متقدم

فهرس الكتاب

 

الجهاد بالحجة والبيان مقدّم على الجهاد بالسيف والسِّنان

إن الجهاد هو سنام الإسلام، وهو قولي وفعلي، يكون باللسان وبالحجة والبيان والسنة والقرآن، ويكون بالسيف والسنان. والجهاد باللسان وبالحجة والبيان مقدم على الجهاد بالسيف والسنان، ولهذا أمر الله به في السور المكيات قبل أن يفرض القتال، فقال تعالى: ﴿وَجَٰهِدۡهُم بِهِۦ جِهَادٗا كَبِيرٗا ٥٢ [الفرقان: 52]، فأمر الله نبيه أن يجاهد الكفار بالقرآن جهادًا كبيرًا.

وإنما كان هذا الجهاد بالعلم والبيان نظير قوله: ﴿وَقُل لَّهُمۡ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ قَوۡلَۢا بَلِيغٗا ٦٣ [النساء: 63]؛ أي يبلغ من أفهامهم ويعلق بأذهانهم، ومنه علم البلاغة، فالجهاد باللسان وبالحجة هو جهاد أنبياء الله ورسله وخاصة عباده، إذ تطهير سبيل الله ودينه وشرعه واجب على الكفاية باتفاق المسلمين، ومن الجهاد في سبيل الله جهاد الإنسان نفسه على فعل الأوامر وترك النواهي، ثم جهاد أهله وعياله على المحافظة على الفرائض والفضائل واجتناب منكرات الأخلاق والرذائل، ثم أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر لكل أحد حسب استطاعته، ومنه تعلم العلم وتعليمه وكتابته والدعوة إليه، كل هذا من الجهاد في سبيل الله، وروى الترمذي عن فضالة ابن عبيد أن النبي ﷺ قال: «الْمُجَاهِدُ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ فِي ذَاتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ»، وقال رسول الله ﷺ: «أَفْضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ»[4].

كما يجب على العلماء جهاد عقائد الإلحاد والملحدين المضلين الذين يضلون الناس بالشبهات والتشكيكات من كل ما يزيغهم عن معتقدهم الصحيح، ثم يقودهم إلى الإلحاد والتعطيل والزيغ عن سواء السبيل.

ولولا من يقيمه الله لدفع ضرر الكافرين، ودحض حجج المبطلين، لفسد الدين. وعن كعب بن مالك مرفوعًا: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ يُجَاهِدُ بِسَيْفِهِ وَلِسَانِهِ». رواه في شرح السنة، وعن أنس بن مالك أن النبي ﷺ قال: «جَاهِدُوا الْمُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُمْ، وَأَنْفُسِكُمْ، وَأَلْسِنَتِكُمْ». رواه أحمد والنسائي وصححه الحاكم.

فبدء القتال إنما يكون بالحجة والبرهان، لا بالسيف والسنان، فإذا منعنا من الدعوة إلى دين الله الذي أوجب الله أن ينذر به ويبلغ جميع خلقه فقال الله تعالى: ﴿لِأُنذِرَكُم بِهِۦ وَمَنۢ بَلَغَ [الأنعام: 19]، ومتى هُدِّد الدعاة أو قُتلوا أو مُنِعوا من دخول البلد لنشر الدعوة وتبليغ الهداية، فإنهم بمنعهم لهم يعتبرون معتدين على الدين وعلى الخلق أجمعين، فعلينا أن نقاتلهم لحماية الدعوة والدعاة لا للإكراه على الدين، فإن الله تعالى يقول: ﴿لَآ إِكۡرَاهَ فِي ٱلدِّينِۖ قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشۡدُ مِنَ ٱلۡغَيِّ [البقرة: 256]، وقال: ﴿أَفَأَنتَ تُكۡرِهُ ٱلنَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُواْ مُؤۡمِنِينَ ٩٩ [يونس:99]؛ لأن الاعتداء على الدين أضر من الاعتداء على الأنفس والأموال، والدفاع عن الدين أوجب من الدفاع عن الأنفس والأموال، فكيف إذا اجتمع الاعتداء على الدين وعلى الأنفس والأموال، فالإسلام لم يدع إلى قتال اليهود والنصارى إذا هم أذعنوا لبذل الجزية التي هي بمثابة الرمز للعقد والعهد ولم يعتدوا على الإسلام والمسلمين بشكهم وتشكيكهم.

* * *

[4] رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث أبي سعيد الخدري، وقال الترمذي: غريب.