متقدم

فهرس الكتاب

 

مقدمة الرسالة

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.

أما بعد:

فإن النكاح الشرعي هو من سنن المرسلين ومن ضروريات بقاء الآدميين، به ينتظم العفاف والإحسان وحفظ الأنساب. والنبي ﷺ يقول في الحديث الصحيح: «لَكِنِّي أُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي»[324] ولا يسمى النكاح زواجًا إلا إذا كان عن طريق شرعي. فلقد شرع الله سبحانه هذا الزواج ليكون طريقًا وحيدًا لالتقاء الرجل بالمرأة، فكل لقاء بينهما خارج نطاق الزواج الشرعي، بأركانه وشروطه، هو لقاء محرم يحاربه الإسلام أشد المحاربة.

هذا وإنه تظهر بين حين وآخر دعوات لإباحة أنواع من الأنكحة خارج نطاق الزواج الشرعي، من ذلك دعوة بعضهم في هذه الأيام إلى حلِّية نكاح المتعة وضرورة الأخذ به في الوقت الحاضر، إن نكاح المتعة وإن كان مباحًا زمن الجاهلية وبدء البعثة، كإباحة الربا وشرب الخمر، والصلاة إلى غير الكعبة، إلا أن رسول الله ﷺ حرمه بعد ذلك تحريمًا مؤبدًا إلى يوم القيامة.

وفي هذه الرسالة مناقشة هادئة مدعمة بالأدلة الشرعية والمنطقية لدعاوى القائلين بنكاح المتعة، تبين ضعف دليلهم، وزيغ قصدهم، وقصور حجتهم، بل كون هذا الدليل حجة عليهم لا لهم، إذ إن دليلهم الوحيد في ذلك هو حديث ابن عباس في هذا الموضوع، وهم يأخذون شطرًا من الحديث ويتركون الشطر الآخر، كما أنهم يأخذون قولاً ويدعون آخر ﴿أَفَتُؤۡمِنُونَ بِبَعۡضِ ٱلۡكِتَٰبِ وَتَكۡفُرُونَ بِبَعۡضٖۚ فَمَا جَزَآءُ مَن يَفۡعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمۡ إِلَّا خِزۡيٞ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰٓ أَشَدِّ ٱلۡعَذَابِۗ [البقرة: 85] إذ إن ابن عباس نفسه يصرح بأن نكاح المتعة قد حرم كتحريم الميتة والدم ولحم الخنزير على أن ابن عباس بشر يخطىء ويصيب، وقد سبقه القرآن الكريم بتحريمه بقوله سبحانه: ﴿إِلَّا عَلَىٰٓ أَزۡوَٰجِهِمۡ أَوۡ مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُهُمۡ فَإِنَّهُمۡ غَيۡرُ مَلُومِينَ ٣٠ فَمَنِ ٱبۡتَغَىٰ وَرَآءَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡعَادُونَ ٣١ [المعارج: 30-31] فاتفق الكتاب والسنة وإجماع المسلمين على تحريم نكاح المتعة. نسأل الله سبحانه أن يسدد خطانا، وأن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

* * *

[324] متفق عليه من حديث أنس بن مالك.