[الأنبياء والرسل كثيرون منهم معروفون، وكثير منهم لم يقص الله علينا خبرهم]
فمنها: حصره الأنبياء في مائة ألف وأربعة وعشرين ألفًا وهذا الحصر مخالف لصريح القرآن، فإن الله يقول: ﴿مِنۡهُم مَّن قَصَصۡنَا عَلَيۡكَ وَمِنۡهُم مَّن لَّمۡ نَقۡصُصۡ عَلَيۡكَۗ﴾ [المؤمن: 78] وقد وردت عدة أحاديث في عدد الأنبياء يخالف بعضها بعضًا، وكلها من الضعاف التي لا يحتج بها. وقد ساقها ابن كثير في التفسير من آخر سورة النساء، وبعضها من قول كعب الأحبار. والذي عليه المحققون من السلف أن لله أنبياء كثيرين لا يعلم عددهم إلا الله تعالى، منهم من قصّ الله خبرهم في كتابه فنؤمن به تفصيلاً ولا نفرق بين أحد منهم، ومنهم من لم يقصص خبرهم. وقالوا: إن من عدّ الأنبياء قد أخطأ وتكلف ما لا علم له به. ومثله: قوله في عدد الرسل وأنهم ثلاثمائة وثلاثة عشر، وكأن هذا منشأ الغلط في التفريق بين الأنبياء والرسل، وأن النبي غير الرسول إذ النبي هو من أوحي إليه بشرع ولم يؤمر بتبليغه فليس كل نبي رسولاً بزعمهم. وهذا التفريق لم نجد له أصلاً قطعًا، كما أن هذا الحديث لا يحتج به، وقد ذكره ابن الجوزي وكثير من العلماء في الموضوعات. والموضوع هو المكذوب على رسول الله ﷺ، وقد حرم أهل الحديث التحديث به إلا في حالة بيان وضعه.
قال في ألفية الحديث:
الخبر الموضوع شر الخبر
وذكره لعالم به احظر
ومثله: قوله في آدم وأنه أول الرسل، والصحيح أن أول الرسل نوح، يقول الله تعالى: ﴿۞إِنَّآ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ كَمَآ أَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ نُوحٖ وَٱلنَّبِيِّۧنَ مِنۢ بَعۡدِهِۦۚ﴾ [النساء: 163] ويعني بالنبيين: المرسلين. ثم قال: ﴿وَرُسُلٗا قَدۡ قَصَصۡنَٰهُمۡ عَلَيۡكَ مِن قَبۡلُ وَرُسُلٗا لَّمۡ نَقۡصُصۡهُمۡ عَلَيۡكَۚ وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكۡلِيمٗا ١٦٤ رُّسُلٗا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى ٱللَّهِ حُجَّةُۢ بَعۡدَ ٱلرُّسُلِۚ﴾ [النساء: 164-165] فذكرهم باسم الأنبياء في قوله: ﴿۞إِنَّآ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ كَمَآ أَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ نُوحٖ وَٱلنَّبِيِّۧنَ مِنۢ بَعۡدِهِۦۚ﴾ [النساء: 163]. ثم ذكرهم باسم الرسل والمعنى واحد، إذ لا يوجد في شرع الله نبي ليس برسول، ولكن الجهل قد عمّ بالناس فصاروا يكذبون على الله وعلى رسوله ويروِّجون كذبهم بين العامة باسم الصحابة كأبي ذرّ ونحوه، ثم إن الكثير من العلماء قد غفلوا عن تحقيق هذا الحديث المكذوب. وكل من تأمل القرآن في موارده ومصادره وأمره ونهيه وقصص أنبيائه فإنه يجده يذكر الرسل باسم الأنبياء، والأنبياء باسم الرسل.