متقدم

فهرس الكتاب

 

إن الحاجة إلى النكاح ليست من الضرورة التي تبيح المحظور من الزنا ونكاح المتعة

ولقد قيل: تجوع الحرة ولا تأكل بثديها، وتأبى الدنية ولو اضطرت إليها. إن قول صاحب المقالة:

(إن نكاح المتعة أُبيح في حالة الضرورة، وإن أكثر الشباب لا يستطيعون النكاح الشرعي لصعوبة التكاليف المترتبة عليه من الصداق وغيرها، فصاروا واقعين في هذه الضرورة التي تبيح لهم نكاح المتعة أشبه إباحة أكل الميتة والدم ولحم الخنزير وشربة الخمر لدفع اللقمة التي يغص بها).

فالجواب أن هذا الخطاب بعيد عن الصواب.

ففي الحديث أن النبي ﷺ قال: «مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ، وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ». رواه البخاري ومسلم من رواية أبي هريرة، فجعل جميع المنهيات من الأشياء التي يجب اجتنابها ولا يعذر أحد بارتكابها كالربا والزنا وشرب الخمر؛ لأن هذه كلها ليست بأحمال على الجسم، وليست بأكل وشرب مما يفتقر إليه الجسم، بل كلها من التروك، بل كل المنهيّات كهذه تركها أنفع من فعلها، وإنما تحتاج إلى شدة حزم وقوة عزم في انصراف النفس عنها، بخلاف الأوامر فإنها على حسب الاستطاعة: صل قائمًا فإن لم تستطع فقاعدًا فإن لم تستطع فعلى جنب؛ لأن الله سبحانه لا يكلف نفسًا إلا وسعها.

فلو فعل أحد شيئًا من المنهيات والحدود وجب أن يعاقب بما يستحقه من الحد أو التعزير الذي يرجع فيها إلى اجتهاد الحاكم ﴿وَلَا تَأۡخُذۡكُم بِهِمَا رَأۡفَةٞ فِي دِينِ ٱللَّهِ [النور: 2]. لأن من لا يكرم نفسه لا يكرم، ﴿وَمَن يُهِنِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِن مُّكۡرِمٍۚ [الحج: 18]. لأن الله سبحانه شرع الحدود للزجر بها عن مواقعة المنهيات كالزنا ونكاح المتعة وغيرها، فكما أنه لا يستجاب لمرتكب كبيرة الزنا في دعوى الضرورة، فكذلك نكاح المتعة وهو محرم كالزنا.

فقول بعضهم: إن نكاح المتعة محرم كتحريم الميتة والدم ولحم الخنزير. فإن هذا التعريف قاصر عن حدود التعريف بتحريمها، وفيه شيء من التدليس والتلبيس على أسماع الناس.

فإن نكاح المتعة حرام إلى يوم القيامة، كما روى مسلم عن ربيع بن سبرة عن أبيه أن النبي ﷺ قال: «إِنِّي كُنْتُ أَذِنْتُ لَكُمْ فِي الِاسْتِمْتَاعِ مِنَ النِّسَاءِ، وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ ذَلِكَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْهُنَّ شَيْءٌ، فَلْيُخَلِّ سَبِيلَهَا، وَلَا تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا»[336]. وخطب النبي ﷺ بذلك عام الفتح. فهذا هو التعريف الكافي الشافي كما رواه الدارقطني أن النبي ﷺ قال: «إِنَّ اللَّهَ فَرَضَ فَرَائِضَ، فَلَا تُضَيِّعُوهَا، وَحَدَّ حُدُودًا فَلَا تَعْتَدُوهَا، وَحَرَّمَ أَشْيَاءَ، فَلَا تَنْتَهِكُوهَا، وَسَكَتَ عَنْ أَشْيَاءَ رَحْمَةً لَكُمْ غَيْرَ نِسْيَانٍ، فَلَا تَبْحَثُوا عَنْهَا». وتحريم الميتة والدم ولحم الخنزير ليس من تحريم المؤبد إلى يوم القيامة بل له أجل ينتهي إليه وهو وجود الضرورة المقتضية لإباحته، فمتى أُصيب الإنسان بالجوع الشديد الذي أشفى منه على الهلاك أُبيح له أن يتناول من الميتة أو لحم الخنزير ما يسدّ به رمقه، ولو مات بدون أن يتناول منها عُدّ عاصيًا. وقد قال بعض العلماء: إنني لن أوتى برجل مات جوعًا ولم يأكل من الميتة، فإنني لا أُصلي عليه. لكونه قد أعان على قتل نفسه، والمطلوب منه إحياؤها ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا.

