريدون أن يبدلوا كلام الله، على أن دعوى النسخ غير ثابتة؛ إذ لا يعرف الناسخ المتأخر إلا بالخطاب الثابت، فأين شروط النسخ والحالة هذه؟
وذكر ابن جرير في التفسير عن ابن عباس وقتادة: أنها نزلت في قوم بمكة كانوا يظهرون الإسلام خداعًا، ويعينون المشركين على المسلمين، فخرجوا من مكة يطلبون حاجة لهم وإن المؤمنين لما أخبروا بخروجهم من مكة، قالت فئة منهم: اطلبوا الخبثاء فاقتلوهم فإنهم يظاهرون عليكم عدوكم. وقالت فئة أخرى من المؤمنين: سبحان الله تقتلون قومًا قد تكلموا بمثل ما تكلمتم من أجل أنهم لم يهاجروا فتستحلوا دماءهم وأموالهم! فكانوا كذلك فئتين والرسول عندهم لا ينهى أحد الفريقين، فتنزلت هذه الآيات وفيها التصريح بمن يباح قتله وقتاله ومن لا يباح قتله وقتاله.
وفيها أقوال أخرى غير أن ابن جرير رجح هذا التفسير عن ابن عباس وقتادة. وذهب الجمهور إلى أن هؤلاء الذين استثناهم الله هم من الكفار، وكانوا كلهم حربًا للمؤمنين، يقتلون كل مسلم ظفروا به، فشرع الله للمؤمنين معاملتهم بمثل ذلك، وأن يقاتلوا من يقاتلهم، ويسالموا من يسالمهم.
ولهذا قال سبحانه: ﴿فَإِنِ ٱعۡتَزَلُوكُمۡ فَلَمۡ يُقَٰتِلُوكُمۡ وَأَلۡقَوۡاْ إِلَيۡكُمُ ٱلسَّلَمَ فَمَا جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمۡ عَلَيۡهِمۡ سَبِيلٗا ٩٠﴾ [النساء: 90]؛ أي في قتالهم والاعتداء عليهم؛ لأن أصل الشرع في القتال أن لا تقاتلوا إلا من يقاتلكم، ولا تعتدوا إلا على من يعتدي عليكم.
ثم قال في المحاربين: ﴿سَتَجِدُونَ ءَاخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأۡمَنُوكُمۡ وَيَأۡمَنُواْ قَوۡمَهُمۡ كُلَّ مَا رُدُّوٓاْ إِلَى ٱلۡفِتۡنَةِ أُرۡكِسُواْ فِيهَاۚ فَإِن لَّمۡ يَعۡتَزِلُوكُمۡ وَيُلۡقُوٓاْ إِلَيۡكُمُ ٱلسَّلَمَ﴾ [النساء: 91]؛ أي المسالمة، ﴿وَيَكُفُّوٓاْ أَيۡدِيَهُمۡ﴾ أي عن قتالكم والمساعدة على حربكم، ﴿فَخُذُوهُمۡ وَٱقۡتُلُوهُمۡ حَيۡثُ ثَقِفۡتُمُوهُمۡۚ وَأُوْلَٰٓئِكُمۡ جَعَلۡنَا لَكُمۡ عَلَيۡهِمۡ سُلۡطَٰنٗا مُّبِينٗا ٩١﴾.
وروى ابن جرير عن مجاهد أنهم أناس يأتون النبي ﷺ فيسلمون خداعًا، ثم يرجعون إلى قريش فيرتكسون في الكفر وعبادة الأوثان، يبتغون بذلك أن يأمنوا من كلا الجانبين، فهم مذبذبون بين المؤمنين والكافرين، فأمر الله سبحانه بقتالهم إن لم يعتزلوا ويكفوا أيديهم عن القتال مع المشركين، أو عن عمل الدسائس للمسلمين، وهذه الآيات كلها هي محكمة وليست بمنسوخة على القول الصحيح.
وقد اتخذ كثير من الناس دعوى النسخ سُلمًا إلى إبطال كثير من حكم الآيات والسنن الثابتة عن رسول الله ﷺ.
قال العلامة ابن القيم رحمه الله: إن كثيرًا من المتعصبين إذا رأوا آية أو حديثًا يخالف مذهبهم يقابلونه بالتأويل، ويحملونه على خلاف ظاهره ما وجدوا إليه سبيلاً، فإذا جاءهم من ذلك ما يغلبهم فزعوا إلى دعوى الإجماع على خلافه، فإن رأوا من الخلاف ما لا يمكنهم معه دعوى الإجماع فزعوا إلى القول بأنه منسوخ، بدون أن يوجدوا ناسخًا صحيحًا صريحًا متأخرًا، إذ محال على الأمة أن تحفظ المنسوخ الذي بطل حكمه وتضيع الناسخ الذي يلزمها حفظه والعمل به، وليست هذه طريقة أئمة الإسلام بل كلهم على خلاف ذلك، وإنهم إذا وجدوا آية أو سنة صحيحة لم يبطلوها بتأويل ولا دعوى إجماع ولا نسخ. انتهى[5].
