فصل في فضل الدعاء وتحقيق نفعه لدفع البلاء ورفعه
قال الله سبحانه: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌۖ أُجِيبُ دَعۡوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِۖ فَلۡيَسۡتَجِيبُواْ لِي وَلۡيُؤۡمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمۡ يَرۡشُدُونَ ١٨٦﴾ [البقرة: 186].
فهذه الآية توجد متوسطة بين آيات الصيام من سورة البقرة، والحكمة في وضعها بين آيات الصيام أن المؤمن الصائم يتوسع في أفعال الطاعات ويكثر من الدعاء والتضرع إلى الله لعلمه أن للصائم دعوة ما ترد، وسبب نزولها أن أناسًا قالوا للنبي ﷺ:يا رسول الله، أربنا قريب فنناجيه أم بعيد فنناديه؟ فأنزل الله هذه الآية[194]. وكان رسول الله في سفر وكان الصحابة إذا علوا الربا كبروا وهللوا، وإذا هبطوا الأودية سبحوا يرفعون بذلك أصواتهم. فنادى منادي رسول الله ﷺ: «أَيُّهَا النَّاسُ، ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، فَإِنَّكُمْ لاَ تَدْعُونَ أَصَمَّ، وَلاَ غَائِبًا، إِنَّمَا تَدْعُونَ سَمِيعًا قَرِيبًا أقرب إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ عُنُقِ رَاحِلَتِهِ».[195]
قوله: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي﴾، أي عباد الإجابة والدعوة الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وإلا فكل الناس عبيد الله بطريق القهر والخلق والتكوين، ولكن السائلين المتضرعين هم عباد الله الصالحون المخلصون الذين يعبدون الله ويدعونه بما شرع لهم ولا يدعون معه أحدًا غيره.
فالدعاء عبادة، لما روى النعمان بن بشير، أن النبي ﷺ قال: «الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ»، ثم قرأ ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ٱدۡعُونِيٓ أَسۡتَجِبۡ لَكُمۡۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ عِبَادَتِي سَيَدۡخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ٦٠﴾ [المؤمن: 60] رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن حبان وقال: صحيح الإسناد.
وفي رواية: «الدُّعَاءُ مُخُّ العِبَادَةِ»[196] ومخ الشيء خالصه فليس شيء أكرم على الله من الدعاء، لأنه عماد الدين ونور السماوات والأرض وسلاح المؤمن وأنه لن يهلك مع الدعاء أحد، كما ثبت بذلك الحديث، والله يحب أن يسأل ويحب الملحين في الدعاء؛ ومن لم يسأل الله يغضب عليه.
الرب يغضب إن تركت سؤاله
وبُنيُّ آدم حين يسأل يغضب
ونظير هذا ما حكى الله عن نبيه يونس عليه السلام؛ وذلك أنه لما غاضبه قومه ولم يقبلوا هدى الله الذي جاء به خرج من البلد مغاضبًا فركب في سفينة، ثم إن السفينة أشرفت على الغرق فقذفوا في البحر جميع ما تحمله لتخف وترتفع فلم ترتفع، فاتفقوا على أن يعملوا قرعة فمن وقع عليه سهم القذف رموا به في البحر، فوقع سهم الإلقاء على نبي الله يونس بن متى، فرموا به في البحر لكون الأنبياء أشد الناس بلاء في الدنيا، قال الله: ﴿فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ ٱلۡمُدۡحَضِينَ ١٤١﴾ [الصافات:141]، أي الملقين ﴿فَٱلۡتَقَمَهُ ٱلۡحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٞ ١٤٢﴾ [الصافات: 142]، أي أن الله سبحانه قد لامه على شدة الغضب الذي خرج من البلد بسببه، وكان من واجبه أن يصبر نفسه على أذى قومه.. فعند ذلك دعا ربه وهو في ظلمات ثلاث: ظلمة البحر وظلمة الليل وظلمة بطن الحوت.. فكان من دعائه: ﴿لَّآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنتَ سُبۡحَٰنَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ ٨٧﴾ [الأنبياء:87 ]، قال الله سبحانه: ﴿فَٱسۡتَجَبۡنَا لَهُۥ وَنَجَّيۡنَٰهُ مِنَ ٱلۡغَمِّۚ وَكَذَٰلِكَ نُۨجِي ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٨٨﴾ [الأنبياء: 88]، ثم ذكر الله سبب هذا الإنجاء وأن سببه كثرة دعائه لربه في حالة الرخاء، فقال تعالى: ﴿فَلَوۡلَآ أَنَّهُۥ كَانَ مِنَ ٱلۡمُسَبِّحِينَ ١٤٣ لَلَبِثَ فِي بَطۡنِهِۦٓ إِلَىٰ يَوۡمِ يُبۡعَثُونَ ١٤٤﴾ [الصافات: 143-144] وفي الحديث أن النبيﷺ قال: «دَعْوَةُ أَخِي ذِي النُّونِ مَا دَعَا بِهَا مكروب إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين»[197]. فمن أحب أن يستجيب الله له عند الشدائد فليكثر من الدعاء في الرخاء، وإذا دعا المسلم بدعاء ليس فيه إثم ولا قطيعة رحم حصل له إحدى ثلاث خصال: «إِمَّا أَنْ يُعَجِّلَ اللهُ لَهُ دَعْوَتَهُ، أَوْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ، أَوْ يَدْفَعُ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا». قالوا: إذًا نكثر يا رسول الله، قال: «فَضْلُ اللهِ أَكْثَرُ»[198]. ومن فتح له باب الدعاء وذاق حلاوته فقد فتح له باب الخير والرحمة والإجابة، كما قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب: إني لا أحمل هم الإجابة ولكن أحمل هم الدعاء، فإذا أعطيت الدعاء وفقت للإجابة[199].
ولهذا يقال: يا ابن آدم لقد بورك لك في حاجة أكثرت فيها من قرع باب سيدك، ومتى كان الدعاء عبادة، بل هو مخ العباد والإنسان مخلوق للعبادة؛ لأن الله يقول: ﴿وَمَا خَلَقۡتُ ٱلۡجِنَّ وَٱلۡإِنسَ إِلَّا لِيَعۡبُدُونِ ٥٦﴾ [الذاريات: 56] فإنه لا ينبغي للإنسان أن يسأم من الدعاء ولا يعجز عنه، ففي الحديث: «يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ، يَقُولُ: قَدْ دَعَوْتُ وَدَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي» [200]. وأفضل العبادة انتظار الفرج، وفي الحديث: «لوذوا بيا ذا الجلال والإكرام»:[201] أي الزموا وداوموا. والله يقول: ﴿قُلۡ مَا يَعۡبَؤُاْ بِكُمۡ رَبِّي لَوۡلَا دُعَآؤُكُمۡۖ﴾ [الفرقان: 77]، سواء قلنا: إن المراد به دعاء العبادة أو دعاء المسألة.
فالدعاء بمثابة الأشجار المثمرة والخزائن المدخرة ينفع مما نزل ومما لم ينزل، فهو يدفع البلاء بعد انعقاده وقبل نزوله، ويرفعه بعد نزوله.. لقول النبي ﷺ: «لَا يَرُدُّ الْقَدَرَ إِلَّا الدُّعَاءُ، وَلَا يَزِيدُ فِي الْعُمُرِ إِلَّا الْبِرُّ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ، بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ»[202]. فأخبر النبي ﷺ أن الدعاء يرد القدر والقضاء، وفي دعاء القنوت: «وَقِنَا وَاصْرِفْ عَنَّا شَرَّ مَا قَضَيْتَ»[203] فلو لم يكن الدعاء سببًا في صرف شر القدر والقضاء.. لما شرعه النبي وأرشد إليه أمته.. وفي المراسيل أن النبي ﷺ قال: «حَصِّنُوا أَمْوَالَكُمْ بِالزَّكَاةِ، وَدَاوُوا مَرْضَاكُمْ بِالصَّدَقَةَ، واستدفعوا أَمْوَاجَ الْبَلَاءِ بِالدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ».[204] وفي حديث ابن عباس: أن النبي ﷺ قال له: «احْفَظْ اللهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظْ اللهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، تَعَرَّفْ إلَى اللهِ فِي الرَّخَاءِ، يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللهِ» رواه الترمذي بطوله وقال: حديث حسن صحيح.