ومثله إباحة الدم للضرورة، وقد صار من أكبر العوامل والأدوية عند الأطباء في تدارك صحة المصابين بالجروح البليغة وبالرصاص الذي ينزف الدم عن الجسم، فيكون في حالة ضرورة في تدارك علاجه بالدم لسريانه في الجسم مما عسى أن تتدارك به حياته وصحته، لكونه لا بقاء للجسم بعد خروج الدم منه، بخلاف نكاح المتعة فإنه لا ضرورة إليه، وإنما يزداد صحة بتركه، وقد قال رسول الله ﷺ لرجل: «أقلِل من النكاح فإنه نور عينيك وقوة ساقيك». وقيل:
أقلل نكاحك ما استطعت فإنه
ماء الحياة يصب في الأرحام
ولو كانت شهوة النكاح التي يجدها الإنسان في نفسه تبيح له نكاح المتعة لقيل بجواز الزنا للضرورة إذ هما في الحكم سواء، بل إن نكاح المتعة أشد من الزنا، فإن الزنا يستخفي به أهله أما نكاح المتعة فيجهرون به.

وقد حدثني رجل من الثقات قال: أتيت أصفهان فوجدت نساء كثيرات صفوفًا ينادين الرجال بأصوات عالية: المتعة... المتعة!!

ومتى كان في مذهبهم وعقيدتهم أنه يجوز استئجار المرأة باليوم واليومين وبالمرّة والمرتين ويجوز مع بنت ابنة تسع سنين وعشر سنين بدون إذن أبيها أو وَليها علمت حينئذٍ أنه الزنا قطعًا، لا يغادر صغيرة ولا كبيرة من الزنا إلا أحصاها.

تبقى تسميته بالمتعة، والأسماء لا تغير المسميات عن حقائقها وأوصافها، كما أخبر النبي ﷺ عن أناس يشربون الخمر يسمونها بغير اسمها.

ومن القواعد الأُصولية أن الاعتبار في العقود بمقاصدها ومعانيها لا بألفاظها ومبانيها.

فدعوى عدم صبره عنها حجة داحضة، نظير إحالة ارتكابه لها على القضاء والقدر، وما أذنب القضاء والقدر ولكنهم المذنبون، ولما جيء عمر بن الخطاب بسارق فقال له: ما حملك على السرقة؟ قال: حملني عليها قضاء الله وقدره. فقال: وأنا أقطع يدك بقضاء الله وقدره. فأمر به فقطعت يده[337].

وقد شرع الله الحدود لتكون بمثابة الزواجر عن ارتكاب الجرائم. وحد يقام في الأرض خير لأهلها من أن يمطروا أربعين صباحًا؛ لأن الحدود تقلل من فشو انتشار المنكرات من الزنا وشرب الخمر، فلا يقبل من أحد دعوى ضرورته وعدم صبره عند تغلب شهوته على عقله، ولو كان كذلك لفسد باب الأمر والنهي اللذين عليهما مدار أحكام الشرع.

أفيقال: إن الزنا مباح للضرورة في حق من لا يستطيع الصبر عنه والله تعالى يقول: ﴿وَٱلَّذِينَ هُمۡ لِفُرُوجِهِمۡ حَٰفِظُونَ ٢٩ إِلَّا عَلَىٰٓ أَزۡوَٰجِهِمۡ أَوۡ مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُهُمۡ فَإِنَّهُمۡ غَيۡرُ مَلُومِينَ ٣٠ فَمَنِ ٱبۡتَغَىٰ وَرَآءَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡعَادُونَ ٣١ [المعارج: 29-31] فجعل كل من طلب نكاحًا غير النكاح الدائم الشرعي وملك اليمين أنه من المعتدين لحدود الله. ومثله دعوى عدم الصبر عن شرب الخمر.

فكيف يقاس أكل الميتة للمضطر التي لو ترك أكلها لمات؟! وقد قال بعض العلماء: لو ترك أكلها فمات لا يصلَّى عليه، فكيف يقاس هذا على ضرورة الشهوة إلى النكاح التي لا يخشى على أحد الهلاك بتركه، وبعض الناس يؤثر البقاء على العزوبة مع توفر الشهوة. ومثله لو غص بلقمة فدفعها بشربة خمر التي هي نادرة الوقوع ولعلها لم يقع لها نظير في الدنيا.

وقد رأينا بعض العلماء من جعل هذه حجة في إباحة ربا النسيئة للمضطر الذي يكفر من قال بإباحته، ولا شك أن هذا من باب الترخص الجافي، والأحكام الشرعية يجب ألا تعارض بترخص جافٍ، ولا تشدُّد غالٍ، ولا تحمل على علة تُوهن الانقياد للحكم.

والنبي ﷺ حرم الربا بموقف جميع الناس بعرفة عام حجة الوداع فقال: «إِنَّ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ رِبَا عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ»[338].

فحرم الربا تحريمًا عامًّا بدون استثناء مع كونه عمدة تجارتهم، فقد اشتهرت قريش بالتجارات الواسعة من أجل رحلاتهم الصيفية والشتوية ومن أجل توسعهم في المعاملات الربوية، مع العلم أن جميع العرب سوادهم في حاجة وفقر شديد، فكانوا يقتسمون الزاد بالتمرة الواحدة في غزوة العسرة القريبة من حجة الوداع، ومع هذا فلم يبح رسول الله ﷺ تعاطي الربا للمضطر لدخوله في عموم قوله: «مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ»[339]، لكون الشخص متى صحت نيته وصدقت عزيمته سهل عليه مفارقة المألوفات المحرمة، كما قيل:
والنفس كالطفل إن تهمله شبَّ على
حب الرَّضاع وإن تفطمه ينفطم
ولهذا عزف الصحابة عن التعامل بالربا، فلم يبق له ذكر بينهم امتثالاً لأمر الله وطاعة لرسوله، ولم يقولوا: لا نستطيع تركه؛ لأن من ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه ﴿وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجۡعَل لَّهُۥ مِنۡ أَمۡرِهِۦ يُسۡرٗا ٤ [الطلاق: 4]. ﴿وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجۡعَل لَّهُۥ مَخۡرَجٗا ٢ وَيَرۡزُقۡهُ مِنۡ حَيۡثُ لَا يَحۡتَسِبُۚ [الطلاق: 2-3]، ومثله عزوفهم عن الخمر التي كانوا قد شبوا على شربها ونشؤوا على حبها وإدمان شربها، ولما بلغهم تحريمها أخذوا يرمون الأوعية من أيديهم، ثم خرجوا إلى السوق وبه ظروف الخمر فجعلوا يطعنونها بالسكاكين حتى سالت بالأزقة وهم يقولون: والله إن كنا لنكرمك عن هذا المصرع وأما اليوم فقد أهانك الله. ﴿وَمَن يُهِنِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِن مُّكۡرِمٍۚ [الحج:18] ولم يقولوا: لا نستطيع تركها. ولم يتعالوا بدعوى الضرورة، وهكذا يقال في نكاح المتعة.

فقد كان العرب في جاهليتهم يستأجرون المرأة بالثوب وبالأتوار[340] من الأقط[341] والشعير، ولما بلغهم خبر تحريمها وخطبهم النبي ﷺ قائلاً: «إِنِّي كُنْتُ أَذِنْتُ لَكُمْ فِي الِاسْتِمْتَاعِ مِنَ النِّسَاءِ، وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ ذَلِكَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْهُنَّ شَيْءٌ، فَلْيُخَلِّ سَبِيلَهَا، وَلَا تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا» رواه مسلم. فعزفوا عنها كلهم غنيهم وفقيرهم لكونها من التحريم المؤبد إلى يوم القيامة كما يدل له لفظ الحديث، ثم إن النكاح قد يصبر عنه بعض الناس السنين الطويلة مع رجوليتهم وقوة شهوتهم خصوصًا الرؤساء والمجاهدين والمشتغلين بالعلم والتجارة والصناعة، فإنهم ينصرفون عنه الانصراف الكلي بدون أن يحسوا بشدة، وكانوا يتغربون عن أهلهم السنتين والثلاث ولا يجدون مسًّا من تعب العزوبة، وكنت ممن تغرب عن الأهل في طلب العلم أربع سنين ولم أجد مشقة في الغربة ولا في العزوبة، لكون الاشتغال بالعلم وبالأعمال الدينية والمالية يستدعي الانصراف الكلي، على حد ما قيل:
قوم إذا حاربوا شدوا مآزرهم
عن النساء ولو باتت بأطهار
وإن الذين يولعون بمجالسة النساء والعكوف بينهن هم الفارغون البطالون الذين ليسوا في عمل دنيا ولا دين، وكذا الذواقون الذين يتنقلون في اللذات بين المشتهيات، فلا يشبع نهمة أحدهم شيء، حتى قيل: إنه لو كان مع رجل جميع نساء أهل العراق، فقدمت امرأة من الشام، وذكر له جمالها لتمنى أن تكون زوجة له مضافة إلى نساء أهل العراق. وقد قيل:
لا يُشبع النفس شيء حين تحرزه
ولا يزال لها في غيره وطر
ولا تزال وإن كانت بها سعة
لها إلى الشـيء لم تظفر به نظر
لكن من قرَّ عينًا بعيشه نفعه، ومن جمع الضرَّات يطلب لذة فقد بات في الأضرار غير سديد.

