متقدم

فهرس الكتاب

 

[الاعتراض لا يقوم على أساس من العلم و المعرفة]

وقد تبين لنا أن اعتراضاته كلها باطلة لا تعتمد على أساس من العلم والمعرفة، وأن سكوتي عن الجواب قد يعطي بعض الناس شيئًا من الشك والارتياب فيما قلت في الكتاب، مما قد يئول إلى عدم الثقة والاطمئنان إليه..

فلأجله بدا لي أن أُبدي اعتذاري بكشف هذا الاتهام الناشئ عن غلط الأوهام وخطأ الأفهام.
وكم من مليم لم يصب بملامة
ومتبع بالذنب ليس له ذنب
وقد كنت أحسب لهذه النفرة الحساب، فطرقت لسدها كل باب، وجمعت النصوص الجلية والبراهين القطعية ما عسى أن يزيح الشك والارتياب عن الكتاب.. غير أن صواب القول وصحته غير كافلة لصيانتة عن الرد عليه والحط من قدره بحق وبغير حق.

غير أن الناس بطريق الاختبار في القول والنقد يتفاوتون في العلوم والأفهام وفي الغوص إلى استنباط المعاني والأحكام أعظم من تفاوتهم في العقول والأجسام.. فمن واجب العالم الكاتب أن يبدي غوامض البحث ويكشف مشاكله ويبين صحيحه من ضعيفه، حتى يكون جليًّا للعيان، وليس من شأنه أن يفهم من لا يريد أن يفهم.

إنه متى تصدى عالم أو كاتب لتأليف أي رسالة أو أي مقالة أو أي قصيدة فبالغ في تنقيحها بالتدقيق، وبنى قواعدها على دعائم الحق والتحقيق بالدلائل القطعية والبراهين الجلية من نصوص الكتاب والسنة، فحاول جاحد أو حاسد أو جاهل أن يغير محاسنها ويقلب حقائقها وينشر بين الناس بطلانها وعدم الثقة بها ويلبسها ثوبًا من الزور والبهتان والتدليس والكتمان، ليعمي عنها العيان، ويوقع عدم الثقة بها عند العوام وضعفة الأفهام؛ أفيلام صاحبها متى كشف عنها ظلام الاتهام، وأزال عنها ما غشيها من ظلام الأوهام، إذ لا بد للمصدور[106] من أن ينفث[107]، والحجة تقرع بالحجة، ومن حكم عليه بحق فالحق فلجه. ﴿وَلَمَنِ ٱنتَصَرَ بَعۡدَ ظُلۡمِهِۦ فَأُوْلَٰٓئِكَ مَا عَلَيۡهِم مِّن سَبِيلٍ ٤١ [الشورى: 41].

مع العلم أن المبني على دعائم الحق والتحقيق لن يزلزله مجرد النفخ بالريق لأن الحق مضمون له البقاء، فأما الزبد فيذهب جفاء.. وإنا لنرجو لفضيلة الشيخ عبد العزيز في جهده ونقده جزيل الأجر والثواب، سواء أخطأ في النقد أو أصاب، فما رده عليَّ أو الرد عليه إلا محض التلقيح للألباب ويبقى الود ما بقي العتاب.. إذ ما من أحد من الناس إلا وهو راد ومردود عليه، ولنا الأسوة بالصحابة، حيث يرد بعضهم على بعض في مسائل الفروع ولن يجد أحدهم في نفسه حرجًا أو افتخارًا بفلج[108] في رد أخيه عليه؛ لأن قصد الجميع الحق، فهو غايتهم المقصودة وضالتهم المنشودة، وإنا لنرجو في إثارة هذه المباحث بأن لا نعدم من نتائج جميلة وحكم جليلة يثيرها البحث والنقاش، والله الموفق للصواب وإليه المرجع والمآب. وهذا أوان الشروع على رد مداركه، ونسأله سبحانه الهدى والسداد فإنه ولي التوفيق والهادي لأقوم الطريق.

[106] المصدور: الذي يشتكي صدره. [107] ينفث: يبزق. [108] فلج: ظفر وفوز.