إنه متى كان الإنسان له معاملة مع ربه بالدعاء والتضرع في حالة رخائه وسرائه، ثم وقع في شدة من الشدات فدعا الله عز وجل، قالت الملائكة: يا رب صوت معروف من عبد معروف.. اللهم استجب دعاءه[205]. ولهذا كان من دعاء بعض السلف: اللهم إنك أمرت بالدعاء ووعدت بالإجابة، وقد سألتك كما أمرتني فاستجب لي كما وعدتني. إن الإحسان هو أن تعبد الله كأنك تراه وتعتقد بأن دعاءك واقع بمسمع من الله.. كانت عائشة رضي الله عنها تقول: سبحان من وسع سمعه الأصوات، لقد أتت المجادلة - أي خولة بنت ثعلبة - إلى رسول الله ﷺ تشتكي زوجها - أي أوس بن الصامت - وتقول: إنه أفنى شبابي وأكل مالي وكان لي منه عيال، فلما كبر سنه ظاهر مني، أشكو إلى الله حالي، والله إني لفي ناحية البيت أسمع بعض كلامها ويخفى علي بعضه، فما برحت من مكانها حتى سمع الله تعالى شكواها وأنزل: ﴿قَدۡ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوۡلَ ٱلَّتِي تُجَٰدِلُكَ فِي زَوۡجِهَا وَتَشۡتَكِيٓ إِلَى ٱللَّهِ وَٱللَّهُ يَسۡمَعُ تَحَاوُرَكُمَآۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعُۢ بَصِيرٌ ١﴾ [المجادلة: 1].... إنه يراك ﴿حِينَ تَقُومُ ٢١٨ وَتَقَلُّبَكَ فِي ٱلسَّٰجِدِينَ ٢١٩ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ ٢٢٠﴾ [الشعراء: 218-220].
وللدعاء آداب ينبغي للداعي أن يتأدب بها؛ لأن من حُرم الأدب حرم التوفيق، كما أنها بمثابة الباب الذي يدخل على إجابة الدعاء من طريقه، والله يقول: ﴿وَأۡتُواْ ٱلۡبُيُوتَ مِنۡ أَبۡوَٰبِهَاۚ﴾ [البقرة: 189]:
الأول: طيب المطعم وتنظيف البطن عن أكل الحرام. فقد ذكر رسول الله ﷺ الرجل الذي يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يقول: يا رب. ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك. رواه مسلم من حديث أبي هريرة. فكأن هذا بفعله قد سد باب الإجابة عن نفسه، وقد قال النبي ﷺ لسعد بن أبي وقاص: «يَا سَعْدُ أَطِبْ مَطْعَمَكَ تَكُنْ مُسْتَجَابَ الدَّعْوَةِ»[206].
الثاني: أن يبدأ في دعائه بحمد الله والثناء على ربه والصلاة على نبيه، ثم يدعو بحاجته، فقد سمع النبي ﷺ رجلاً يدعو ولم يحمد الله ولم يصل على النبي ﷺ فقال: «عجل هذا» ثم دعاه فقال: «إذا دعا أحدكم فليبدأ بتحميد ربه والثناء عليه ثم يصلي على النبي ﷺ ثم يدعو بحاجته»[207] لكون الوسائل مطلوبا تقديمها أمام المساءل، يقول الله: ﴿وَٱبۡتَغُوٓاْ إِلَيۡهِ ٱلۡوَسِيلَةَ﴾ [المائدة: 35]، فتقديم الثناء على الله والصلاة على رسوله هي نِعْم الوسيلة التي ترفع الدعاء إلى الله.
