متقدم

فهرس الكتاب

 

الإيمان بالإسراء بنبينا محمد ﷺ

قال الله سبحانه: ﴿نَحۡنُ نَقُصُّ عَلَيۡكَ أَحۡسَنَ ٱلۡقَصَصِ بِمَآ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ وَإِن كُنتَ مِن قَبۡلِهِۦ لَمِنَ ٱلۡغَٰفِلِينَ ٣ [يوسف: 3].

إن هذا القرآن الكريم يقص علينا خبر من كان قبلنا، ونبأ ما سيكون بعدنا، وهو الحكم العدل فيما بيننا؛ يذكر سبحانه بأنه أرسل رسله بالبينات وبالبراهين والمعجزات يدعون الناس إلى عبادة الله وحده، وترك عبادة ما سواه، وليحكموا بين الناس بالقسط.

فمن الناس من استجاب لدعوتهم، وانقاد لطاعتهم، وصدق نبوتهم ومعجزات آياتهم، ومن الناس من بغى وطغى، فلم يستجب لداعي الهدى، وأصرّ على معصيتهم، ولم يؤثر معه ما يراه من معجزات نبوتهم ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ حَقَّتۡ عَلَيۡهِمۡ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤۡمِنُونَ ٩٦ وَلَوۡ جَآءَتۡهُمۡ كُلُّ ءَايَةٍ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلۡعَذَابَ ٱلۡأَلِيمَ ٩٧ [يونس: 96-97].

فهؤلاء قد عوقبوا بما تسمعون من قوله سبحانه: ﴿فَكُلًّا أَخَذۡنَا بِذَنۢبِهِۦۖ فَمِنۡهُم مَّنۡ أَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِ حَاصِبٗا وَمِنۡهُم مَّنۡ أَخَذَتۡهُ ٱلصَّيۡحَةُ وَمِنۡهُم مَّنۡ خَسَفۡنَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ وَمِنۡهُم مَّنۡ أَغۡرَقۡنَاۚ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظۡلِمَهُمۡ وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ ٤٠ [العنكبوت: 40].

إن الناس في المعجزات والأمور المغيبات على قسمين:

أحدهما: المؤمنون الذين آمنوا بالله تعالى، وصدقوا المرسلين، فهم يؤمنون ويصدقون بكل ما أخبر الله به في كتابه، من معجزات أنبيائه تصديقًا جازمًا، سواء أدركوا معرفته بعقولهم، أو لم يدركوه، لأن عدم علمهم بالشيء، ليس دليلاً على عدمه، فقد أتت الرسل بمجاراة العقول، فهم الذين يؤمنون بالغيب، على صفة ما أثبته القرآن، ويقولون: آمنا بالله، وما جاء من الله، على مراد الله.

لأن المسلم الحق، متى آمن بالله القادر على كل شيء، والذي إذا أراد أمرًا قال له: كن. فيكون، فإنه لن يعسر عليه التسليم لكل ما أخبر الله به في كتابه، من معجزات أنبيائه، فقد أجرى الله سبحانه خوارق العادات في خلقه، من معجزات أنبيائه التي تجري على خلاف السنن المطردة والمعروفة والمألوفة عند الناس، مما يدل على قدرة الرب الذي أوجدها، وصدق النبي الذي جاء بها. وإنما سميت معجزة؛ لكون الناس يعجزون عن الإتيان بمثلها، لكونها من صنع الله، لا من صنع الرسول، ولا البشر. ﴿وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأۡتِيَ بِ‍َٔايَةٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِ [الرعد: 38]. وتسمّى الآية، والبينة، والبرهان. ولكل نبي معجزة تناسب حالة قومه ومجتمعهم.

فمن المعجزات: خلق آدم من تراب، ثم قال له: كن. فكان، فصار بشرًا سويًّا. وكخلق حواء من ضلع آدم. وخلق عيسى من أم بلا أب ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَۖ خَلَقَهُۥ مِن تُرَابٖ ثُمَّ قَالَ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ ٥٩ [آل عمران: 59]. ومثله عصا موسى، وهي عود من الشجر، يتوكأ عليها، ويهش بها على غنمه، وإنما صارت آية ومعجزة، حين أمره ربه أن يلقيها، فقال سبحانه: ﴿أَلۡقِهَا يَٰمُوسَىٰ ١٩ فَأَلۡقَىٰهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٞ تَسۡعَىٰ ٢٠ قَالَ خُذۡهَا وَلَا تَخَفۡۖ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا ٱلۡأُولَىٰ ٢١ [طه: 19-21].

