حكم الصوم في بلدان القطبين الشمالي والجنوبي
يبقى الكلام في البلدان البعيدة عن خط الاستواء والتي تغيب عنها الشمس فترة من الزمان، إذ توجد بلدان تغيب عنها الشمس نصف السنة، ثم تطلع عليها نصف السنة، وهذه البلدان مغمورة بالثلوج والسحب، ويوجد فيها أناس من المسلمين يسألون عن صلاتهم وصيامهم فأصدر العلماء لهم فتاوى باعتماد التقدير بالساعات في صومهم وصلاتهم قياسًا على أقرب بلد منهم من سائر البلدان التي تطلع عليها الشمس في كل يوم، مهما كان اليوم فيها طويلاً أو قصيرًا، لأن الله سبحانه لا يكلف نفسًا إلا وسعها، وفي الحديث: «مَا أَمَرْتُكُمْ بشيء فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» [273]. فيقدرون للإمساك ساعات معدودة على قدر أقرب بلد منهم، وكذلك سائر أوقات الصلاة تتم بالتقدير.
وليعلم أن كل بلد تطلع فيها الشمس وتغرب، فإنه لا يجوز لهم التقدير فيها، وكأن هذه الفتوى مقتبسة من حديث ورد في أشراط الساعة وأن اليوم كالسنة، فقيل لرسول الله ﷺ: ما نصنع بالصلاة والصيام فيه؟ قال: «اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ» [274] هكذا رأيت الحديث ولا يحضرني إسناده، ولعله بعد الخسوف بالشمس والله أعلم. بل يجب الإمساك فيها للصيام من حين يتبين الفجر إلى غروب الشمس، لقوله سبحانه: ﴿وَكُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلۡخَيۡطُ ٱلۡأَبۡيَضُ مِنَ ٱلۡخَيۡطِ ٱلۡأَسۡوَدِ مِنَ ٱلۡفَجۡرِۖ ثُمَّ أَتِمُّواْ ٱلصِّيَامَ إِلَى ٱلَّيۡلِۚ﴾ [البقرة: 187]، والنبي ﷺ يقول: «إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَهُنَا، وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَهُنَا، وَغَرَبَتِ الشَّمْسُ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ» [275].
لقد شاهدنا الصيام في لندن، وكان صوم يوم فيها ومقداره سبع عشرة ساعة أخف بكثير من صوم يوم في نجد أو في الخليج أو في العراق، لكون برودة الجو هناك تلطف على الصائم فلا يحس معها بجوع ولا ظمأ وأكثر يومه يكون نومًا.
وفي الغالب أن أكثر المصطافين في تلك البلدان متى أفطروا رمضان فإنهم لن يستطيعوا القضاء من أجل كسلهم وضعف إيمانهم، فكان صومهم مع الناس والتأسي بهم مما يعد خفيفًا عليهم.
إننا بحاجة ملحة إلى تحقيق رؤية الهلال بعين اليقين، ولسنا بحاجة للمسابقة لنشر خبر الهلال بين المسلمين، فكثير ما يقع الوهم والتخيلات في رؤيته.
* * *
[273] متفق عليه من حديث أبي هريرة. [274] أخرجه مسلم من حديث النواس بن سمعان. [275] متفق عليه من حديث ابن أبي أوفى