ومنها: أن يمد يديه في دعائه؛ لأن في مد اليدين إظهارًا للتذلل والعبودية وإشعارًا بأنه فقير إلى ربه في كل حالاته. وفي الحديث: «إِنَّ رَبَّكُمْ حَيِيٌّ كَرِيمٌ، يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا مَدَّ إِلَيْهِ يَدَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا» أي خائبتين. رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وصححه الحاكم من حديث سلمان.
ومنها: أن يدعو بقلب حاضر موقن بالإجابة، وللدعاء في السجود سر عجيب، كما في الحديث: «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَكْثِرُوا مِنَ الدُّعَاءِ، فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ»[208] فيدعو في سجوده سائر حاجاته من أمور الدنيا والآخرة وبصلاح دنياه وآخرته. وللدعاء أمر عجيب وحسن عاقبة في إصلاح الحال وإصلاح المال والعيال والتوفيق لصالح الأعمال.. فالذي له حظ ونصيب من الدعاء والتضرع إلى الله في كل حالاته وسائر حاجاته ويدعو له أبوه أو تدعو له أمه أو يدعو له الناس على حسن أعماله تجده ملحوظًا من الله بالتوفيق والتسديد وإصلاح الشأن والمحبة في قلوب الناس. أما من ليس له نصيب من الدعاء ولم يذق حلاوة المناجاة ويستكبر عن عبادة ربه ودعائه.. فهذا يعد محرومًا من الخير محرومًا من التقرب إلى الله والتحبب إليه، قد سد عن نفسه باب الرحمة والاستجابة؛ لأن نزع حلاوة المناجاة من القلب هي أشد عقوبة يعاقب بها الشخص وهو لا يشعر. وقد استعاذ النبي ﷺ من أربع، فقال: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ، وَقَلْبٍ لَا يَخْشَعُ، وَنَفْسٍ لَا تَشْبَعُ، وَمِنْ دُعَاءٍ لَا يُسْمَعُ»[209] أي لا يستجاب له.
ومتى كان الدعاء عبادة، بل هو مخ العبادة، فليعلم أن من صرف هذه العبادة لغير الله فقد أشرك بالله ووقع في الشرك الأكبر الذي لا يُغفر.. فمن دعا نبيًّا أو دعا عليًّا أو دعا وليًّا أو دعا عبد القادر أو دعا العيدروس أو دعا صاحب قبر من القبور فقد أشرك بالله، ومن أشرك بالله قد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار ومن يشرك بالله فقد حبط عمله. وأخبر الله بأنه لا أضل ولا أظلم ممن يدعو مخلوقًا دون الله ويتوسل به في قضاء حاجاته وتفريج كرباته، فقال سبحانه: ﴿وَمَنۡ أَضَلُّ مِمَّن يَدۡعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَن لَّا يَسۡتَجِيبُ لَهُۥٓ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَهُمۡ عَن دُعَآئِهِمۡ غَٰفِلُونَ ٥ وَإِذَا حُشِرَ ٱلنَّاسُ كَانُواْ لَهُمۡ أَعۡدَآءٗ وَكَانُواْ بِعِبَادَتِهِمۡ كَٰفِرِينَ ٦﴾ [الأحقاف: 5-6]. فسمى الله دعاء الأنبياء والأولياء عبادة، فهؤلاء الذين يترددون رجالاً ونساءً على بعض القبور ويزعمون أنه قبر ولي وأنه يتصرف في الكون فيسألونه ويتوسلون به في قضاء حوائجهم وتفريج كربهم هم بالحقيقة من أضل الناس طريقة وأفسدهم عقيدة، وإنه لا أجهل ولا أظلم ولا أضل منهم. وإلا فكيف يدعون ميتًا رميمًا في قبره لا يستطيع زيادة في حسنات نفسه ولا نقصًا من سيئاته فضلاً عن أن ينفع غيره.. يقول الله: ﴿إِن تَدۡعُوهُمۡ لَا يَسۡمَعُواْ دُعَآءَكُمۡ وَلَوۡ سَمِعُواْ مَا ٱسۡتَجَابُواْ لَكُمۡۖ وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يَكۡفُرُونَ بِشِرۡكِكُمۡۚ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثۡلُ خَبِيرٖ ١٤﴾ [فاطر: 14] وهو الله. ومثله الذين يأتون عند قبر رسول الله ﷺ فيتضرعون إليه ويسألونه، يقول أحدهم: يا محمد أغثني، يا محمد اشفع لي عند ربي.. وإذا قام أحدهم أو قعد قال: يا رسول الله أو يا علي.. فإن معنى يا رسول الله: أدعو رسول الله. ومعنى يا علي أو يا عبد القادر: أدعو عليًّا أو أدعو عبد القادر. والله يقول: ﴿وَيَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمۡ وَلَا يَنفَعُهُمۡ وَيَقُولُونَ هَٰٓؤُلَآءِ شُفَعَٰٓؤُنَا عِندَ ٱللَّهِۚ﴾ [يونس: 18].
