(3) التزوج بالكتابيات وعموم ضرره على البنين والبنات
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين وبه نستعين، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ومن همزات الشياطين. وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم صل عليه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فقد قال الله تعالى: ﴿وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦٓ أَنۡ خَلَقَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَٰجٗا لِّتَسۡكُنُوٓاْ إِلَيۡهَا وَجَعَلَ بَيۡنَكُم مَّوَدَّةٗ وَرَحۡمَةًۚ﴾ [الروم: 21]، فأخبر الله سبحانه بامتنانه على عباده، أن خلق لهم من أنفسهم أزواجًا ليسكنوا إليها ويأنسوا بها، وجعل بينهم مودة ورحمة لتتم بذلك سعادتهم وكمال أنسهم وانسجامهم، فمسكين مسكين رجل بلا امرأة، والعزاب هم أراذل الأحياء وشرار الأموات، وقد سمى الله الزوجة بالسكن والصاحب بالجنب، ومنه يُعلم أن الله خلق المرأة كرامة ونعمة للرجل، تجلب إليه الأنس والسرور والغبطة والحبور وتقاسمه الهموم والغموم، ويكون بوجودها بمثابة الملك المخدوم والسيد المحشوم، كما أن الله سبحانه جعل الزوج كرامة للمرأة، يرفع مستوى ضعفها ويسعى عليها بكل ما تشتهي من الحاجات والنفقات، ويجعلها سيدة بيت وسعيدة عشيرة وأُم بنين وبنات.
ولهذا أنزل الله تعالى: ﴿وَأَنكِحُواْ ٱلۡأَيَٰمَىٰ مِنكُمۡ وَٱلصَّٰلِحِينَ مِنۡ عِبَادِكُمۡ وَإِمَآئِكُمۡۚ إِن يَكُونُواْ فُقَرَآءَ يُغۡنِهِمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦۗ﴾ [النور: 32]، والأيامى: هم كل من لا زوج له من رجل وامرأة، والنبي ﷺ قال: «إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتَنَةٌ فِي الْأَرْضِ، وَفَسَادٌ عَرِيضٌ»[315] ومفهوم الحديث: أنه إذا خطب إليكم من لا ترضون دينه ولا أمانته ولا خلقه فلا تزوجوه، ممن عرف بترك الصلاة واستباحة شرب المسكرات أو الإلحاد والنفاق، فهذا لا يجوز تزويجه بمسلمة. يقول تعالى: ﴿لَا هُنَّ حِلّٞ لَّهُمۡ وَلَا هُمۡ يَحِلُّونَ لَهُنَّۖ﴾ [الممتحنة:10].
وروي: «من زوّج مولِّيته بفاجر فقد قطع رحمه منها»[316] ولأن للزوج السيادة والسلطة على زوجته، وبطول معاشرته لها يوقعها في الفتنة في دينها وعقيدتها، تبعًا لفساد عقيدته، ولتكون على حسب عقيدته وطريقته، على أنه لا ينعقد النكاح أصلاً بامرأة مسلمة على رجل فاجر لا يصلي ولا يصوم ولا يؤمن بالله واليوم الآخر ولا يدين دين الحق وتبقى معه كحالة الزنا، كما أنه لا يحل لمسلم أن يتزوج بامرأة كافرة لا تصوم ولا تصلي وتكذب بالقرآن وبالرسول، لقول الله تعالى: ﴿وَلَا تُمۡسِكُواْ بِعِصَمِ ٱلۡكَوَافِرِ﴾ [الممتحنة: 10]، وقوله: ﴿لَا هُنَّ حِلّٞ لَّهُمۡ وَلَا هُمۡ يَحِلُّونَ لَهُنَّۖ﴾ [الممتحنة: 10]، فمتى تيسر قِران الشخص بامرأة ذات حسب ودين، فإنها الكنز الذي يقتنى والجوهر الذي يتمنى، ففي الصحيح أن النبيﷺ قال: «الدنيا متاع وخير المتاع الزوجة الصالحة التي إذا نظر إليها سرته، وإن أمرها أطاعته، وإن غاب عنها حفظته في نفسها وماله»[317] فهذه الصفات الجميلة لا تتفق إلا مع المسلمة الصالحة الجليلة، أما غير الصالحة والتي هي غير مسلمة، فإنها جديرة بأن تخون زوجها في نفسه وماله وعياله، كما تخونه في نفسها؛ لأن الدين هو أعظم وازع إلى التحلي بالفضائل وأعظم رادع عن منكرات الأخلاق والرذائل؛ ولهذا حث النبي ﷺ على نكاح ذات الدين كما في الصحيح أن النبي ﷺ قال: «تُنْكَحُ المَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِجَمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ، تَرِبَتْ يَدَاكَ»[318]؛ لأن الدين ما كان في شخص إلا زانه، وما نزع من شخص إلا شانه.