لهذا رأينا شعراء العرب كامرئ القيس وزهير وعمر بن أبي ربيعة وكثير عزة رأيناهم يكثرون المديح والمبالغة في أوصاف النساء وذكر محاسنهن بدقة الأوصاف الجميلة، خصوصًا عندما يريد تقديم قصيدة على فاضل، كما قدم زهير قصيدته في معشوقته سعاد، لأن عندهم متى جاد المدح في المليح فالنسيب مقدم. فبالغوا في الغوص على الأوصاف الشائعة المشتملة على الصدق والكذب، حتى قيل: أعذبه أكذبه، كله من أجل غلبة الفراغ عليهم وكثرة اختلاطهم بالنساء في البادية زمن الجاهلية.

غير أن عشقهم يُتصور على ألسنتهم، وإلا فمن المشهور اتصافهم بالعفاف والحصانة، كما في قصة بيعة النبي ﷺ للنساء حينما قال: «لَا تُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئًا، وَلَا تَسْرِقْنَ، وَلَا تَزْنِينَ»[342] فقالت هند: أوتزني الحرة يا رسول الله؟! استنكارًا لذلك، لكون الزنا إنما يعرف في الإماء، ولسنا بهذا ننكر شدة حاجة الرجل إلى المرأة الحاجة الضرورية من جهة الناحية الجنسية أو الاجتماعية، لكن هذه الحاجة الضرورية لا ينبغي أن ترقى إلى درجة استحلال المحظورات من الزنا ونكاح المتعة لكونها من اللذات ونعيم الحياة، يقول الله سبحانه: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَٰتِ مِنَ ٱلنِّسَآءِ [آل‌عمران: 14] والمزيِّن هو الله، والنبي ﷺ قال: «حُبِّبَ إِلِيَّ مِنْ دُنْيَاكُمُ الطِّيبُ وَالنِّسَاءُ».[343] وقد تكلمنا في بعض مذكراتنا على شدة حاجة الرجل إلى المرأة وحاجتها إليه عند قوله سبحانه: ﴿وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦٓ أَنۡ خَلَقَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَٰجٗا لِّتَسۡكُنُوٓاْ إِلَيۡهَا وَجَعَلَ بَيۡنَكُم مَّوَدَّةٗ وَرَحۡمَةًۚ [الروم: 21].

فقلنا: إن المرأة سكن للزوج، تجلب إليه الأنس والسرور، والغبطة والحبور، وتقاسمه الهموم والغموم، ويكون بوجودها بمثابة الملك المخدوم والسيد المحشوم، فمسكين رجل بلا امرأة، والعزاب هو أراذل الأحياء وشرار الأموات، فمتى تعاملا بينهما بالمودة والرحمة فإنها السعادة الزوجية في الحياة، كما أن الزوج كرامة للمرأة، يرفع مستوى ضعفها، وينشر جناح وحدتها، ويسعى عليها بكل ما تشتهي من الحاجات والنفقات، ويجعلها سيدة بيت وسعيدة عشيرة وأُم بنين وبنات. ولا توجد هذه الميزات في المنكوحة بالمتعة لأنها ليست بزوجة.

ولما جاءت امرأة إلى عمر بن الخطاب تجادله في خصومة لها أنشدها:
إن النساء شياطين خلقن لنا
نعوذ بالله من شر الشياطين
فقالت ليس كذلك ولكن قال الشاعر:
إن النساء رياحين خلقن لكم
وكلكم يشتهي شمَّ الرياحين
ثم رأينا صاحب المقالة يحتج بما زعم بأنه قول العلامة ابن القيم في زاد المعاد، وهو كذب منه فإن العلامة يجزم بتحريمها.

لكنه في بحثه في فتح مكة طرق موضوع تحريم متعة النساء، قال: من العلماء من قال: إنها حرمت يوم خيبر. وعليه تدل أحاديث علي في البخاري.

ومنهم من قال: إنما حرمت عام فتح مكة. ورجح هذا القول لما روى مسلم عن سلمة بن الأكوع: أن النبي ﷺ نهى عن متعة النساء عام أوطاس. أي يوم حنين، وهو عام فتح مكة.

ثم طرق موضوع الخلاف وهل تحريمها كتحريم الميتة ولحم الخنزير؟ أو هو تحريم مؤبد في الحضر والسفر، وهذا هو الصحيح لحديث ربيع بن سبرة عن أبيه أن النبي ﷺ قال: «إِنِّي كُنْتُ أَذِنْتُ لَكُمْ فِي الِاسْتِمْتَاعِ مِنَ النِّسَاءِ، وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ ذَلِكَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»[344] ثم قال العلامة ابن القيم: إن رسول الله رخص فيها - أي في ذلك الزمان - للضرورة والحاجة في الغزو، فمن رخص فيها في الحضر مع كثرة النساء وإمكان النكاح الشرعي المعتاد فقد اعتدى، والله لا يحب المعتدين. انتهى.

