متقدم

فهرس الكتاب

 

الحكم في إثبات رمضان دخولاً وخروجًا

من الفقهاء من قال: يجب صوم رمضان برؤية عدل ثقة وإثبات الفطر بشهادة عدلين، كما هو الظاهر من مذهب الحنابلة، وعندهم أنه متى ثبتت رؤية الهلال في بلد لزم جميع الناس الصوم وهي من مفردات المذهب.

ومنهم من قال: يجب الصوم بشهادة عدلين والفطر بشهادة عدلين أيضًا، كما هو الظاهر من مذهب مالك والشافعي، واستدلوا لذلك بحديث ابن عمر، قال: تراءى الناس الهلال على عهد رسول الله ﷺ، فأخبرت النبي ﷺ أني رأيته، فصام وأمر الناس بصيامه. رواه أبو داود وصححه الحاكم وابن حبان.

وعن ابن عباس، أن أعرابيًا جاء إلى النبي ﷺ فقال: إني رأيت الهلال، فقال: «أَتَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهُ إِلَّا اللَّهُ؟» قال: نعم، قال: «أَتَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ؟». قال: نعم، قال: «فَأَذِّنْ فِي النَّاسِ يَا بِلَالُ: أَنْ يَصُومُوا غَدًا» رواه الخمسة وصححه ابن خزيمة وابن حبان ورجح النسائي وقفه.

أما الإمام أبو حنيفة، فإنه يشترط في حالة الصَّحْو[253] الاستفاضة بأن يراه عدد من العدول لا يمكن تواطؤهم على الكذب، ويقول: إنه لا يمكن أن ينظر جميع الناس إلى مطلع الهلال وأبصارهم متساوية والموانع منتفية، ثم يراه واحد واثنان دون الباقين. أما في حالة الغيم فيقبل عنده شاهد واحد.. انتهى. وهذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

وإنما فرّق من فرّق من الفقهاء بين هلال الصوم والفطر؛ لقصد سد الذريعة بأن لا يدعي الفساق أنهم رأوا الهلال ليتعجلوا بذلك الفطر وهم بعد لم يروه.

والكلام هنا يرجع إلى حقيقة الإثبات وعدمه، إذ ما كل ما قيل: إنه رؤي في بلد كذا؛ أن يكون صحيحًا ثابتًا ولا كون مدعي الرؤية عدلاً صادقًا. فقد ذكر الفقهاء لصحة الشهادة على الهلال كونه يشهد به عدلان ثقتان، ثم هم يفسرون العدالة المطلوبة لصحة الشهادة بأنها التزام فرائض الصلوات الخمس بسننها الراتبة واجتناب المحارم، بأن لا يأتي كبيرة ولا يدمن على صغيرة، والثانية استعمال المروءة وهي فعل ما يجمله ويزينه واجتناب ما يدنسه ويشينه، فهذه الشروط إن لم تُدرك كلها فلن تُترك كلها.

وقد ثبت بالتجربة والاختبار كثرة كذب المدعين لرؤية الهلال في هذا الزمان، وكون الناس يرون الشهر قويا مضيئًا صباحًا من جهة الشرق، ثم يشهد به أحدهم مساء من جهة الغرب وهو مستحيل قطعًا، ويشهدون برؤيته الليلة ثم لا يراه الناس الليلة الثانية من كل ما يؤكد بطلان شهادتهم، فالاستمرار على هذا الخطأ المتكرر الناشئ عن الشهادة المزيفة لا يجيزه النص ولا القياس، ومتى رؤي الهلال رؤية صحيحة في بلد، فإنه يُرى غالبًا في أكثر البلدان، فيتقارب بذلك الاتفاق بين جميع المسلمين في الصوم والعيد.

فلو أن فقهاءنا المتقدمين القائلين بثبات دخول الشهر بشهادة الواحد وخروجه باثنين، وكونه إذا ثبت في بلد لزم جميع الناس الصوم، فلو أنهم عاشوا إلى عصرنا اليوم وشاهدوا ما وقع الناس فيه من الأخطاء التي تنشأ عن شهادة الواحد والاثنين، لتبدل رأيهم في فنون التوثق والإثبات والاحتراس من الناس، لأن حالة الناس اليوم غير حالتهم في السنين السابقة، فيما يتعلق بشأن الأهلة وطريق إثباتها والشهادة فيها وتعميم العمل بها.