إنه حين ألقاها صارت ثعبانًا عظيمًا بإذن الله، ولمّا أمره ربه أن يأخذها صارت عصًا كعصا أحدنا في يده، وكمعجزة الريح لنبي الله سليمان عليه السلام حين قال الله تعالى: ﴿فَسَخَّرۡنَا لَهُ ٱلرِّيحَ تَجۡرِي بِأَمۡرِهِۦ رُخَآءً حَيۡثُ أَصَابَ ٣٦ وَٱلشَّيَٰطِينَ كُلَّ بَنَّآءٖ وَغَوَّاصٖ ٣٧ وَءَاخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي ٱلۡأَصۡفَادِ ٣٨ [ص: 36-38].

فكان يبسط البُسط، ويجلس عليها هو وجميع جنوده على كثرتهم، فتنقلهم غدوها مسيرة شهر ورواحها مسيرة شهر. وكمعجزة نبي الله عيسى عليه الصلاة والسلام حين أنطقه الله في المهد، فقال: ﴿إِنِّي عَبۡدُ ٱللَّهِ ءَاتَىٰنِيَ ٱلۡكِتَٰبَ وَجَعَلَنِي نَبِيّٗا٣٠ وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيۡنَ مَا كُنتُ وَأَوۡصَٰنِي بِٱلصَّلَوٰةِ وَٱلزَّكَوٰةِ مَا دُمۡتُ حَيّٗا٣١ وَبَرَّۢا بِوَٰلِدَتِي وَلَمۡ يَجۡعَلۡنِي جَبَّارٗا شَقِيّٗا٣٢ [مريم: 30-32]. فكان يبرئ الأكمة والأبرص، ويحيي الموتى بإذن الله تعالى.

وأنه لولا هذا القرآن النازل على محمد عليه أفضل الصلاة والسلام حين يقص علينا خبر معجزات الأنبياء، التي تعزز دينهم، وتستدعي قبول دعوتهم - لكذّب الناس بهم، وبالكتب النازلة عليهم.

﴿إِنَّ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ يَقُصُّ عَلَىٰ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ أَكۡثَرَ ٱلَّذِي هُمۡ فِيهِ يَخۡتَلِفُونَ ٧٦ وَإِنَّهُۥ لَهُدٗى وَرَحۡمَةٞ لِّلۡمُؤۡمِنِينَ ٧٧ [النمل: 76-77].

فالتصديق بهذه المعجزات، هي عقيدة المؤمنين، ومن كذّب بها فقد كفر.

الصنف الثاني: الماديون الطبيعيون، الذين ينسبون كل شيء إلى الطبيعة، بمعنى أنها الموجدة لها دون الله، فهم ينكرون ويكذبون بكل ما لم يدركوه بحواسهم، فينكرون وجود الرب، ويكذبون بالملائكة، ويكذبون بالبعث بعد الموت، ويكذبون بالجنة والنار.

وفيهم أنزل الله تعالى: ﴿بَلۡ كَذَّبُواْ بِمَا لَمۡ يُحِيطُواْ بِعِلۡمِهِۦ وَلَمَّا يَأۡتِهِمۡ تَأۡوِيلُهُۥۚ كَذَٰلِكَ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۖ فَٱنظُرۡ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلظَّٰلِمِينَ ٣٩ وَمِنۡهُم مَّن يُؤۡمِنُ بِهِۦ وَمِنۡهُم مَّن لَّا يُؤۡمِنُ بِهِۦۚ وَرَبُّكَ أَعۡلَمُ بِٱلۡمُفۡسِدِينَ ٤٠ [يونس: 39-40].

فهم يبادرون إلى إنكار كل ما سمعوه من الخوارق، والمعجزات، والأمور المغيبات، فهذا دأبهم في نظرياتهم العلمية، ومن لا يؤمن إلا بما يدركه بحواسه، فإنه يعتبر كافرًا بالكتاب وبما أرسل الله به رسله.