والدين رأس المال فاستمسك به
فضياعه من أكبر الخسران
إن الزوجة مدرسة لأولادها وبناتها ولأهل بيتها، وراعية على بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، فصلاحها ينجم عنه صلاح بناتها وأولادها وأهل بيتها، إذ هي المربية بالأصالة، ولهذا ورد «تخيروا لنطفكم فإن العرق نزّاع» أو قال: «دساس»،[319] ومن وصايا بعض الحكماء: إياكم وخضراء الدمن. قيل: وما خضراء الدمن؟ قال: المرأة الجميلة في المنبت السوء. والله تعالى يقول: ﴿ٱلۡخَبِيثَٰتُ لِلۡخَبِيثِينَ وَٱلۡخَبِيثُونَ لِلۡخَبِيثَٰتِۖ وَٱلطَّيِّبَٰتُ لِلطَّيِّبِينَ وَٱلطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَٰتِۚ﴾ [النور:26]، فكل خبيث يميل بطبعه إلى من يشاكله في الخبث؛ لأن شبيه الشيء منجذب إليه طبعًا، فالخبيثون من الرجال للخبيثات من النساء، وهذا هو شرع الله وقدره الذي ارتضاه لعباده، والطيبات من النساء للطيبين من الرجال، وفي الحديث: «لَا يَنْكِحُ الزَّانِي الْمَجْلُودُ إِلَّا مِثْلَهُ»[320] وفي محكم القرآن: ﴿ٱلزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوۡ مُشۡرِكَةٗ وَٱلزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَآ إِلَّا زَانٍ أَوۡ مُشۡرِكٞۚ وَحُرِّمَ ذَٰلِكَ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٣﴾ [النور: 3]. ولهذا يحرم على المؤمن العفيف أن يتزوج بمسافحة. فمتى عرفنا هذا، فلن يخفى علينا سبب نزوع هذا الشباب الطائش من أبناء المسلمين بداعي شهوتهم البهيمية إلى نكاح النصرانيات اللاتي لا دين لهن ولا خلق، ويتركون نكاح بنات عمهم وأهل بلدهم وملتهم الكواعب الحسان، ﴿مُحۡصَنَٰتٍ غَيۡرَ مُسَٰفِحَٰتٖ وَلَا مُتَّخِذَٰتِ أَخۡدَانٖۚ﴾ [النساء: 25] وما ذاك إلا من ضعف الإيمان وعمى الرأي عن سوء عاقبة هذا الاستحسان، فقد أفادت التجارب أن أولاد النصرانية وبناتها من المسلم يكونون نصارى محضًا بحيث ينشؤون على عقيدة أمهم وسلوك طريقتها حسب تربيتها لهم؛ لأن المغتذي شبيه بالغاذي. ومن المعلوم أن الأولاد والبنات هم أعلق بالأم في القدوة والاحتذاء منهم بأبيهم، وقبول التعليم منها أعلق في نفوسهم، سواء كان التعليم سيئًا أو حسنًا وهذا أمر مشهور، مشهود به في مصر ولبنان وغيرهما من سائر البلدان التي يشيع فيها مثل هذا الزواج، وحتى بنات النصرانية من المسلم يستبحن النكاح بالنصارى تبعًا لرغبة أمهن، كما جرى ذلك في بعض البلدان، وهو محرم في شرع الإسلام، وخاصة إذا توفي أبوهم، فإن الأم تستولي عليهم الاستيلاء التام، فينشؤون نصارى على عقيدتها وطريقتها، يعلقون الصليب على صدورهم فيتم بذلك تنصرهم؛ لأن الوسائل لها أحكام المقاصد والأمور منوطة بأسبابها.
