متقدم

فهرس الكتاب

 

المدرك الرابع: النبوة جزء من الرسالة وليست الرسالة جزء من النبوة. وضعف هذا القول

قال الشيخ عبد العزيز، فيما نقله عن شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية رحمه الله قال بعد كلام سبق له: ((فالنبوة داخلة في الرسالة والرسالة أعم من جهة نفسها وأخفى من جهة أهلها، فكل رسول نبي وليس كل نبي رسولاً، والنبوة نفسها جزء من الرسالة، فالرسالة تتناول النبوة وغيرها، بخلاف النبوة فإنها لا تتناول الرسالة)).

ثم نقل عن شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- قائلاً: ((والنبي هو الذي ينبئه الله وهو ينبئ بما آتاه الله، فإن أرسل مع ذلك إلى من خالف أمر الله ليبلغه رسالة الله فهو رسول. وأما إذا كان يعمل بالشريعة قبله ولم يرسل هو إلى أحد يبلغه عن الله رسالة ربه فهو نبي وليس برسول. قال تعالى: ﴿وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ مِن رَّسُولٖ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّآ إِذَا تَمَنَّىٰٓ أَلۡقَى ٱلشَّيۡطَٰنُ فِيٓ أُمۡنِيَّتِهِۦ [الحج: 52])).

فالجواب: أن نقول: إننا متى كنا على الحق ولدينا الدلائل العقلية والنقلية من الكتاب والسنة لصحة ما نقول؛ فإننا لن نتخلى عنه لقول أحد كائنًا من كان، إذ الحق فوق قول كل أحد.. وقد اتفق العلماء على أن كل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله ﷺ، كما اتفقوا أيضًا على أنه لا يترك حق لانفراد قائله، كما لا يقبل باطل لكثرة ناقله، وقد سمى الله نبيه إبراهيم أمة وحده؛ لأن من كان على الحق فهو الأمة الذي يجب أن يقتدى به ولو كان وحده. ويظهر أن شيخ الإسلام رحمه الله قد اضطرب قوله في هذا، فمرة قال: إن كان هذا النبي أرسل إلى من خالف أمر الله ليبلغه رسالة الله فهو رسول، وإن كان يعمل بالشريعة قبله ولم يرسل إلى أحد يبلغه عن الله رسالة ربه فهو نبي وليس برسول.

فقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بهذا، ثم استدلاله بقوله سبحانه: ﴿وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ مِن رَّسُولٖ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّآ إِذَا تَمَنَّىٰٓ أَلۡقَى ٱلشَّيۡطَٰنُ فِيٓ أُمۡنِيَّتِهِۦ [الحج: 52] فإن هذه الآية تثبت إرسال النبي كما تثبت إرسال الرسول، فإن قوله:﴿وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ مِن رَّسُولٖ وَلَا نَبِيٍّ، أي وما أرسلنا من نبي. وهذا واضح جلي، فإن هذه الآية تنص على أن الله يرسل الأنبياء كما يرسل الرسل وهي تحقق ما قلنا، نظيره قوله: ﴿وَمَآ أَرۡسَلۡنَا فِي قَرۡيَةٖ مِّن نَّبِيٍّ إِلَّآ أَخَذۡنَآ أَهۡلَهَا بِٱلۡبَأۡسَآءِ وَٱلضَّرَّآءِ لَعَلَّهُمۡ يَضَّرَّعُونَ ٩٤ [الأعراف: 94]

أخبر سبحانه أنه يرسل الأنبياء إلى أهل القرى، كما قال تعالى: ﴿كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيِّ‍ۧنَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ بِٱلۡحَقِّ لِيَحۡكُمَ بَيۡنَ ٱلنَّاسِ فِيمَا ٱخۡتَلَفُواْ فِيهِۚ [البقرة: 213].

فوصف الله النبيين بصفة المرسلين لكون الأنبياء هم الرسل والرسل هم الأنبياء، نظيره قوله سبحانه: ﴿لَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا رُسُلَنَا بِٱلۡبَيِّنَٰتِ وَأَنزَلۡنَا مَعَهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡمِيزَانَ لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلۡقِسۡطِۖ [الحديد: 25].. فوصف الرسل بما وصف به الأنبياء من الإنذار والتبشير، وأنزل الكتاب عليهم بالحق ليحكموا بين الناس فيما اختلفوا فيه. فهم الوسطاء بين الله وبين خلقه في دعوة الناس إلى ما ينفعهم، وتحذيرهم عما يضرهم ﴿رُّسُلٗا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى ٱللَّهِ حُجَّةُۢ بَعۡدَ ٱلرُّسُلِۚ [النساء: 165] أي خشية أن يقولوا: ﴿مَا جَآءَنَا مِنۢ بَشِيرٖ وَلَا نَذِيرٖۖ [المائدة: 19]..