وبه يعلم أن النصوص الصحيحة الصريحة ترد على من ادعى أن بدء تحريم متعة النساء وقع من عمر اجتهادًا منه واستجاب الصحابة له من أجل هيبته، وهذا كله من الكذب على الله ورسوله وعلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

ولم نر لهذا القول سندًا صحيحًا ولا حسنًا، بل هو من نوع الكذب المفترى على عمر لكون الشيعة يبغضون عمر أشد البغض، ولهذا شددوا في الإنكار على من يقول بتحريم المتعة مع ظواهر النصوص الصريحة المؤيدة للتحريم مع الإجماع العام ولا عبرة بشذوذ المخالفين.

أما نهي عمر عن التمتع في الحج فإن له أصلاً من الصحة في الصحاح، وهو رأي رآه. والرأي يخطىء ويصيب، وليس الصحابي بمعصوم، فقد رأى أن يفرد الحج بسفرة ويفرد العمرة بسفرة، فخالفه الصحابة على ذلك، وإن رسول الله ﷺ تمتع بالعمرة إلى الحج في حجّة الوداع ولم ينسخها شيء وبقي العمل بها إلى الآن، وصفة التمتع أن يحرم بالعمرة متمتعًا بها إلى الحج، فإذا طاف طواف العمرة وسعى سعي العمرة قصّر من شعره، ثم يلبس ثيابه ويتمتع بما هو مباح له من الطيب والنساء وغير ذلك من المحظورات كحالته قبل الإحرام، فإذا كان يوم الثامن يحرم بالحج، فهذه هي التي قال فيها ابن عباس - حين نهى عمر عن التمتع -: يوشك أن ينزل عليكم حجارة من السماء، أقول: قال رسول الله. وتقولون: قال أبو بكر وعمر. أما القول بالنهي عن متعة النساء فإنما ذكره - على فرض صحته - إبلاغًا للسنة واشتهارًا لها، ليبلغ الشاهد الغائب.

ومن الكذب أيضًا ما نسبوه إلى علي من قوله: لولا نهي عمر عن المتعة ما زنى إلا شقي[345]. فهذا مما لا صحة له وينزه الإمام علي عنه، فقد ثبت عنه في الصحيحين من طريقين أن النبي ﷺ نهى عن متعة النساء عام خيبر، وعن سلمة بن الأكوع قال: رخص رسول الله ﷺ عام أوطاس في المتعة ثلاثة أيام ثم نهى عنها. رواه مسلم. وعن علي رضي الله عنه قال: نهى رسول الله عن المتعة عام خيبر. متفق عليه. وعنه رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ نهى عن متعة النساء وعن الحمر الأهلية يوم خيبر. رواه البخاري ومسلم والنسائي والترمذي وابن ماجه والإمام أحمد وابن حبان.

وعن ربيع بن سبرة عن أبيه أن رسول الله ﷺ قال: «إِنِّي كُنْتُ أَذِنْتُ لَكُمْ فِي الِاسْتِمْتَاعِ مِنَ النِّسَاءِ، وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ ذَلِكَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْهُنَّ شَيْءٌ، فَلْيُخَلِّ سَبِيلَهَا، وَلَا تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا». رواه مسلم وأبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه والإمام أحمد وابن حبان في صحيحه. قال أبو محمد بن حزم في المحلى، الجزء الحادي عشر: ولا يجوز نكاح المتعة وهو النكاح إلى أجل، وكان حلالاً على عهد رسول الله ﷺ، ثم نسخها الله تعالى على لسان رسوله ﷺ نسخًا باتًّا إلى يوم القيامة.

ثم قال بعد ذكره للخلاف بين الصحابة في بداية تحريمها: ونقتصر من الحجة في تحريمها على خبر ثابت وهو ما رويناه من طريق عبد الرزاق عن معمر عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن الربيع بن سبرة الجهني عن أبيه قال: خرجنا مع رسول الله ﷺ. فذكر الحديث، وفيه: فقال: سمعت رسول الله ﷺ على المنبر يخطب ويقول: «مَنْ كَانَ تَزَوَّجَ امْرَأَةً إِلَى أَجَلٍ فَلْيُعْطِهَا مَا سَمَّى لَهَا، وَلَا يَسْتَرْجِعْ مِمَّا أَعْطَاهَا شَيْئًا، وَيُفَارِقُهَا فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَهَا عَلَيْكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ». قال أبو محمد: ما حرم إلى يوم القيامة فقد أمنّا نسخه.

فهذه النصوص الصحيحة المريحة تكذب ما نسبوه إلى علي من قوله: لولا نهي عمر عن المتعة ما زنى إلا شقي.

