فصل فيمن يستحق الزكاة
اعلم أن الله سبحانه قد فصل من يستحق الزكاة بقوله: ﴿۞إِنَّمَا ٱلصَّدَقَٰتُ لِلۡفُقَرَآءِ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱلۡعَٰمِلِينَ عَلَيۡهَا وَٱلۡمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمۡ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَٱلۡغَٰرِمِينَ وَفِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِۖ فَرِيضَةٗ مِّنَ ٱللَّهِۗ﴾ [التوبة: 60]، فأحق المستحقين للزكاة هم الفقراء. وقد بدأ الله بذكرهم لشدة العناية بهم من أجل حاجتهم وهم من لا يجدون شيئًا.
ثم المساكين وهم من يجدون بعض كفاية القوت وينقصهم بعضها، ويكونون مستحقين للزكاة ولو عنده بيت يؤجره أو سيارة يتكسب بها، أو عنده إبل يعيش عياله من لبنها أو يكون قويا مكتسبًا ولكن أجرته لا تقوم بكفاية عيشة أهله وعياله لتمام سَنتهم، فيعطى من الزكاة قدر كفايته وعياله، لقول عمر: أعطوهم من الزكاة ولو راحت عليهم من الإبل كذا وكذا.. لأن هذه الإبل للبدوي بمثابة البيت الذي يسكنه فيؤخذ منه زكاتها. ويعطى من زكاة غيره ما يكفيه وأهله وعياله لكفاية سنتهم، ومن له راتب شهري مقرر من الحكومة قد يكفيه لسَنته فإنها لا تحل له الزكاة، أما إذا كان لا يكفيه لتمام السنة فإنه يجوز أن يعطى من الزكاة.
وأما قول النبي ﷺ في حديث عدي بن الخيار: «إِنَّهُ لَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ، وَلَا لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ»[247] فإنه حديث صحيح لكنه محمول على الكسب الذي يكفيه ويكفي أهله وعياله، أما إذا لم يكف كسبه وأجرة عمله لكفاية أهله وعياله، فإنه يُعطى من الزكاة ما يكفيهم لدخولهم في عموم المساكين، فإن المسكين المستحق للزكاة قد يكون عنده سيارة يتكسب بها أو سفينة أو بيت يؤجره ولكنه لا يكفيه دخله لقوته تمام السنة.
وأما الغارم في نفسه: فهو الذي تتراكم عليه الديون، أو يصاب بحاجة تذهب ماله من حريق أو نهب، أو تحمل حمالة مال من ديات وغيرها في سبيل الإصلاح بين الطائفتين المتنازعتين، فيعطى من الزكاة بقدر ما يؤدي ضمانته.
وقوله: ﴿وَفِي سَبِيلِ ٱللَّهِ﴾، فسره بعض الفقهاء بالمجاهدين. وقيل: إنه يشمل كل فعل لله من بناء المساجد والقناطر وفتح الطرق والمدارس والمستشفيات وسائر ما ينفع الناس.
وأما ﴿وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِۖ﴾ فإنه المسافر الذي انتهى إلى بلد وقد نفدت نفقته فيعطى من الزكاة ما يوصله إلى بلده.. والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
حرر في 12 ربيع الأول سنة 1397هـ.
* * *
[247] رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي والبيهقي عن عبيد الله بن عدي.