[تفضيل بعض الأنبياء والرسل على بعض أمر وارد في الشرع]
أما تفضيل بعضهم على بعض مع إثبات رسالة جميعهم فهذا شيء ثابت، فقد قال الله تعالى: ﴿۞تِلۡكَ ٱلرُّسُلُ فَضَّلۡنَا بَعۡضَهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖۘ﴾ [البقرة: 253] فأثبت التفضيل مع إثبات رسالة الجميع. وأفضل الأنبياء محمد رسول الله؛ فقد قال: «أَنَا سَيِّدُ النَّاسِ، وَأَنَا أَفْضَلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» [97] ومن بعده أولو العزم وهم: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى. ومع ثبات تفضيله كما في حديث الشفاعة وغيره ففي صحيح البخاري أن النبي ﷺ قال: «لَا تُفَضِّلُونِي عَلَى الْأَنْبِيَاءِ» وهذا النهي محمول على تفضيله عليهم في حالة الجدل والمماراة، وقد عبّر عن الرسل باسم الأنبياء بدون فارق، والله سبحانه أمر عباده بأن يقولوا: ﴿ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡنَا وَمَآ أُنزِلَ إِلَىٰٓ إِبۡرَٰهِۧمَ وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَ وَٱلۡأَسۡبَاطِ وَمَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَآ أُوتِيَ ٱلنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمۡ لَا نُفَرِّقُ بَيۡنَ أَحَدٖ مِّنۡهُمۡ وَنَحۡنُ لَهُۥ مُسۡلِمُونَ ١٣٦ فَإِنۡ ءَامَنُواْ بِمِثۡلِ مَآ ءَامَنتُم بِهِۦ فَقَدِ ٱهۡتَدَواْۖ وَّإِن تَوَلَّوۡاْ فَإِنَّمَا هُمۡ فِي شِقَاقٖۖ فَسَيَكۡفِيكَهُمُ ٱللَّهُۚ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ ١٣٧﴾ [البقرة: 136-137] فأمر الله عباده المؤمنين بأن يؤمنوا بكل النبيين وأن لا يفرقوا بين أحد منهم.
ولا شك أن وصف أحدهم بأنه نبي وليس برسول لكونه أوحي إليه بشرع ولم يؤمر بتبليغه، وبعضهم نبي رسول أن هذا هو حقيقة التفريق بينهم، إذ فيه إزالة وصف الرسالة التي هي أعلى المراتب عن بعضهم؛ لأنه وإن فسر هذ ا التفريق بالإيمان ببعضهم والكفر ببعض فإن الخطاب محتمل لهذا وذاك، إذ كِلا الأمرين تفريق بينهم، والقرآن يوجب على المؤمنين أن يؤمنوا بجميع الأنبياء بدون تفريق. وقد وصف الله نبيه والمؤمنين بالإيمان بهم جميعًا فقال تعالى: ﴿ءَامَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡهِ مِن رَّبِّهِۦ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَۚ كُلٌّ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَمَلَٰٓئِكَتِهِۦ وَكُتُبِهِۦ وَرُسُلِهِۦ لَا نُفَرِّقُ بَيۡنَ أَحَدٖ مِّن رُّسُلِهِۦۚ وَقَالُواْ سَمِعۡنَا وَأَطَعۡنَاۖ غُفۡرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيۡكَ ٱلۡمَصِيرُ ٢٨٥﴾ [البقرة: 285].
فذكر سبحانه الأنبياء في هذه الآية باسم الرسل كما ذكرهم في الآية التي قبلها باسم النبيين، والكل حق والمعنى واحد، فالأنبياء هم المرسلون والمرسلون هم الأنبياء، كما أن الله يخاطب نبيه أحيانًا باسم النبي وأحيانًا باسم الرسول والمعنى واحد، فقوله تعالى: ﴿مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٖ مِّن رِّجَالِكُمۡ وَلَٰكِن رَّسُولَ ٱللَّهِ وَخَاتَمَ ٱلنَّبِيِّۧنَ﴾ [الأحزاب: 40] أي وخاتم المرسلين إذ النبيون هم المرسلون.
[97] أخرجه ابن ماجه من حديث أبي سعيد الخدري.