وإن من حكمة الله في شرعه وخلقه أنه لا يسد عن النفوس باب ممنوعها إلا ويفتح لها باب مشروعها، لأن من ترك شيئًا لله عوضه الله ما هو خير منه، ﴿وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجۡعَل لَّهُۥ مَخۡرَجٗا ٢ وَيَرۡزُقۡهُ مِنۡ حَيۡثُ لَا يَحۡتَسِبُۚ [الطلاق: 2-3]، ﴿وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجۡعَل لَّهُۥ مِنۡ أَمۡرِهِۦ يُسۡرٗا ٤ [الطلاق: 4].

لهذا حث النبي ﷺ على النكاح الشرعي لكونه من أسباب الغنى لقوله سبحانه: ﴿وَأَنكِحُواْ ٱلۡأَيَٰمَىٰ مِنكُمۡ وَٱلصَّٰلِحِينَ مِنۡ عِبَادِكُمۡ وَإِمَآئِكُمۡۚ إِن يَكُونُواْ فُقَرَآءَ يُغۡنِهِمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦۗ [النور: 32] فكم فقير عاد بعد الزواج غنيًّا.

وكذلك حث النبي ﷺ أمته على فتح أبوابه وتسهيل طرقه وأسبابه، فقال: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ»[346] ولم يقل: ومن لم يستطع فعليه بنكاح المتعة.

وقال: «خَيْرُ الصَّدَاقِ أَيْسَرُهُ»[347] وخير النكاح أقله[348] كلفة، وقد أجاز نكاح امرأة بنعلين، وبوزن نواة من ذهب، وبخاتم من حديد، وبتعليم سورة أو سورتين من القرآن، وكذلك التخفيف من مؤونة وليمة العرس وغيرها، فقال: «أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ»[349]، وقد أولم النبي ﷺ على بعض نسائه بمدين من شعير، ولم يتزوج أحدًا من نسائه ولا زوج أحدًا من بناته بأكثر من خمسمائة درهم، وهو قدر يقل عن مائة ريال، فلا يزني مع هذه التسهيلات إلا شقيّ، ولا يكلف الخاطب الزيادة في الصداق إلا بخيل[350].

ثم إن الشيعة يستدلون على رأيهم بما هو معلوم البطلان لتضليل العوام وضعفة العقول والأفهام، فهم يوردون لتأييد رأيهم ما دب ودرج من الأحاديث الموضوعة والأخبار المنكرة المكذوبة، ومن ذلك قولهم: (قلت لأبي جعفر رضي الله عنه: للتمتع ثواب؟ قال: إن كان يريد بذلك وجه الله تعالى، وخلافًا على من أنكرها، لم يكلمها كلمة إلا كتب الله له بها جنة، ولم يمد يده إليها إلا كتب الله له حسنة، فإذا دنا منها غفر الله له بذلك ذنبًا، فإذا اغتسل غفر الله له بقدر ما مر من الماء على شعره. قلت: بعدد الشعر؟ قال: بعدد الشعر).

وقولهم عن النبي ﷺ قال: «إني لما أُسري بي إلى السماء لحقني جبريل عليه السلام، فقال: يا محمد إن الله تبارك وتعالى يقول: إني غفرت للمتمتعين من أُمتك من النساء».

ذكر أبو زهرة في كتابه موسوعة الفقه الإسلامي المجلد الأول ص3. قال بعد ذكره لأقوال القائلين بإباحة المتعة: وهي مذهبهم واعتقادهم وعليها جمهورهم، لكن يوجد في أعقاب هذه الأقوال من ينكر متعة النساء من علماء الشيعة وينهى عنها أشد النهي.

من ذلك أن تحريم المتعة نقل صحيحًا عن الإمامين أبي جعفر محمد بن الباقر وأبي عبد الله جعفر الصادق وهما إمامان من أئمة الإمامية: فقد رووا أن بسامًا الصيرفي سأل أبا عبد الله جعفر الصادق عن المتعة ووصفها له، قال رضي الله عنه: ذلك هو الزنى، وإنها من المخادنة التي نهى الله تعالى عنها في كثير من آيات القرآن مثل قوله: ﴿مُحۡصِنِينَ غَيۡرَ مُسَٰفِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِيٓ أَخۡدَانٖۗ [المائدة: 5]، وقوله تعالى: ﴿مُحۡصَنَٰتٍ غَيۡرَ مُسَٰفِحَٰتٖ وَلَا مُتَّخِذَٰتِ أَخۡدَانٖۚ [النساء:25]. ولقد جاء في الكافي عن الحسن بن يحيى بن زيد فقيه العراق أنه قال: أجمع آل رسول الله ﷺ على كراهية المتعة والنهي عنها. والكراهية مع النهي تقتضي التحريم.