فقد كانت البلدان المتجاورة في قديم الزمان بمثابة المتباعدة، بحيث تكون القرية عن القرية الأخرى قدر مائة كيلو أو أقل أو أكثر، فتثبت رؤية الهلال في إحدى القريتين ولا تعلم الثانية بثباته فيها لصعوبة الاتصالات بينهما إلا عن طريق البعير والحمار، فيحكم قاضي تلك البلدة بصحة رؤية الهلال بشاهدين عدلين، ويأمر بالعمل بذلك من الصوم أو الفطر، فتصوم هذه القرية والبلدة الأخرى المجاورة لها مفطرون، حيث لم يروا الهلال ولم يبلغهم خبر رؤيته.

وكلا القريتين على حق، الصائمون منهم والمفطرون، لأن هذا هو غاية جهدهم واجتهادهم، سواء أصابوا أو أخطؤوا، لأن كل مجتهد في مثل هذا يعتبر مصيبًا في حصول الأجر وحط الوزر، إذ ﴿لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا وُسۡعَهَاۚ [البقرة: 286].

ما عدا قضاء ذلك اليوم الذي سبقت به إحدى القريتين، فإنه من اللازم بالاتفاق وفي الغالب أنه متى ثبتت رؤيته في مثل هذه البلاد رؤية صحيحة، فإنه يرى غالبًا في أكثر البلدان فينتشر أمره ويشتهر خبره، وهذا هو حقيقة الحكمة في خلقه، حيث جعله الله ميقاتًا للناس والحج.

ولو قدر خطأ هذه الرؤية، فإن هذا الخطأ لا يتعدى مكان البلدة المشهود فيها وما حولها فلا يتعدى إلى البلدان الأخرى.

أما الآن وفي هذا الزمان، فإنه بمقتضى اختراع الآلات الناقلة للذَّوَاتِ والمقربة للأصوات من برقيات وإذاعات وتليفونات وتلفزيونات؛ فقد صارت الدنيا كلها كمدينة واحدة وكأن عواصمها على بعدها غرف متجاورة يتخاطبون بينهم شفهيا من بعيد كتخاطبهم من قريب فيسري خبر الرؤية في مشارق الأرض ومغاربها في ساعة واحدة، سواء كان الخبر صحيحًا أو غير صحيح، فيعم الناس الخطأ كما يعمهم الصواب.

فمتى كان الأمر بهذه الصفة، فإن من الحزم وفعل أولي العزم أن يحسب لهذا الأمر الحساب ويستخدم له سائر الوسائل والأسباب من كل ما يقتضي التوثق والثبات بشهادة المعروفين بالعدالة والثقة والرؤية الثابتة المحققة في دخول الشهر وخروجه حتى يكون الناس آمنين على إكمال صومهم فرحين بعيد فطرهم، فلأن نخطئ في التوثق والاحتياط أولى من أن نخطئ في التساهل والاستعجال، وهذا هو حقيقة ما ندعو إليه وننصح به، والله عند لسان كل قائل وقلبه.

وأما حديث ابن عمر في شهادته على الهلال، وكذا حديث الأعرابي الصحابي، فقد وقعت الشهادتان على دخول رمضان ولعلهما في قضية واحدة في سنة واحدة أو في سنين متفرقة.

وعلى كلا الأمرين فليس في الحديثين ما يدل على أنه لم ير الهلال أحد غيرهما، لا من أهل المدينة ولا من حولها من الأعراب، إذ عدم العلم بالشيء ليس علمًا بالعدم، ومن المحتمل أن يكون شاركهما غيرهما في رؤيته، وإن لم يذكر في الحديث اكتفاء بصدور الأمر من رسول الله ﷺ في إثباته.