ولن يخفى أن كل نبي أُوحي إليه بشرع؛ فقد كلف بتبليغه وأرسل إلى الناس من أهل بلده ومن حوله ثم يدعوهم إلى دين الله، فهذا هو ثمرة النبوة التي من لوازمها الرسالة.

وإن هذا الكلام الذي ساقه شيخ الإسلام ليس مستندًا إلى دليل صحيح صريح من الكتاب والسنة يثبت لنا وجود أنبياء تنزل عليهم الملائكة بالوحي، وبشرع من الفرائض والحلال والحرام والأحكام ولم يؤمروا بتبليغه.

ويترجح بأن شيخ الإسلام متأثر بحديث أبي ذر الموضوع الذي فرّق بين الرسل والأنبياء، فميز الرسل بعددهم وميز الأنبياء بعددهم، كما تأثر به غيره حتى صار عقيدة وطريقة، وهو حديث موضوع -أي مكذوب على الرسول- وقد قال علماء الأصول: إن أوضح علامات الوضع كونه يخالف نص القرآن، والقرآن يثبت أن ﴿مِنۡهُم مَّن قَصَصۡنَا عَلَيۡكَ [المؤمن: 78].

ثم يقال: إن الله سبحانه قال: ﴿۞إِنَّآ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ كَمَآ أَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ نُوحٖ وَٱلنَّبِيِّ‍ۧنَ مِنۢ بَعۡدِهِۦۚ، ثم ختمها بقوله: ﴿رُّسُلٗا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى ٱللَّهِ حُجَّةُۢ بَعۡدَ ٱلرُّسُلِۚ [النساء: 163-165]. فالقرآن يثبت أن جميع الأنبياء بعد نوح كلهم قد أوحى الله إليهم وأُرسلوا إلى الناس مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة، وهذه الآيات لم تبقِ مجالاً للشك في الموضوع.
وإذا البينات لم تغن شيئًا
فالتماس الهدى بهن عناء
فكل الأنبياء بعد نوح رسل مبشرون ومنذرون بدون استثناء أحد منهم، ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّٗا ٦٤ [مريم: 64].

يوضحه أن الله سبحانه لا يحابي بوحيه نبيًّا دون نبي، بحيث يوحي إلى أحدهم ويكلفه القيام بالدعوة والتبليغ والإنذار والتحذير والصبر على أذى قومه وعلى ما أصابه في ذات الله، فكان بعضهم يُقتل وبعضهم يُضرب وبعضهم يُسجن وبعضهم يُرجم بالحجارة ويُخرج من بلده ويصابون بفنون من البأساء والضراء، ﴿حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ مَتَىٰ نَصۡرُ ٱللَّهِۗ [البقرة: 214]؛ لأن الأنبياء هم أشد الناس بلاء.

والصنف الثاني من الأنبياء يوحى إليه بشرع تنزل به عليه الملائكة من الله من الأمر والنهي والحلال والحرام، ثم لا يكلفون بدعوة ولا بأمر ولا نهي ولا تبشير ولا تحذير ولا بشيء من إبلاغ هذا الشرع النازل عليهم!! فيكون هذا الشرع المشتمل على الأحكام وأمور الحلال والحرام بمثابة العلم المكتوم، الذي لا يطلع عليه ولا ينتفع به سوى صاحبه لعدم تبليغه والدعوة إليه!! فهذا يعد من القياس البديع ولن يوجد له نظير في شرع الله لكونه يخالف ما أنزل الله به كتبه وأرسل به رسله، يقول الله تعالى: ﴿وَإِذۡ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَٰقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ لَتُبَيِّنُنَّهُۥ لِلنَّاسِ وَلَا تَكۡتُمُونَهُۥ [آل عمران: 187]، ويقول: ﴿وَإِذۡ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَٰقَ ٱلنَّبِيِّ‍ۧنَ لَمَآ ءَاتَيۡتُكُم مِّن كِتَٰبٖ وَحِكۡمَةٖ ثُمَّ جَآءَكُمۡ رَسُولٞ مُّصَدِّقٞ لِّمَا مَعَكُمۡ لَتُؤۡمِنُنَّ بِهِۦ وَلَتَنصُرُنَّهُۥۚ [آل عمران: 81].