ورأس الأئمة بالإجماع عندهم هو علي كرم الله وجهه قد نهى عن المتعة نهيًا مؤكدًا، فقد قال رضي الله عنه: لا أوتى بمستمتعين إلا رجمتهما. وقد نقل الكافي وهو أحد المصادر الأربعة لفقههم النهي عنها. وقد وجدنا في كتب الزيدية عن أئمة آل البيت عامة، وعن الإمام جعفر الصادق خاصة ما يثبت أنه يرى المتعة من الزنا. كما نسب هذا القائل القول بإباحة المتعة إلى البخاري ومسلم وعن ابن القيم في زاد المعاد وعن ابن كثير في النهاية وغيرها من الكتب، ليوهم الناس أن هؤلاء يقولون بإباحتها إلى يوم القيامة، وهو كذب صريح عليهم، فإنهم مجمعون كغيرهم على تحريمها إلى يوم القيامة.

والحاصل: أن المتعة ليست إلا من قبيل اتخاذ الأخدان الذي هو معروف من عادات الجاهلية، وسكت عنه النبي ﷺ في أول الإسلام عفوًا حتى يجيء الوقت المعين لإعلان التحريم، وقد حان وقت تحريمه زمن خيبر - أي عام ستة من الهجرة، وقيل: عام الفتح - وإنه بلا ريب لا تتفق المتعة مع مقاصد الإسلام من العلاقة بين الرجل والمرأة التي أحلها الله سبحانه وتعالى بكلمته، ولا يمكن أن يحل الله تعالى بكلمته اتخاذ الأخدان.

ثم إن هذا القرآن الكريم النازل على محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم لا يغادر صغيرة ولا كبيرة مما يحتاج إليه الناس إلا جاء بما يقطع النزاع فيها ويعيد الخلاف إلى مواقع الإجماع في شأن هذه القضية وغيرها.

فقد حكى القرآن الكريم عن الرجل المعدم الفقير الذي يشتهي النساء بشدة ولا يستطيع صداق المحصنات الحرائر فماذا يصنع؟ أيحل له أن يستأجر امرأة بأجرة زهيدة إلى أجل مسمى ليتمتع بها أم لا؟ وهي عين القضية التي نحن بصددها قال سبحانه: ﴿وَمَن لَّمۡ يَسۡتَطِعۡ مِنكُمۡ طَوۡلًا أَن يَنكِحَ ٱلۡمُحۡصَنَٰتِ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ فَمِن مَّا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُم مِّن فَتَيَٰتِكُمُ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتِۚ وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِإِيمَٰنِكُمۚ بَعۡضُكُم مِّنۢ بَعۡضٖۚ فَٱنكِحُوهُنَّ بِإِذۡنِ أَهۡلِهِنَّ وَءَاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِ مُحۡصَنَٰتٍ غَيۡرَ مُسَٰفِحَٰتٖ وَلَا مُتَّخِذَٰتِ أَخۡدَانٖۚ [النساء: 25].

ولم يقل: ومن لم يستطع منكم طولاً أي صداقًا - والطول هو الغنى بالصداق - فليتمتع بامرأة بأجر معلوم إلى أجل مسمى ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّٗا ٦٤ فلو كان حلالاً لما سكت عنه القرآن. ولو كانت المتعة تباح بحال لأبيحت لهذا المضطر الذي لم يجد صداقًا للمحصنات، ولكون المقام مقام ضرورة، والمقال جرى على حالة المَخرج من هذه الضرورة، فأباح الله له أن ينكح الجارية المملوكة مع علمه باسترقاق أولاده فيها تبعًا لأُمهم، أما إذا كان غنيًّا يجد صداق الحرة المحصنة فإنه لا يجوز له أن ينكح أمة مملوكة، لكونه يذل نفسه باسترقاق أولاده إلا إذا كانت ملكًا له، وقد نزلت هذه الآية في زمان كان الأرقاء فيه كثيرين، فنكاح الأمة في مثل حالة هذا المقل هو نكاح شرعي يترتب عليه لوازم النكاح الشرعي، فحصرت هذه الآية النكاح في أربعة أمور، منها: اثنان حلالان، واثنان حرامان. فإن الحلال هو نكاح الرغبة الشرعي الدائم، ومنه زواج الفقير بالمرأة المملوكة.

والثاني: النكاح بملك اليمين.

وأما النكاح الحرام فمنه: نكاح المسافحات اللاتي يزني بهن كل أحد.