ثم إنه لا يقاس شهادة ابن عمر وهذا الأعرابي الصحابي على شهادة غيرهما من أهل هذا الزمان، ممن لا تعرف عدالتهم ولا ثقتهم، إذ من المعلوم أن رسول الله ﷺ قد عرف تقوى هذين الشاهدين وثقتهما، فأمضى شهادتهما، إذ القصد الخبر اليقين بالرؤية، وقد وقف رسول الله ﷺ على حقيقة ذلك[254].

ثم إن ابن عباس راوي حديث الأعرابي لم يقبل قول كريب وحده في رؤية دخول رمضان وقد أخبره أن معاوية صام وصام الناس معه حتى قال: أما نحن فلا نصوم حتى نراه أو نكمل العدة ثلاثين يومًا، كما أمر رسول الله ﷺ بذلك.[255]

ثم إن الإثبات يختلف باختلاف الأشخاص والأزمان، فقد جعل النبي ﷺ شهادة خزيمة بن ثابت بشهادة رجلين عدلين لما يعلمه من صدقه وثقته وأمانته، ومن ذلك أنه يشهد الرجل الثقة العدل على الشيء ويشهد بضده عشرة رجال ممن لا تعلم عدالتهم ولا ثقتهم فيمضي القاضي شهادة الواحد العدل ويرد شهادة العشرة لكون الكمية لا تغني عن الكيفية شيئًا. فإن قيل: فقد ثبت عن النبي ﷺ وجوب العمل في الصوم والفطر بشهادة الشاهدين، كما روى أبو داود في سننه عن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، أنه خطب الناس في اليوم الذي يُشك فيه، فقال: إني جالست أصحاب رسول الله وسألتهم وكلهم حدثوني أن رسول الله ﷺ قال: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَتِمُّوا ثَلَاثِينَ، فَإِنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ فَصُومُوا وَأَفْطِرُوا».

فهذا حديث ثابت، يحمل على المراد منه والمقصود به، وأن النبي ﷺ أمرهم إذا شهد شاهدان أن يصوموا ويفطروا، لأنه لن يشهد شاهدان عدلان برؤيته الثابتة في بلد كالمدينة إلا وقد رآه الكثير من الناس في سائر الآفاق، لاعتبار أن كل بلد تراه كذلك أو أكثر البلدان، إذ القصد من الشهود على الرؤية هو إثبات اليقين والحقيقة وهي تحصل بشهادة العدلين، وقد أمضى النبي ﷺ شهادة ابن عمر وشهادة الأعرابي الصحابي، لمّا وقف على حقيقة صدقهما، غير أنه لم يكن مراد النبي ﷺ أنه متى شهد شاهدان مجهولان على رؤية الهلال وجميع الناس لم يروه أنه يجب إمضاؤه وتكليف الناس بالعمل بشهادتهما على قرب الديار وبعدها، فهذا لم يكن مرادًا منه أبدًا. والشهادة أمانة. وأول ما يفقد الناس من دينهم الأمانة وآخر ما يفقدون من دينهم الصلاة، ومعلوم فقدان أكثر الناس في هذا الزمان لعمود دينهم وأمانة وبهم، فضلاً عن فقدان أماناتهم واستخفافهم بشهاداتهم، وقد أخبر النبي ﷺ بهذا الأمر قبل وقوعه، كما في الصحيحين عن عمران بن حصين، أن النبي ﷺ قال: «خَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» - لا أدري أذكر مرتين أو ثلاثًا - «ثُمَّ يَجِيءُ قَوْمٌ يَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ، وَيَخُونُونَ وَلَا يُؤْتَمَنُونَ، وَيَنْذِرُونَ وَلَا يُوفُونَ، وَيَظْهَرُ فِيهِمُ السِّمَنُ».

ففي هذا الحديث الإشارة إلى استخفاف الناس في آخر الزمان بالشهادة، وأنهم يشهدون بما لم يشاهدوه وبما لم يحيطوا بعلمه.