لهذا يظهر للقارئ مما قدمنا أن الغاية في القتال في الإسلام هو ما يعبرون عنه بحرية دعوة الدين لإعلاء كلمة الحق على الأديان كلها، ومنع فتنة أي أحد في دينه دين الحق أو محاولة إرجاعه عنه، كما أن المشركين يضطهدون المسلمين بكل ما يقدرون عليه من أنواع التضييق والإحراج والتعذيب والإيذاء لأجل ردهم عن دينهم. ولهذا أوجب الله القتال في الإسلام دفعًا لهذا الظلم والعدوان.
أما المسلمون فإنهم لم يضيقوا على أحد أو يحرجوه لأجل خروجه عن دينه ودخوله في دين الإسلام؛ لأن الله سبحانه قد نهى عن ذلك بقوله: ﴿لَآ إِكۡرَاهَ فِي ٱلدِّينِ﴾ [البقرة: 256] بخلاف مشركي العرب فإنه لم يكن لهم دين مبني على عبادة أو معرفة. ولم يكونوا يؤمنون بالبعث والحساب ولا يصدقون بالجنة ولا بالنار ويسكنون في جزيرة العرب التي هي دار الإسلام ومأرز المسلمين، والتي لا يترك فيها إلا مسلم، وقد أوصى النبي ﷺ بإخراج اليهود والنصارى منها بحيث لا يبقى فيها دينان، إلا دين الإسلام، وهذا معنى ما في الصحيحين عن ابن عمر أن النبيﷺ قال: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا».
فالمراد بالناس في هذا الحديث هم مشركو جزيرة العرب من إطلاق الكل ويراد به البعض، وهم الذين أنزل الله فيهم سورة براءة التي هي من آخر القرآن نزولاً وهي قوله: ﴿فَإِذَا ٱنسَلَخَ ٱلۡأَشۡهُرُ ٱلۡحُرُمُ فَٱقۡتُلُواْ ٱلۡمُشۡرِكِينَ حَيۡثُ وَجَدتُّمُوهُمۡ وَخُذُوهُمۡ وَٱحۡصُرُوهُمۡ وَٱقۡعُدُواْ لَهُمۡ كُلَّ مَرۡصَدٖۚ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ ٥﴾ [التوبة:5]، إذ من المعلوم أن الله سبحانه لم يحكم بإلزام الناس كلهم بمدلول هذا الحديث أو الآية من قتالهم حتى يقروا بالشهادتين ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإن سائر الأمم من اليهود والنصارى والمجوس يُكتفى منهم بالجزية ثم يُقرّون على دينهم الباطل الذي هو عدم الإقرار بالشهادتين وعدم الصلاة والزكاة، نظيره قوله تعالى: ﴿ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدۡ جَمَعُواْ لَكُمۡ فَٱخۡشَوۡهُمۡ﴾ [آل عمران: 173]، وهؤلاء الناس الذين أجمعوا على حرب رسول الله والصحابة هم أبو سفيان ومن معه دون سائر الناس،
إنه لولا إذن الله للناس بهذا الجهاد -الذي هو حقيقة في الدفاع عن الحق والحقيقة- لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرًا؛ ببغي أهل الطغيان وعبدة الأوثان ومنكري البعث للجزاء على الأعمال التي تبيح للناس جميع المنكرات والفواحش والآثام وسائر ما يفسد الأخلاق والأديان والآداب وروابط الاجتماع، والله يقول: ﴿ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۖ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱلطَّٰغُوتِ﴾ [النساء: 76] والطاغوت مشتق من الطغيان وهو مجاوزة الحد في الكفر والفسوق والعصيان.
أما حروب الدول الأوربية فإن دول النصارى في فتوحها تحرص على نشر تعليم لغاتها وتاريخ عظمتها وعظمائها وسياسة ملكها، وينالون من الإسلام بهضمه وذمه وصد الناس عنه، وقد بقوا فوضى وحيارى ليس لهم دين يعصمهم، ولا شريعة تنظمهم، وإنما يتوارثون الكفر من بعضهم عن بعض، وينالون من الإسلام بالطعن فيه، لأجل هدم مقومات دين الإسلام وعظمته وعظمائه، ليبقوهم في رق الاستعمار وذل الاستعباد، ويلوِّحون للشباب المتعلمين في مدارسهم بأن دين الإسلام هو الذي حكم على أهله بالذل والضعف، حتى يبقوهم على حالهم فلا يتطاولون عليهم في العلم والثروة والعزة والقوة.
* * *
[5] ص143 من كتاب الصلاة.