متقدم

فهرس الكتاب

 

تعصب النصارى ضد الإسلام وضد النبي محمد عليه الصلاة والسلام

إن غلاة النصارى من المبشرين والقسيسين قد صار التعدد موضع لجاج وجدال منهم مع المسلمين، حتى صار جل حديثهم في محاضراتهم وأنديتهم وفي صحفهم وكتبهم. ولا نعلم قضية كثر فيها اللجاج والجدال كهذه القضية، على أنها قضية واضحة جلية. وإنه لا يمكن أن يعيش مجتمع بدونها سواء كان التعدد عن طريق مشروع أو محظور.

فهم يبالغون في إنكار التعدد على شريعة الإسلام وعلى خاصة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام في جمعه لتسع نسوة. فيعبرون عن إنكاره بأبشع تعبير، من كل ما ينفر الكبير والصغير عن الإسلام وعن التصديق بنبوة محمد عليه الصلاة والسلام. لاعتقادهم أن ما هم عليه من الانفراد بواحدة هو الحسن الجميل وأن ما عليه الإسلام هو شيء قبيح. فهم يتوارثون التعصب ضد الإسلام وضد النبي محمد عليه الصلاة والسلام جيلاً بعد جيل.

والحق أن النبي محمدًا ﷺ ليس ببدع من الرسل فيه فقد مضى للرسل أمثالها وما هو أكثر منه فيها.

فقد كان لنبي الله داود تسع وتسعون زوجة، وكان لنبي الله سليمان - كما جاء في التوراة - سبعمائة زوجة من الحرائر وثلاثمائة من الجواري وكن أجمل أهل زمانهن، وكذلك أنبياء بني إسرائيل معددون للزوجات من لدن إبراهيم عليه السلام.

وروى البخاري: «قال سليمان بن داود عليه السلام: لأطوفن الليلة بمائة امرأة تلد كل امرأة غلامًا يقاتل في سبيل الله. فقال له الملك: قل إن شاء الله. فلم يقل ونسي، فطاف بهن فلم تلد منهن إلا امرأة نصف إنسان».

قال النبي ﷺ: «لَوْ قَالَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ؛ لَمْ يَحْنَثْ، وَكَانَ أَرْجَى لِحَاجَتِهِ».

وعلماء النصارى يعرفون هذا كله ويصدقون به فلا وجه للإنكار على النبي محمد ﷺ فيه.

إن الله سبحانه يختص برحمته من يشاء، وقد خص الله أنبياءه بمزايا لا يشاركهم فيها غيرهم، أهمها نزول الوحي الذي هو أفضل المزايا على الإطلاق. ثم جمع النبي ﷺ لتسع نسوة كما جمع الأنبياء قبله أكثر منهن. يقول الله تعالى: ﴿وَٱمۡرَأَةٗ مُّؤۡمِنَةً إِن وَهَبَتۡ نَفۡسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنۡ أَرَادَ ٱلنَّبِيُّ أَن يَسۡتَنكِحَهَا خَالِصَةٗ لَّكَ مِن دُونِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۗ [الأحزاب: 50] فأباح الله لنبيه في هذه الآية ما لم يبحه لسائر المؤمنين. ولما أسلم غيلان بن سلمة وكان تحته عشر نسوة أسلمن معه فأمره النبي ﷺ أن يختار منهن أربعًا ويفارق الباقي[292].

ولما نزلت آية التخيير وهي قوله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لِّأَزۡوَٰجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدۡنَ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيۡنَ أُمَتِّعۡكُنَّ وَأُسَرِّحۡكُنَّ سَرَاحٗا جَمِيلٗا ٢٨ وَإِن كُنتُنَّ تُرِدۡنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَٱلدَّارَ ٱلۡأٓخِرَةَ فَإِنَّ ٱللَّهَ أَعَدَّ لِلۡمُحۡسِنَٰتِ مِنكُنَّ أَجۡرًا عَظِيمٗا ٢٩ [الأحزاب: 28-29].

فلما خيرهن واخترن الله ورسوله والدار الآخرة أكرمهن الله بأن أمر نبيه ﷺ بأن لا يفارقهن ولا يتزوج عليهن. فقال تعالى: ﴿لَّا يَحِلُّ لَكَ ٱلنِّسَآءُ مِنۢ بَعۡدُ وَلَآ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنۡ أَزۡوَٰجٖ وَلَوۡ أَعۡجَبَكَ حُسۡنُهُنَّ [الأحزاب: 52] فانتهى رسول الله ﷺ إلى أمر الله واقتصر عليهن.

* * *

[292] رواه أحمد والترمذي وصححه ابن حبان والحاكم من حديث سالم عن أبيه.