والأنبياء هم رؤوس من أوتوا الكتاب وأخذ عليهم العهد والميثاق في بيان الله من الكتاب، وقد قال الله لنبيه: ﴿۞يَٰٓأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغۡ مَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَۖ وَإِن لَّمۡ تَفۡعَلۡ فَمَا بَلَّغۡتَ رِسَالَتَهُۥۚ [المائدة: 67].

فالعالم الذي يبلغ ما أنزل الله من العلم والهدى هو أفضل وأنفع من هذا النبي الذي أوحي إليه بشرع من الأمر والنهي والحلال والحرام، ثم يكتمه ولا يبلغه، ويجلس في بيته تاركًا الناس يموج بعضهم في بعض بفنون الشرك والضلال!!

ثم إننا متى بحثنا عن أصل هذه القاعدة التي صارت طريقة وعقيدة للناس بحيث يتلقفها الصغار عن الكبار ويتعلمها العامة عن العلماء وهي قولهم: الرسول هو من أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه.. والنبي هو من أوحي إليه بشرع ولم يؤمر بتبليغه. فهذه القاعدة حيث لم نجد لها أصلاً في القرآن يثبتها، ولم نجد لها أصلاً عن رسول الله يحققها، ولم يحفظ القول بها عن أحد من الصحابة، علمنا أنها محدثة ليس لها أصل تستند إليه ولا نظير تقاس عليه.

وهؤلاء الذين استقصوا عن مبدأ نشأتها عزوا بداية القول بها إلى الإمام النووي المتوفى عام 676هـ من كتابه: الفتح المبين بشرح الأربعين، حيث قال: الرسول هو من أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه، قال: والنبي هو من أوحي إليه بشرع وإن لم يؤمر بتبليغه، ولذلك كثرت الرسل إذ هم ثلاثمائة وثلاثة عشر.. انتهى.

ويظهر من كلام الإمام النووي رحمه الله أنه متأثر بحديث أبي ذر في التفريق بين الأنبياء والرسل، كما حقق عدد الرسل وأنهم ثلاثمائة وثلاثة عشر، ولا يوجد حصرهم في هذا العدد إلا في حديث أبي ذر الضعيف. وقد غفل رحمه الله عن مصادمته للقرآن الذي هو أوضح الدلائل على وضعه وهو قوله سبحانه: ﴿وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا رُسُلٗا مِّن قَبۡلِكَ مِنۡهُم مَّن قَصَصۡنَا عَلَيۡكَ وَمِنۡهُم مَّن لَّمۡ نَقۡصُصۡ عَلَيۡكَۗ [المؤمن: 78] ومن عادة العلماء أن ينقل بعضهم عن بعض القول بصحته وضعفه، حتى يشتهر وينتشر، ومثله يقع كثيرًا في كتب الفقهاء.

وكذا قوله: ﴿۞إِنَّآ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ كَمَآ أَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ نُوحٖ وَٱلنَّبِيِّ‍ۧنَ مِنۢ بَعۡدِهِۦۚ إلى قوله: ﴿ وَرُسُلٗا قَدۡ قَصَصۡنَٰهُمۡ عَلَيۡكَ مِن قَبۡلُ وَرُسُلٗا لَّمۡ نَقۡصُصۡهُمۡ عَلَيۡكَۚ وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكۡلِيمٗا ١٦٤ [النساء: 163-165].

ومتى تبين لنا أن هذا التفريق بين الأنبياء ليس له أصل لا من القرآن ولا من السنة، وإنما نشأ القول به من الإمام النووي أو من مخلوق مثله.. أفيجوز أن نترك نصوص القرآن لقوله.. والله يقول: ﴿كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيِّ‍ۧنَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ [البقرة: 213] ويقول: ﴿وَمَآ أَرۡسَلۡنَا فِي قَرۡيَةٖ مِّن نَّبِيٍّ إِلَّآ أَخَذۡنَآ أَهۡلَهَا بِٱلۡبَأۡسَآءِ وَٱلضَّرَّآءِ لَعَلَّهُمۡ يَضَّرَّعُونَ ٩٤ [الأعراف: 94]، وكل يؤخذ من قوله ويترك، وما من الناس إلا راد ومردود عليه سوى رسول اللهﷺ.