وشفاعة الرسول لا تنال من أشرك بالله، وإنما تكون لمن وحد الله ولم يشرك به أحدًا.. ولما قال رجل للنبي ﷺ: من أحق الناس بشفاعتك يا رسول الله؟ فقال: «مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ»[210] فتلك الشفاعة لأهل الإخلاص ولا تكون لمن أشرك بالله. قال رجل للنبيﷺ: إنا نستشفع بك على الله، قال رسول الله ﷺ: «شأن الله أكبر من ذلك.. إنه لا يتشفع بالله على أحد من خلقه»[211] فنهى رسول الله عن الاستشفاع به أو بجاهه، وأمر أمته بأن يخلصوا دعاءهم لربهم وأن يكثروا من الصلاة عليه فقال: «قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ، اللَّهُمَّ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ» فأمر أمته بأن تدعو له؛ لأن الذي يُدعى له لا يُدعى ﴿وَلَا تَدۡعُ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَۖ فَإِن فَعَلۡتَ فَإِنَّكَ إِذٗا مِّنَ ٱلظَّٰلِمِينَ ١٠٦﴾ [يونس: 106]. نعوذ بالله من الشرك والشك وسوء الأخلاق وفساد الاعتقاد.
* * *
[194] أخرجه عبد الله بن أحمد في السنة من حديث عيينة بن أبي عمران. [195] أخرجه البخاري من حديث أبي موسى الأشعري. [196] رواه الترمذي من حديث أنس. [197] أخرجه الترمذي من حديث سعد بن أبي وقاص. [198]أخرجه ابن أبي شيبة من حديث أبي سعيد. [199] ورد في شرح العقيدة الطحاوية. [200] متفق عليه من حديث أبي هريرة. [201] أخرجه الترمذي من حديث أنس بلفظ: «ألظوا». [202] رواه أحمد وابن ماجه وابن حبان والحاكم من حديث ثوبان وقال: صحيح على شرطهما. [203] متفق عليه من حديث الحسن بن علي. [204]أخرجه الطبراني من حديث عبد الله بن مسعود. [205] أخرجه ابن أبي شيبة من حديث سلمان بلفظ: من امرئ ضعيف. [206] أخرجه الطبراني من حديث ابن عباس. [207]لما روى فضالة بن عبيد أن النبي ﷺ سمع رجلاً يدعو ولم يحمد الله ولم يصل على النبي ﷺ فقال: «عجل هذا» ثم دعاه فقال: «إذا دعا أحدكم فليبدأ بتحميد ربه والثناء عليه ثم يصلي على النبي، ثم يدعو بحاجته». رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وصححه ابن حبان والحاكم. [208] أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة. [209] متفق عليه من حديث أبي هريرة. [210] أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة. [211] أخرجه أبو داود من حديث جبير بن مطعم.