وقد روي من حديث ابن عباس، أن رجلاً جاء إلى النبي ﷺ ليشهد عنده، فقال له: «تَرَى الشَّمْسَ؟» قال: نعم. قال: «مثلها فَاشْهَدْ، أَوْ دَعْ».[256]

فالعدالة التي يشترطها الفقهاء لصحة الشهادة على الهلال وغيره قد صارت مفقودة في هؤلاء الأفراد، الذين يشذ أحدهم بشهادته على الهلال من بين مجموع سائر الناس، بحيث يدعي أحدهم رؤيته الليلة ثم لا يراه جميع الناس الليلة الثانية، ويدعي رؤيته في وقت هي مستحيلة فيه بمقتضى الدليل العقلي على عدم إمكانها، كأن يراه الناس نيرًا مضيئًا صباحًا فيما بين الفجر وطلوع الشمس ثم يدعي أحدهم رؤيته مساء من ذلك اليوم، وهذا لا يتفق أبدًا والدعوى برؤية الهلال معه تعتبر كاذبة كما سيأتي بيانه.

ومما يؤكد هذه الغرابة وبطلان هذه الشهادة، كون البدو الذين يسكنون في الصحراء البعيدة عن كبار المدن ودخانها وارتفاع بنيانها وقد مُنحوا من قوة الإبصار نتيجة صحة الأجسام، فكان أحدهم يرى ويعرف سمة الإبل قبل أن يرى أكثر الحضر أجسامها، ويحرصون أشد الحرص على التطلع إلى الهلال وقت التحري له ولا يرونه، بينما يدعي أحد هؤلاء رؤيته وهي غير صحيحة في ظاهر الأمر.

فلا عبرة بمثل شهادة هؤلاء، مع قيام الدليل العقلي على بطلانها، لأن من شرط صحة الشهادة كونها تنفك عما يكذبها.

ثم إن رؤية الهلال يقع فيها الوهم والاشتباه دائمًا حتى من بعض العدول الثقات، بحيث يخيل للشخص أنه رأى الهلال ولم يكن هلالاً ﴿كَسَرَابِۢ بِقِيعَةٖ يَحۡسَبُهُ ٱلظَّمۡ‍َٔانُ مَآءً حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَهُۥ لَمۡ يَجِدۡهُ شَيۡ‍ٔٗا [النور: 39].

من ذلك أن جماعة كانوا يتراءون هلال رمضان وفيهم أنس بن مالك رضي الله عنه، خادم رسول الله ﷺ وكان قد قارب مائة سنة، وفيهم إياس بن معاوية، المعروف بالفراسة، فبينما هم ينظرون إليه إذ قال أنس بن مالك: أنا رأيت الهلال هو ذاك. وأخذ يشير بإصبعه إليه ولا يراه الناس، فقام إياس بن معاوية فمسح شعر عيني أنس، ثم قال: انظر يا أبا حمزة، هل ترى شيئًا؟ فنظر ثم قال: الآن لا أرى شيئًا. فعرفوا أنها شعرة اعترضت لعينه فحسبها هلالاً[257].

اجتمع عدد من الرؤساء العقلاء في مكان عال من الصحراء يتراءون الهلال، قالوا: فنظرنا إلى قطعة سحاب في شكل الهلال وفي مطلع الهلال، فجعلنا نكبر ويريه بعضنا بعضًا، لا نشك إلا أنه الهلال، فبينما نحن كذلك نحقق فيه النظر، إذ رأيناه يتمزق وبعد قليل اضمحل وزال فعرفنا أنها قطعة سحاب، والله إن العَجُول من الناس ليشهد أنه رأى الهلال، ومثل هذا يقع كثيرًا بين الناس، ولهذا أمر الله بالتثبت في خبر الفاسق.

ثم إن الخبر برؤية الهلال هو بمثابة الخبر عن رسول الله أنه فعل وقال؛ إذ لكلٍّ خبرٌ ديني مما يتعلق بالأحكام والحج والصيام وأمور الحلال والحرام.

