فصل في فضل أكلة السحور وقت السحر
إن تناول أكلة السحور وقت السحر سنة سنها رسول الله ﷺ قولاً منه وفعلاً، ويستحب تعجيل الفطور وتأخير السحور، وقد سماه رسول الله ﷺ بالغداء المبارك لما روى العرباض بن سارية قال: دعاني رسول الله ﷺ إلى السحور في رمضان، قال: «هَلُمَّ إِلَى الْغَدَاءِ الْمُبَارَكِ» رواه أبو داود والنسائي وابن خزيمة وصححه ابن حبان.
وقال: «إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الْمُتَسَحِّرِينَ» رواه البخاري ومسلم عن أنس. وقال «فَرْقُ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ أُكْلَةُ السَّحَرِ»[176]، وقال: «تَسَحَّرُوا، فَإِنَّ فِي السُّحُورِ بَرَكَةً»[177] وقال: «تَسَحَّرُوا، ونِعْمَ السَّحُورُ التَّمْرُ»[178]، وقال: «تَسَحَّرُوا، وَلَوْ بِجُرْعَةٍ مِنْ مَاءٍ»[179] فأرشد النبي ﷺ أمته إلى أكلة السحور ورغبهم فيه ولو بأقل شيء ليستعينوا بالسحور على الصيام، ثم ليتعودوا القيام من آخر الليل لذكر الله والصلاة والاستغفار؛ لأن الله سبحانه ينزل آخر الليل إلى السماء الدنيا، فيقول: «هَلْ مِنْ سَائِلٍ فَأُعْطِيَهُ؟ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَأَغْفِرَ لَهُ؟ هَلْ مِنْ تَائِبٍ فَأَتُوبَ عَلَيْهِ؟»[180]. فأحب رسول الله ﷺ من أمته أن يستيقظوا في هذا الوقت المبارك حتى يكون منهم من يذكر الله، ومنهم من يستغفر، ومنهم من يصلي، ومنهم من يدعو، ومنهم من يتلو القرآن، وحتى لا يكونوا من الغافلين. فسماه السحور المبارك من أجل ما يترتب عليه من الفضائل، ومن أجل أن الله وملائكته يصلون على المتسحرين. وحسبك بها من فضيلة، ويتبعها ما هو أفضل منها وهو شهود المتسحرين لصلاة الفجر في جماعة، الذي ورد فيه حديث: «مَنْ صَلَّى الفجر فِي جَمَاعَةٍ كَانَ كَمَنْ قَامَ اللَّيْلَ كُلَّهُ»[181] وقال: «مَنْ صَلَّى الفجر فِي جَمَاعَةٍ كَانَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ حَتَّى يُمْسِيَ»[182].
وهذا كله من فضائل التيقظ للسحور. أما الرجل الأكول النؤوم الذي يملأ بطنه من أصناف الطعام ولحوم الأنعام، ثم ينام عليه بعد العشاء ولعله لا يستيقظ إلا بعد طلوع الشمس أو إلى وقت الضحى فلا شك أن هذه خلة ذميمة وعادة لئيمة، فكم فات رقّاد الضحى من غنيمة.. فإن التقلل من العشاء والتيقظ وقت السحر فضيلة.. فقد قيل: نم مبكرًا وقم مبكرًا ترى الصحة أحسن ما ترى. وفي وقت السحر تنزل الرحمة وتقسم الغنيمة، فما يطلع الفجر إلا وقد حاز القائمون الغنيمة وحمدوا عند الصباح السرى وما عند أهل الغفلة والنوم خبر مما جرى.
قد هيئوك لأمر لو فطنت له
فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل
وفي الصحيحين أن النبي ﷺ قال: «يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ نَامَ ثَلاَثَ عُقَدٍ يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ، فَارْقُدْ فَإِنْ هُوَ قَامَ وَذَكَرَ اللَّهَ، انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتِ الْعُقْدَةَ الثَّانِيَةَ، فَإِنْ صَلَّى مَا كُتِبَ لَهُ انْحَلَّتْ عُقَدُهُ كُلُّهَا، وَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلاَنَ».
ومن شعر عبد الله بن رواحة:
وفينا رسول الله يتلو كتابه
إذا انشق معروف من الصبح ساطع
أرانا الهدى بعد العمى فقلوبنا
به موقنات أن ما قال واقع
يبيت يجافي جنبه عن فراشه
إذا اشتعلت بالمشركين المضاجع
[176] رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن عمرو بن العاص بلفظ: «فَصْلُ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ أُكْلَةُ السَّحَرِ». [177] رواه الطبراني في الأوسط وابن حبان في صحيحه من حديث ابن عمر. [178] رواه الطبراني في الكبير من حديث السائب بن يزيد، ورواه أبو داود وابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: «نِعْمَ سَحُورُ الْمُؤْمِنِ التَّمْرُ». [179] رواه ابن حبان في صحيحه من حديث عبد الله بن عمر. [180] أخرجه أحمد من حديث أبي هريرة. [181]رواه مالك ومسلم وأبو داود من حديث عثمان بن عفان ولفظه: قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ اللَّيْلَ كُلَّهُ». [182] رواه مسلم وأبو داود والترمذي عن جندب بن عبد الله.