وقد قيل:
وما كل قول بالقبول مقابل
ولا كل قول واجب الرد والطرد
سوى ما أتى عن ربنا ورسوله
فذلك قول جَلَّ يا ذا عن الرد
وأما أقاويل الرجال فإنها
تدور على حسب الأدلة في النقد
والحاصل أنه متى لم يوجد في القرآن ولا في السنة تحقيق القول بوجود هؤلاء الأنبياء الذين أُوحي إليهم بشرع ولم يؤمروا بتبليغه ولا صفتهم، فإنه يدل على عدم وجودهم، وإنما يوجدون في الأذهان دون العيان!!.

ونقول أيضا: إن الله سبحانه قال: ﴿قُولُوٓاْ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡنَا وَمَآ أُنزِلَ إِلَىٰٓ إِبۡرَٰهِ‍ۧمَ وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَ وَٱلۡأَسۡبَاطِ وَمَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَآ أُوتِيَ ٱلنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمۡ لَا نُفَرِّقُ بَيۡنَ أَحَدٖ مِّنۡهُمۡ وَنَحۡنُ لَهُۥ مُسۡلِمُونَ ١٣٦ [البقرة: 136].

ومثله قوله: ﴿قُلۡ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ عَلَيۡنَا وَمَآ أُنزِلَ عَلَىٰٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَ وَٱلۡأَسۡبَاطِ وَمَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَٱلنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمۡ لَا نُفَرِّقُ بَيۡنَ أَحَدٖ مِّنۡهُمۡ وَنَحۡنُ لَهُۥ مُسۡلِمُونَ ٨٤ [آل عمران: 84].

ومثله قوله: ﴿۞لَّيۡسَ ٱلۡبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمۡ قِبَلَ ٱلۡمَشۡرِقِ وَٱلۡمَغۡرِبِ وَلَٰكِنَّ ٱلۡبِرَّ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ وَٱلۡكِتَٰبِ وَٱلنَّبِيِّ‍ۧنَ [البقرة: 177].

وإذا لم يكن الأنبياء هم الرسل المذكورين في هذه الآيات، فأين الأنبياء الذين أوجب الله الإيمان بهم؟! ثم يقال: هؤلاء الأنبياء الذين أوجب الله الإيمان بهم ونهى عن التفريق بينهم، هل هم أنبياء وليسوا برسل، أم هم أنبياء ورسل؟ ومثله قوله سبحانه: ﴿ءَامَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡهِ مِن رَّبِّهِۦ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَۚ كُلٌّ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَمَلَٰٓئِكَتِهِۦ وَكُتُبِهِۦ وَرُسُلِهِۦ لَا نُفَرِّقُ بَيۡنَ أَحَدٖ مِّن رُّسُلِهِۦۚ [البقرة: 285].

والقول الحق في هذا المقام أن مخرج الأنبياء والرسل في كتاب الله واحد، وأنه إذا أفرد ذكر الأنبياء دخلت فيه الرسل أو أفرد ذكر الرسل دخلت فيه الأنبياء، أشبه ما قلنا بأنه متى أفرد الإسلام دخل فيه الإيمان أو أفرد الإيمان دخل فيه الإسلام على حد سواء، ومثله أن الله سبحانه سمى عباده المؤمنين باسم المسلمين وباسم المؤمنين، وكما سماهم رسول الله بالمسلمين المؤمنين عباد الله، وكما سمى الله كتابه المبين بالقرآن وبالفرقان في قوله: ﴿تَبَارَكَ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلۡفُرۡقَانَ عَلَىٰ عَبۡدِهِۦ [الفرقان: 1] والمسمى واحد.

ونحن لا نصدق بوجود نبي أو أنبياء قد أُوحي إليهم بشرع من الأمر والنهي والفرائض والأحكام وأمور الحلال والحرام، ثم يقال لهم: اجلسوا في بيوتكم ولا تكلفوا أنفسكم شيئًا من الدعوة والتبليغ والإنذار والتحذير!!! وكأن فكرة اعتقادها نشأت عن حديث أبي ذر فرسخت واستقرت عقيدته في نفوس الناس، وهو من سوء تأثير الأحاديث الموضوعة في الأمة، وإنا لنرجو أن يزول هذا الاعتقاد الخاطئ بضده الحق.. فإن الحق مضمون له البقاء ﴿فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ فَيَذۡهَبُ جُفَآءٗۖ [الرعد: 17].