ولمّا رأى العلماء كثرة الكذب على رسول الله ﷺ أنه فعل وقال؛ اخترعوا فنَّ الجرح والتعديل ليميزوا به بين الصادق الأمين والكاذب المهين، فكانوا يقولون: فلان كذاب، وفلان مدلس، وفلان كثير الوهم، وفلان غير ثبت، وفلان ينفرد بالمناكير، وفلان يشذ بحديثه عن الثقات، ونحو ذلك من المميزات التي تقتضي التحذير عن الاغترار بخبرهم أو تصديقهم في شهادتهم، وليس هذا من الغيبة المحرمة، بل من النصيحة الواجبة لله ولدينه ولعباده المؤمنين.

وكان أول من اعتنى بالتحفظ على الشهادة والعقاب على ما دخل فيها من النقص والزيادة، هو أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في قصة مشهورة حاصلها ما رواه البخاري في صحيحه، أن أبا موسى الأشعري استأذن على عمر بن الخطاب ثلاث مرات فلم يؤذن له فرجع وكان عمر مشغولاً، فلما أفاق من شغله قال: ألم أسمع صوت عبد الله بن قيس؟ - يعني أبا موسى الأشعري - قالوا: بلى. قال: ائذنوا له. فطلبوه فلم يجدوه، فأرسل في أثره من يرده إليه، ثم قال له: ما حملك على أن ترجع؟ قال: لأني سمعت رسول الله يقول: «إِذَا اسْتَأْذَنَ أَحَدُكُمْ عَلَى أَخِيْهِ ثَلَاثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ، فَلْيَرْجِعْ»، فقال عمر: إني لم أسمع ذلك أبدًا، والله لتأتين بشاهد يشهد لك بذلك، أو لأوجعن ظهرك. فانطلق أبو موسى مذعورًا حتى وقف على ملأ من الأنصار فقال: أنشدكم بالله، هل أحد منكم سمع رسول الله يقول: «إِذَا اسْتَأْذَنَ أَحَدُكُمْ عَلَى أَخِيْهِ ثَلَاثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ، فَلْيَرْجِعْ» قالوا: اللهم نعم سمعناه، فقال: ليشهد معي أحدكم عند عمر. فقالوا: يشهد معك أصغرنا، قم يا أبا سعيد الخدري فاشهد معه. فجاء أبو سعيد فشهد عند عمر فقال: صدقت، أشغلني عنها الصفق بالأسواق.

فهذا من فنون سياسته في رعيته وتثبته في الشهادة بما لا يثق بصحته حتى لا يدخل الخلل على الدين بالنقص والزيادة من طريق الشهادة المزوّرة، وإنما سميت الشهادة الكاذبة بشهادة الزور لازورارها عن طريق الحق والعدل.

وخطب النبي ﷺ فقال: «عَدَلَتْ شَهَادَةُ الزُّورِ الْإِشْرَاكَ بِاللَّهِ» ثم قرأ: ﴿فَٱجۡتَنِبُواْ ٱلرِّجۡسَ مِنَ ٱلۡأَوۡثَٰنِ وَٱجۡتَنِبُواْ قَوۡلَ ٱلزُّورِ ٣٠ حُنَفَآءَ لِلَّهِ غَيۡرَ مُشۡرِكِينَ بِهِۦۚ [الحج:30-31] رواه الإمام أحمد من حديث خريم بن فاتك الأسدي.

* * *

[253] الصَّحْو: ذهاب الغيم. [254] إذ لا يشترط لصحة الدخول في صوم رمضان حكم القاضي بذلك بل لو أخبره ثقة عدل أنه رأى هلال رمضان فصدقه وجب عليه أن يصوم، وكذا لو رأى بنفسه الهلال فردت شهادته أو لم يشهد به بخلاف ما لو رأى بنفسه هلال شوال فلم تقبل شهادته أو لم يشهد به، فإنه يجب عليه أن يصوم مع الناس ولا يفطر إلا معهم، كما هو الظاهر من مذهب مالك وأبي حنيفة وفاقًا للحنابلة. [255] رواه مسلم عن كريب. [256] أخرجه البيهقي في شعب الإيمان من حديث ابن عباس. [257] ذكر هذه القصة ابن خلكان في تاريخه في ترجمة إياس - ص 226 الجزء الأول.