والثاني: المتخذات أخدان أي التي تزني مع خليل واحد لا يشاركه فيها أحد، وقد جعل العلماء نكاح المتعة من قبيل المتخذات أخدان، وهذه الآية تشبه قوله سبحانه: ﴿وَٱلَّذِينَ هُمۡ لِفُرُوجِهِمۡ حَٰفِظُونَ ٢٩ إِلَّا عَلَىٰٓ أَزۡوَٰجِهِمۡ أَوۡ مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُهُمۡ فَإِنَّهُمۡ غَيۡرُ مَلُومِينَ ٣٠ [المعارج:29-30] والمستأجرة يومًا أو أسبوعًا في سبيل نكاح المتعة لا تسمى زوجة لا لغة ولا عرفًا، ولا ينطبق عليها أحكام الزوجة الشرعية من الولي والإشهاد والنفقة والطلاق والميراث.

ويدل لهذه الآية قول النبي ﷺ: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ» [351]. أي يكسر من حدة شهوته، ولم يقل: ومن لم يستطع فليتمتع بامرأة بأجر معلوم إلى أجل مسمى، فلو كان جائزًا لوجب بيانه ولما ساغ كتمانه لكونه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة إليه، إذ الأمر بنكاح المتعة أيسر من الصوم الذي لا يطيقه أكثر الناس وخاصة الشباب، مما يدل على عدم إباحة المتعة.

ومثله إباحة نكاح الفقير للأمة المملوكة، فإن هذه الأمة لا توجد في كل زمان ومكان وخاصة في هذا الزمان الذي تم فيه إبطال الرق العام وصار الناس كلهم أحرارًا.

ومما ينبغي أن يعلم أن الله سبحانه في كتابه وعلى لسان نبيه لا يحرم شيئًا من المحرمات كالربا والزنا وشرب الخمر ونكاح المتعة إلا ومضرته واضحة ومفسدته راجحة.

وأنه لو انفتح للشباب والشابات إباحة نكاح المتعة الذي هو سهل وميسَّر لكل أحد بحيث يستأجر المرأة بنقد يسير في زمن قصير كيوم أو أسبوع أو مرة واحدة على مذهبهم يتمتع بها فإنه يفضل هذا على الزواج وتحمل تبعته وتكاليفه.

فلو فتح لهم إباحة هذا لانصرفوا برغبتهم عن النكاح الشرعي، وكذلك تؤثر المرأة أن تبقى خالية من الأزواج وبريئة من الحمل وأعباء مشقته وتكاليفه، لكون المسافِحة لا ترغب أن تحمل ولا رغبة لها في الزواج الشرعي الدائم لكونها مسحورة بالتنقل في اللذات، وكذا الرجل يفضل التنقل من واحدة إلى أخرى، وبذلك يقل النسل أو ينقطع، وقد لعن رسول الله ﷺ الذواقين من الرجال والذواقات من النساء، ويوجد في هذا من المضار ما يوجد في السفاح من قلة النسل واختلاط الأنساب والعداوة بين الأغيار.

ولهذا رأينا من عرفنا من الشيعة أنهم أبعد الناس عن هذا العمل، وأشدهم بغضًا له، فلا نسمع بغني ولا فقير ولا شريف ولا حقير أنه أجر ابنته أو موليته رجلاً يتمتع بنكاحها أسبوعًا أو شهرًا بأجرة معلومة، فهم يترفعون بشرفهم واحترام محارمهم عن السقوط في هذه المهانة، حتى كانت جريمة الزنا نادرة الوجود فيما بينهم، ولهذا ختم الله هذه الآية بقوله: ﴿يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمۡ وَيَهۡدِيَكُمۡ سُنَنَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ وَيَتُوبَ عَلَيۡكُمۡۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ ٢٦ وَٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيۡكُمۡ وَيُرِيدُ ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلشَّهَوَٰتِ أَن تَمِيلُواْ مَيۡلًا عَظِيمٗا ٢٧[النساء:26-27] والله أعلم.

* * *

[336] رواه مسلم عن ربيع بن سبرة عن أبيه. [337] أخرجه الرامهرمزي في المحدث الفاصل من حديث عمرو. [338] أخرجه مسلم من حديث جابر بن عبد الله.. [339] أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة. [340] الأتوار: جمع تور، والتور هو الإناء من نحاس أو حجارة. [341] الأقط: لبن مجفف يابس مستحجر يطبخ به. [342] أخرجه أحمد من حديث أم عطية الأنصارية. [343] أخرجه البيهقي بنحوه من حديث أنس بن مالك. [344] رواه مسلم. [345] كتاب جواهر الكلام في شرائع الإسلام للشيخ محمد حسن بن محمد باقر النجفي. [346] متفق عليه من حديث عبد الله بن مسعود. [347] أخرجه أبو داود من حديث عقبة بن عامر. [348] جاء في تحفة الأحوذي، أقله أي: أيسره. [349] متفق عليه من حديث أنس بن مالك. [350] ولنا رسالة في استحباب تخفيف الصداق وجواز تحديده فلتراجع. [351] متفق عليه من حديث عبد الله بن مسعود.