متقدم

فهرس الكتاب

 

المدرك الثامن: التدليل على التفريق بين الإيمان والإسلام بالاعتماد على آية (32) من سورة فاطر. وضعف هذا الاستدلال

قال الشيخ عبد العزيز: ((قال الله تعالى: ﴿ثُمَّ أَوۡرَثۡنَا ٱلۡكِتَٰبَ ٱلَّذِينَ ٱصۡطَفَيۡنَا مِنۡ عِبَادِنَاۖ فَمِنۡهُمۡ ظَالِمٞ لِّنَفۡسِهِۦ وَمِنۡهُم مُّقۡتَصِدٞ وَمِنۡهُمۡ سَابِقُۢ بِٱلۡخَيۡرَٰتِ بِإِذۡنِ ٱللَّهِ [فاطر: 32]. قال: فالظالم لنفسه: هو الذي أخل ببعض الواجبات أو انتهك بعض المحرمات، والمقتصد: هو الذي قام بفعل الواجبات وترك المحرمات، والسابق: هو الذي قام بفعل الواجبات والمندوبات وترك المحرمات والمكروهات واستفرغ وسعه في مرضاة الله.. )) انتهى.

فالجواب: أن الشيخ عبد العزيز أخذ هذا الإيراد تقليدًا عمن سبقه وهو خارج عن موضع النزاع، وكأنه أراد من الظالم لنفسه أنه التارك لبعض الواجبات والمنتهك بعض المحرمات، ولعله يريد تطبيق المسلم على صفته، والصحيح أن هؤلاء الأصناف الثلاثة كلهم من أهل الجنة، كما تدل عليه فحوى الآية والحديث. وقد روى الإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري، أن النبي ﷺ لما تلا هذه الآية قال: «هؤلاء كلهم في الجنة». لكن الحديث ضعيف.. وروى الإمام أحمد عن أبي الدرداء، قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: قال الله تعالى: ﴿ثُمَّ أَوۡرَثۡنَا ٱلۡكِتَٰبَ ٱلَّذِينَ ٱصۡطَفَيۡنَا مِنۡ عِبَادِنَاۖ فَمِنۡهُمۡ ظَالِمٞ لِّنَفۡسِهِۦ وَمِنۡهُم مُّقۡتَصِدٞ وَمِنۡهُمۡ سَابِقُۢ بِٱلۡخَيۡرَٰتِ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ [فاطر: 32]. قال: «فأما الذين سبقوا فأولئك الذين يدخلون الجنة بغير حساب، وأما الذين اقتصدوا فأولئك الذين يحاسبون حسابًا يسيرًا، وأما الذين ظلموا أنفسهم فأولئك الذين يحبسون في المحشر، ثم هم الذين تلقاهم الله برحمته ويقولون: ﴿ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِيٓ أَذۡهَبَ عَنَّا ٱلۡحَزَنَۖ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٞ شَكُورٌ ٣٤ ٱلَّذِيٓ أَحَلَّنَا دَارَ ٱلۡمُقَامَةِ مِن فَضۡلِهِۦ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٞ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٞ ٣٥ [فاطر: 34-35]».

ثم إن فحوى الآية يدل بطريق الوضوح بأنهم كلهم في الجنة؛ لأن الله وصفهم أولاً: بأنه أورثهم الكتاب وهذه الوراثة صفة عالية. ثم وصفهم بأنه اصطفاهم، والاصطفاء افتعال من الصفوة، فكأنه جعلهم صفوة الخلق. ثم أضافهم إلى نفسه الكريمة بقوله: ﴿مِنۡ عِبَادِنَاۖ، ثم نوّه بفضلهم بقوله: ﴿ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَضۡلُ ٱلۡكَبِيرُ ٣٢ [فاطر: 32].. ثم ختمها بقوله: ﴿جَنَّٰتُ عَدۡنٖ يَدۡخُلُونَهَا يُحَلَّوۡنَ فِيهَا مِنۡ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٖ وَلُؤۡلُؤٗاۖ وَلِبَاسُهُمۡ فِيهَا حَرِيرٞ ٣٣ [فاطر: 33].

والذي أشكل على الشيخ عبد العزيز، هو قوله: ﴿فَمِنۡهُمۡ ظَالِمٞ لِّنَفۡسِهِۦ [فاطر: 32] فمنهم ظالم لنفسه.. فجعل الظالم لنفسه هو التارك للواجبات والمنتهك للمحرمات وخفي عليه أنه ما من أحد من الناس إلا وهو ظالم لنفسه، وفي الصحيحين عن أبي بكر الصديق قال: سمعت رسول الله يقول في دعائه: «اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْنِي، إِنَّكَ أَنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ». وروي «كَبِيْرًا» بدل كثيرًا.

وقال سبحانه: ﴿وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَٰحِشَةً أَوۡ ظَلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ ذَكَرُواْ ٱللَّهَ فَٱسۡتَغۡفَرُواْ لِذُنُوبِهِمۡ وَمَن يَغۡفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلَّا ٱللَّهُ وَلَمۡ يُصِرُّواْ عَلَىٰ مَا فَعَلُواْ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ ١٣٥ أُوْلَٰٓئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغۡفِرَةٞ مِّن رَّبِّهِمۡ وَجَنَّٰتٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ وَنِعۡمَ أَجۡرُ ٱلۡعَٰمِلِينَ ١٣٦ [آل‌عمران: 135-136].