الطلاق الشرعي هو ما شرعه الله ورسوله
إن القرآن الكريم والذكر الحكيم قد سبق إلى بيان كل فريضة وفضيلة، فضمّن الله كتابه كثيرًا من الآيات المحكمات المتضمّنة لبيان أصل الطلاق وتفصيله والأدب مع الله فيه، وبيان حلاله وحرامه، وبيان عِِدَد النساء مع اختلاف أنواعها، وبيان الرجعة ومن تستحق النفقة والسكنى ومن لا تستحق ذلك، وغير ذلك من الأحكام المتعلقة بهذا الشأن، وكل ما ذكر الله من أحكام الطلاق فإنما يتمشى على الطلاق الشرعي الذي شرعه الله في كتابه وعلى لسان نبيه، والذي هو معروف زمن النبي ﷺ وأصحابه وزمن نزول القرآن، وهو كون الطلاق بالثلاث عن واحدة رجعية، حتى نقلهم عمر - رضي الله عنه - عنها إلى الإلزام بها، ولا يزال من الصحابة من يفتي بجعل الثلاث عن واحدة كعلي والزبير وابن مسعود في كثير من الروايات عنه.
ومن العجب أن هذا الشيخ الفاضل لم يذكر في بحثه الطويل العريض شيئًا من آيات القرآن المتعلقة بالطلاق الدالة على بيان حلاله وحرامه، لعلمه أن الاستدلال بها يعود عليه بسقوط مذهبه وتفنيد رأيه، ويكون استدلاله بها حجة عليه لا له، لهذا نراه يبعد عن الاستدلال بها كل البعد، ونراه يبالغ في صرف الكلام إلى غير المعنى المراد به، ويقول: إن الطلاق الذي كان على عهد رسول الله وأبي بكر وصدرًا من خلافة عمر والذي نقلهم عمر عنه إلى الإلزام به، هو طلاق غير المدخول بها. ويستدل لهذا بأقوال ضعيفة وموضوعة، وتارة يقول: إن الطلاق الذي نقلهم عمر عنه، هو أنهم كانوا في ذلك الزمان صحيحة نياتهم، فكان أحدهم يطلق طلقة تأسيسية ويؤكدها بطلقتين، ومن المعلوم أنه يدان بنيته حتى عند الذين يحكمون بلزوم الطلاق بالثلاث جميعًا.
فسبحان الله ما أجرأه على التبديل بدلاً من التعديل، فقد حاول صرف الناس عن التعلق بهذا الحديث الصحيح الصريح الثابت في صحيح مسلم وفي السنن والمسانيد، والذي حدّث به ابن عباس في الطلاق الرائج بين الناس، والذي يكثر وقوعه دائمًا زمن الصحابة ومن بعدهم، ويقول: إن المراد به طلاق غير المدخول بها. ومن المعلوم أن غير المدخول بها لم يحصل فيها خلاف بين الصحابة ولا من بعدهم إلى يومنا هذا، وأنها تبين من زوجها بطلقة واحدة، حتى ولو طلقها بالثلاث فإنها تبين بواحدة، يقول الله تعالى: ﴿ثُمَّ طَلَّقۡتُمُوهُنَّ مِن قَبۡلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمۡ عَلَيۡهِنَّ مِنۡ عِدَّةٖ تَعۡتَدُّونَهَاۖ فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحٗا جَمِيلٗا ٤٩﴾ [الأحزاب: 49].
فهذه المرأة غير المدخول بها تبين من زوجها بطلقة واحدة، ولو ندم وحاول إرجاعها إلى عصمته فإنه تجوز له بعقد جديد.
وإننا عندما نتكلم على الطلاق في رسالتنا هذه، فإنما نتمشى فيها على الطلاق السني لا البدعي، إذ البدعي زيادة في الدين، ومن شريعة البشر لا من تشريع رب العالمين، فهو يدخل في عموم قوله تعالى: ﴿أَمۡ لَهُمۡ شُرَكَٰٓؤُاْ شَرَعُواْ لَهُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا لَمۡ يَأۡذَنۢ بِهِ ٱللَّهُۚ﴾ [الشورى: 21] ونحن مكلّفون من قبل الله بأن نتلقى أحكامه بالقبول والتنفيذ، فنرد الطلاق البدعي إلى الطلاق السُّني، فإن قضاء الله أحق وحكمه ألزم، وهو رحمة من الله لعباده مع كراهيته له، لكن فيه الفرج والمخرج من كل ما يقع الناس فيه من الحرج.
أراد الله تيسيرًا وأنتم
من التعسير عندكم ضروب
* * *