تلك العصا من هذه العصيه
هل تلد الحية إلا حيه
فكأن أباهم أدخل أولاده في النصرانية على سبيل الاختيار؛ لأن الحكم منوط بالسبب في سائر الأحكام.
فلا تجزعن من سيرة أنت سرتها
فأول راضٍ سيرة من يسيرها
لكن هؤلاء الذين يرغبون في نكاح النصرانيات يترجح من أخلاقهم أنه لا قيمة للدين في أنفسهم، وليس له أثر في أخلاقهم وأعمالهم ﴿نَسُواْ ٱللَّهَ فَنَسِيَهُمۡۚ﴾ [التوبة: 67] والشباب قطعة من الجنون، وحبك الشيء يعمي ويصم، فهم لا يفكرون في العواقب أبدًا.
قالت عهدتك مجنونًا فقلت لها
إن الشباب جنون برؤه الكبر
ثم إن هذه المرأة النصرانية، متى توفيت لم يرثها زوجها، كما أنها لن ترثه؛ لأن الكافر لا يرث المسلم بالنص والإجماع.
إن أكثر ما يتشدق به عشاق المرأة النصرانية قولهم: إنها متعلمة متهذبة. وخفي عليهم أن هذا التعلم والتهذيب الذي حملته من المدرسة أنه غاية في الجهل والضلال وفي الخلاعة والقباحة، والتربي على المنكرات وشرب المسكرات وترك الطاعات، ثم الكفر بالله واعتقاد ألوهية المسيح، ثم التعليم بإعطاء المرأة كمال حريتها تتصرف في نفسها كيف شاءت بدون مانع كالرجل، وغير ذلك من مساوئ التعلم والتعليم عندهم، غير أن مسلوب العقل يرى القبيح حسنًا والجهل علمًا، وبلا شك إن المرأة المسلمة الأمية أحسن دَلًّا وأدبًا ونظافةً وتهذيبًا منهن، يقول الله تعالى: ﴿وَلَأَمَةٞ مُّؤۡمِنَةٌ خَيۡرٞ مِّن مُّشۡرِكَةٖ وَلَوۡ أَعۡجَبَتۡكُمۡۗ﴾ [البقرة: 221].
نعم... إنها تعرف لغة قومها وتكتب الكتابة بها، وهذا غاية ما يفتخر به عشاقها، وهو عمل حقير في جنب ما تحمله من فنون الشر الكثير، حيث تعلمت إباحة الزنا وشرب الخمر وإباحة العري وخلع سربال الحياء، بحيث تسبح عارية بمرأى من الرجال، كما تسافر للسياحة وحدها، وأن لها كمال الحرية في التصرف في نفسها، بحيث تصاحب من تحب من أخدانها وتخلو به ويخلو بها، غير محجور عليها في نفسها وتصرفها إلى حالة أن زوجها يطرق عليها الباب وعندها خدنها، فتقول لزوجها: ارجع حتى نفرغ من خلوتنا. ولا يرى في ذلك عارًا عليه ولا عليها لتربيتها على ذهاب الغيرة والمروءة والعفاف.
ومن الأخلاق السائدة بينهم كونهم لا يعدون الزنا جريمة وإن كانوا يرونه نقيصة إذا زنى بها مكرهة أو زنى بها على فراش الزوج، ثم إن من طبيعة النصرانية محاولة العلو والارتفاع على زوجها، بحيث تجعله بمثابة الخادم الذميم والتابع الذليل، ثم إن من مساوئ أخلاقها ما هو معروف ومألوف من عادتهن. وكل ما ذكرنا فإنه من العمل السائد في عرفهن وعوائدهن، فكن كما قيل:
قايست بين جمالها وفعالها
فإذا الملاحة بالقباحة لا تفي
فقس بينها وبين المرأة المسلمة النظيفة الظريفة المهذبة الخارجة من بيت طاهر ومنبت طيب التي تعتقد وجوب الطهارة: أي النظافة عند كل صلاة، ﴿مُحۡصَنَٰتٍ غَيۡرَ مُسَٰفِحَٰتٖ وَلَا مُتَّخِذَٰتِ أَخۡدَانٖۚ﴾ [النساء: 25] الصالحات القانتات الحافظات للغيب بما حفظ الله.
