متقدم

فهرس الكتاب

 

تعاليم النبي لأحكام الحج قولاً منه وفعلاً

والنبي ﷺ قد بين للناس في حجهم جميع ما يحتاجون إليه، وما يجب أن يفعلوه وما ينبغي أن يتقوه، فحدد لهم المواقيت الزمانية والمكانية، وحدد لهم الوقوف بعرفة زمانه ومكانه، فقال: «عَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ، وَارْفَعُوا عَنْ بَطْنِ عُرَنَةَ»[80]، وقال: «مَنْ جَاءَ لَيْلَةَ جَمْعٍ قَبْلَ أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ، فَقَدْ أَدْرَكَ»[81] وقال: «أَيَّامُ مِنًى ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، مَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ، وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ»[82]، ونهى أن تصام هذه الأيام إلا لمن لم يجد الهدي، وقال: «مِنًى مُنَاخُ[83] لِمَنْ سَبَقَ»[84]، وقال: «فِجَاجُ مَكَّةَ كُلُّهَا مَنْحَرٌ»[85]، وقال: «لَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ الْقَمِيصَ، وَلَا الْعَمَائِمَ، وَلَا السَّرَاوِيلَاتِ، وَلَا الْبَرَانِسَ، وَلَا الْخِفَافَ، إِلَّا أَحَدٌ لَا يَجِدُ نَعْلَيْنِ، فَلْيَلْبَسِ الْخُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ، وَلَا تَلْبَسُوا شَيْئًا مَسَّهُ الزَّعْفَرَانُ وَلَا الْوَرْسُ»[86].

خطب بهذا في المدينة، لكنه ثبت في الصحيحين من حديث ابن عباس، قال: سمعت رسول الله يخطب بعرفة يقول: «السَّرَاوِيلَاتُ لِمَنْ لَمْ يَجِدِ الْإِزَارَ، وَالخِفَافُ لِمَنْ لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ»، وروى مسلم عن جابر بلفظ: «مَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ؛ فَلْيَلْبَسِ الْخُفَّيْنِ، وَمَنْ لَمْ يَجِدْ إِزَاراً؛ فَلْيَلْبَسْ سَرَاوِيلَ»، ولم يذكر قطع الخفين، وهذا هو آخر الأمرين من رسول الله ﷺ، وقال في الذي وقَصَتْه ناقته بعرفة فمات: «غَسِّلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ - أو قال: في ثوبين -، وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، وَجَنِّبُوهُ الطِّيبَ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا»[87].

وروى أبو داود والنسائي عن عبد الرحمن بن معاذ التيمي، قال: خطبنا رسول اللهﷺ ونحن بمنى ففتحنا أسماعنا حتى كنا نسمع ما يقول ونحن في منازلنا، فطفق يعلمهم مناسكهم حتى بلغ الجمار فوضع إصبعيه السبابتين، ثم قال: «بِحَصَى الْخَذْفِ - وَفِي رِوَايَةٍ: بِمِثْلِ حَصَى الَخَذَفِ - فَارْمُوا، وَإِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ» إلى غير ذلك من التعليمات الكافية الشافية.

فلو كان ما قبل الزوال وقت نهي غير قابل للرمي لحذر منه النبي ﷺ أمته، إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة إليه، وهذا واضح جلي، لا مجال للشك في مثله.

والذي جعل الأمر يشكل على بعض الناس هو أن النبي ﷺ إنما حج حجة واحدة، من أجل أن قريشًا صدته عن الحج فلم تمكنه من دخول مكة حتى فتحها عام ثمانية من الهجرة، وفي السنة التاسعة أمر رسول الله ﷺ أبا بكر بأن يحج بالناس، وأمر عليًّا - رضي الله عنه - بأن ينادي في الناس بسورة براءة، وأن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان له عند رسول الله ﷺ عهد فأجله إلى مدته، قال تعالى: ﴿أَنَّ ٱللَّهَ بَرِيٓءٞ مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ وَرَسُولُهُۥۚ [التوبة:3].

* * *

[80] أخرجه الطبراني في الكبير من حديث عبد الله بن عباس. [81] رواه أحمد وأصحاب السنن الأربعة عن عبد الرحمن بن يعمر. [82] رواه أحمد وأصحاب السنن الأربعة عن عبد الرحمن بن يعمر. [83] مُناخ: أي موضع إناخة الإبل، والمقصود عدم جواز البناء في منَى؛ لأنها موضع العبادات من رمي وذبح وحلق، حتى لا يضيق على الحجيج. [84] أخرجه ابن ماجه من حديث عائشة [85] أخرجه ابن خزيمة في الصحيح من حديث جابر. [86] متفق عليه من حديث عبد الله بن عمر. [87] متفق عليه من حديث ابن عباس.