متقدم

فهرس الكتاب

 

حكمة مشروعية الطلاق

بما أن الله سبحانه قد شرع النكاح لعموم منفعته وشمول مصلحته التي أهمها بقاء النوع الإنساني لما يترتب عليه من عمار الكون، فكذلك شرع فسخ هذا النكاح عند وجود ما يقتضيه من وقوع الشقاق وعدم الوفاق أو شدة كراهية الزوج لزوجته أو كراهيتها له، يقول الله تعالى: ﴿فَأَمۡسِكُوهُنَّ بِمَعۡرُوفٍ أَوۡ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعۡرُوفٖۚ وَلَا تُمۡسِكُوهُنَّ ضِرَارٗا لِّتَعۡتَدُواْۚ [البقرة: 231] والطلاق بغيض إلى الله لما روى ابن عمر أن النبي ﷺ قال: «أَبْغَضُ الْحَلَالِ إِلَى اللَّهِ الطَّلَاقُ» رواه أبو داود وابن ماجه وصححه الحاكم.

وإنما كان بغيضًا إلى الله من أجل أنه يسبب العداوة والبغضاء بين الأصهار، ولما يعقبه من تشتت الشمل وانقطاع النسل بين الزوجين. لكنه بمثابة الدواء الكريه المر يعالج به ما لا بد منه؛ لأنه متى ساءت الطباع وفسدت الأوضاع بين الزوج والزوجة واستمر بينهما الشقاق وأعيت الحيل في الوفاق فما أحسن الفراق إذا لم تتلاءم الأخلاق؛ فإنه لا عيش ولا أنس ولا سعادة مع شدة كراهية أحد الزوجين لصاحبه، وهذا يعد من محاسن الإسلام الذي جعل الله فيه للمؤمن من كل ضيق فرجًا ومخرجًا، ولم يجعل الزوجة الكريهة في نفسه حرجًا وغلًّا في عنقه لا تنفك عنه حتى يموت أحدهما كزوجة النصارى، ولهذا رجع النصارى مضطرين إلى العمل بشريعة الإسلام في الطلاق، ومن أجل منع القانون لوقوعه بدون سبب صار أحدهم يفضل العزوبة على تحمل مؤنة الزوجة ونفقتها ونفقة عياله منها.

ولا يزال الناس يرجعون بداعي الضرورة إلى العمل بشريعة الإسلام لأنها شريعة الله للناس أجمعين ورحمة للعالمين، فيعودون يعترفون بفضل الإسلام في مشروعيته بعد أن شبعوا من ثلبه[294] والطعن في أحكامه، فهم وإن لم يطبقوا العمل بموجبه لكنهم يعترفون بفضله وصلاحية الحكم به في كل زمان ومكان.

* * *

[294] الثلب: شدة اللوم والأخذ باللسان.