والله سبحانه قد فاوت بين الناس رجالاً ونساء، فجعل منهم من هو أفضل من الملائكة وجعل منهم من هو شر من الشياطين، ولهذا ورد «تَخَيَّرُوا لِنُطَفِكُمْ فَإِنَّ الْعِرْقَ دَسَّاسٌ» [321] أو قال: «نَزَّاعٌ»، ومن كلام بعض الحكماء: إياكم وخضراء الدمن، قيل: وما خضراء الدمن؟ قال: المرأة الحسناء في المنبت السوء.
وقد يستدل بعضهم بأن نكاح النصرانية جائز في الشرع وفي القرآن، ونحن نؤمن بشرع الله ولا نكذب بكتاب الله، فقد أباح الله ذلك للتوسع والتسهيل في دخول دين الإسلام وانتشاره بين الأمم بإظهار سماحته، حيث إن النصرانية تحت المسلم متى عرفت دين الإسلام ومحاسنه، لم تلبث إلا أن تعتقده بحيث إن السيادة والسلطة في قديم الزمان للإسلام على سائر الأديان، فكانت تؤمن به طائعة مختارة، ثم تقوم بواجبها من الدعوة إليه. كما أن جميع الأمم على اختلاف أديانهم رجالهم ونساءهم دخلوا في دين الله أفواجًا أفواجًا طائعين مختارين رجالاً ونساء، بسبب انتشار الدعوة إليه من الرجال والنساء.
ثم إن نكاح الكتابيات مشروط بأن يكن محصنات، أي عفيفات غير مسافحات ولا متخذات أخدان. يقول الله تعالى: ﴿وَطَعَامُ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ حِلّٞ لَّكُمۡ وَطَعَامُكُمۡ حِلّٞ لَّهُمۡۖ وَٱلۡمُحۡصَنَٰتُ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ وَٱلۡمُحۡصَنَٰتُ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلِكُمۡ﴾ [المائدة: 5]، وغالب نساء النصارى في هذا الزمان هن مسافحات أو متخذات أخدان، لكون الزنا وإن كانوا يعدونه نقصًا ورذيلة لكنه قد صار في عرفهم من الأمر الذي يجوز للمرأة أن تتمتع به بشرط ألا تفعله على فراش زوجها فقط؛ لأن النصارى في هذه الأزمنة قد تساهلوا وتوسعوا في إباحة الزنا واللواط وشرب الخمر، بما يعدونه من إعطاء الشخص كمال حريته ويفتخرون بذلك، فهم لا يعدون الزنا جريمة، فأين الإحصان المشروط في القرآن والحالة هذه؟!
وقد أثبت التاريخ الباحث عن أخلاق النصارى، أن المرأة لا تقبل خطبة الرجل إلا من بعد الاختبار والتجربة والصحبة الطويلة بينها وبينه، بحيث يخلو بها ويختبر أحدهما حالة صاحبه ويقوم بالتجربة معه، لا أقول في شيء دون شيء، بل في كل شيء، وفي الغالب أنه ينصرف عنها بعد عمل التجربة معها؛ لأنه إذا نكح الحب فسد، ثم إن الكثير منهم يختار البقاء على المخادنة والسفاح، ويفضله على عقد النكاح الشرعي، ويرى عقد النكاح ثقيلاً عليه في نفسه، من أجل أنه متى ساءت طباعها لم يمكنه القانون من طلاقها، ومن أجله صاروا يختارون السفاح على عقد النكاح. فأين العفاف وأين الإحصان المشروط في نص القرآن والحالة هذه؟! ولا تنس أن نساء الكتابيات الأُول كان لهن عوائد قديمة حسنة من العفاف والإحصان غير عوائد نساء هذا الزمان اللاتي استفاض من أخلاقهن جواز الزنا الواقع بالتراضي، لكون نظام قانونهم يبيح ذلك لهن، كما أباحوا في هذا الزمان جواز اللواط بين الرجال، وجرى الأمر بإباحته قانونًا من برلمانهم.
إنه متى سمح لشباب المسلمين من أهل البلدان العربية في زواج من يشتهونه من النصرانيات واليهوديات، فإنه يترتب عليه فتنة في الأرض وفساد كبير، فإن من لوازمه أن تبقى البنات العذارى المسلمات عوانس وأيامى في بيوت آبائهن، يأكلن شبابهن وتنطوي أعمارهن سنة بعد سنة، لكون هذا الشباب الطائش يشتهي هذا الشيء الممنوع منه ويطلبه بشغف. وأحب شيء إلى الإنسان ما منع.
روى الإمام محمد بن الحسن أن حذيفة بن اليمان تزوج يهودية في المدائن، فكتب إليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أن خل سبيلها. فكتب إليه حذيفة: أحرام هي يا أمير المؤمنين؟! فكتب إليه عمر: أعزم عليك ألا تضع كتابي هذا حتى تخلي سبيلها، فإني أخاف أن يقتدي بك المسلمون، فيختاروا نساء أهل الذمة لجمالهن وكفى بذلك فتنة لنساء المسلمين.
وهذا من حسن نظره لرعيته وهو الحكيم في سياسته وسيادته، حيث سد باب هذه الفتنة عن المسلمين، إذ عندهم من النساء الحسان المسلمات ما يغني شبابهم ويكفيهم عن النساء الكافرات، والمسؤولية أمام الله وأمام خلقه تقع على كاهل حكام المسلمين الذين جعلهم الله رعاة على العباد وحراسًا للبلاد عن دخول الكفر والإلحاد، ولأن من واجب الراعي الشفيق أن يمنع دخول الناقة الجرباء مع الإبل الصحاح، حذرًا من أن تعدي بدائها. ومن المعلوم أن عدوى الأخلاق أضر وأعلق من عدوى الأبدان، والوقاية خير من العلاج، والدفع أيسر من الرفع، ومن ابتغى الخير اتقى الشر، وقد سمى الله الزوجة بالصاحب بالجنب، والنبي ﷺ قال: «لَا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا، وَلَا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ»[322].
وإنما دخلت الخلاعة والتكشف على نساء العرب المسلمات كله من أجل اختلاطهن بالنساء المتفرنجات من نصرانيات وعربيات لا دين لهن ولا خلق، فطفقن يتعلمن منهن هذه اللبسة المزرية الرذيلة لبسة العري والعار، ولبسة الذل والصغار، ولبسة المتشبهات بنساء الكفار، فكانت المرأة تبدي يديها إلى العضد أو الإبط ورجليها إلى الركبة أو إلى نصف الساق، وتمشي حاسرة الرأس والوجه والرقبة في الأسواق، لا يثنيها وجل ولا يلويها حياء ولا خجل، وهذا هو تبرج الجاهلية الأولى الذي نهى عنه القرآن بقوله: ﴿وَلَا تَبَرَّجۡنَ تَبَرُّجَ ٱلۡجَٰهِلِيَّةِ ٱلۡأُولَىٰۖ﴾ [الأحزاب:33]، وأخذت تسري هذه اللبسة في بيوت الأسر والعائلات بطريق العدوى والتقليد الأعمى، بدأت بالصغار، ثم تخلق بها الكبار.
وكلما ضعف دين المرأة وفسد خلقها أوغلت في التبرج وأخلاق التفرنج؛ لأنها ناقصة عقل ودين ومشبهة عقولهن بالقوارير، فمن واجب المسلمة التخلق بزي الإسلام والمسلمات من استعمال اللباس السابغ الساتر الذي تغطي به جميع جسمها، فللمسلمة دينها وسترها وحياؤها وشرفها، وللكافرة خلاعتها وكفرها ﴿وَلَأَمَةٞ مُّؤۡمِنَةٌ خَيۡرٞ مِّن مُّشۡرِكَةٖ وَلَوۡ أَعۡجَبَتۡكُمۡۗ﴾ [البقرة:221].
فيا معشر شباب المسلمين، إن الله شرفكم بالإسلام وفضلكم به على سائر الأنام، متى قمتم بالعمل به على التمام، وإن الشباب نعمة من الله يُسأل عن شكره كل إنسان.
فمن واجب الشاب النجيب أن يحفظ شبابه عن ذهابه في اتباع شهواته، وأن يزكي نفسه بالفضائل واجتناب الرذائل، فيختار لبيته وتربية ذريته امرأة مسلمة صالحة تحفظه في نفسها وماله وعياله، وتكون له وزير صدق في سائر أعماله. ففي الحديث أن النبي ﷺ قال: «الدنيا متاع وخير متاعها الزوجة الصالحة التي إذا نظر إليها سرته، وإن أمرها أطاعته، وإن غاب عنها حفظته في نفسها وماله»[323].
وخير النسا من سرت الزوج منظرًا
ومن حفظته في مغيب ومشهد
قصيرة ألفاظ قعيدة بيتها
قصيرة طرف العين عن كل أبعد
حسيبة أصل من كرام تفز إذًا
بوُلْدٍ كرامٍ والبكارة فاقصد
وقد سمى الله الزوجة بالصاحب بالجنب، فمن علامة ضعف الرأي ونقص العقل، كون الشخص يختار لمصاحبته امرأة غير مؤمنة وغير أمينة لا على نفسه ولا على ماله وعياله، فكم قتلت امرأة زوجها وهو لا يشعر، وفي التاريخ عبر في كثرة الشواهد لهذا الخبر، وكل ما ذكرنا من النهي والتحذير عن نكاح النصرانيات أو اليهوديات، فإنه ينطبق من باب أولى على نكاح كل امرأة ليست بمسلمة ولو كانت عربية، فكل امرأة عربية أو غير عربية لا تحافظ على واجباتها، من طهارتها وصلاتها وصيامها، ولا تطيع زوجها إذا أمرها بذلك، فإنها تعتبر شرًّا من النصرانية ولا يحل لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يمسك بعصمتها ويستديم نكاحها، ﴿لَا هُنَّ حِلّٞ لَّهُمۡ وَلَا هُمۡ يَحِلُّونَ لَهُنَّۖ﴾ ﴿وَلَا تُمۡسِكُواْ بِعِصَمِ ٱلۡكَوَافِرِ﴾[الممتحنة: 10].
لكن كثيرًا من هؤلاء الشباب على مذهب الإباحيين الذين يفضلون الإباحة على كل ما يقيد الشهوة من عقل وأدب ودين، فهم من عشاق الصور الذين ينظرون إلى الصور بعين شهواتهم لا بعين عقولهم، فيختارون الرذيلة على الفضيلة، يظنون من رأيهم القصير وعزمهم الحقير أن الحضارة والمدنية والرقي والتقدم في معاقرة الخمور ومجاراة النصارى في الخلاعة والسفور، قد ضربهم من الجهل سرادق ومن الغباوة إطباق وغرهم بالله الغرور.
تالله لقد سلكوا شعاب الضلالة وسقطوا في هوة المذلة ورضوا بأخلاق المذمة، التي ساقهم إليها ودلهم عليها صريح الجهل وسفالة الأخلاق ومجالسة الفساق، فإن داموا على ما هم عليه ولم يعدلوا سيرتهم ولم يرجعوا إلى طاعة ربهم والتأدب بأخلاق دينهم صاروا مثالاً للمعايب ورشقًا لنبال المثالب، وسيسجل التاريخ مساوئهم السيئة التي خالفوا بها سيرة سلفهم الصالحين الذين شرفوا عليهم بالتمسك بالدين وطاعة رب العالمين، فلا أدري من أحق بالأمن إن كنتم تعلمون! والله أعلم.
وصلى الله عل نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
حرر في 22/ المحرم/1395هـ.
* * *
[315] رواه الترمذي من حديث أبي هريرة. [316] أخرجه ابن حبان في الضعفاء وابن الجوزي في الموضوعات. [317] أخرجه مسلم من حديث عبد الله بن عمرو مختصرًا. [318] متفق عليه من حديث أبي هريرة. [319] أخرجه ابن ماجه من حديث عائشة بلفظ: «وانكحوا الأكفاء». [320] أخرجه أبو داود وأحمد من حديث أبي هريرة. [321] أخرجه ابن ماجه من حديث عائشة بلفظ «وانكحوا الأكفاء». [322] أخرجه أبو داود من حديث أبي سعيد الخدري. [323] أخرجه عبد الرزاق في الجامع عن معمر مرسلاً من حديث مجاهد.