متقدم

فهرس الكتاب

 

كفر مشركي العرب بإنكار البعث بعد الموت

إن القرآن الكريم قد أكثر من ذكر البعث بعد الموت، للجزاء على الأعمال، لكون مشركي العرب على طريقة وعقيدة الدهريين، بحيث ينكرون البعث بعد الوفاة، ويكذبون بالجنة والنار، فهم أغلظ كفرًا من اليهود والنصارى، لأن اليهود والنصارى يصدقون بالبعث بعد الموت. ويصدقون بالجنة والنار، فقال سبحانه عن المشركين: ﴿بَلۡ عَجِبُوٓاْ أَن جَآءَهُم مُّنذِرٞ مِّنۡهُمۡ فَقَالَ ٱلۡكَٰفِرُونَ هَٰذَا شَيۡءٌ عَجِيبٌ ٢ أَءِذَا مِتۡنَا وَكُنَّا تُرَابٗاۖ ذَٰلِكَ رَجۡعُۢ بَعِيدٞ ٣ قَدۡ عَلِمۡنَا مَا تَنقُصُ ٱلۡأَرۡضُ مِنۡهُمۡۖ وَعِندَنَا كِتَٰبٌ حَفِيظُۢ ٤ [ق: 2-4]، أي يحفظ أعمالهم، وقال: ﴿وَوُضِعَ ٱلۡكِتَٰبُ فَتَرَى ٱلۡمُجۡرِمِينَ مُشۡفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَٰوَيۡلَتَنَا مَالِ هَٰذَا ٱلۡكِتَٰبِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةٗ وَلَا كَبِيرَةً إِلَّآ أَحۡصَىٰهَاۚ وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِرٗاۗ وَلَا يَظۡلِمُ رَبُّكَ أَحَدٗا ٤٩ [الكهف: 49]، فيقال لكل إنسان: ﴿ٱقۡرَأۡ كِتَٰبَكَ كَفَىٰ بِنَفۡسِكَ ٱلۡيَوۡمَ عَلَيۡكَ حَسِيبٗا ١٤ [الإسراء: 14]، فعقيدة أهل السنة كلهم أن الله سبحانه ينشئ الناس خلقًا جديدًا، حتى الذي أكلته السباع، أو أكلته الحيتان في البحر، أو احترق بالنار حتى كان هباءً ورمادًا، فإن الله سبحانه يبعثهم خلقًا جديدًا، فيحاسبهم على أعمالهم ﴿وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِرٗاۗ وَلَا يَظۡلِمُ رَبُّكَ أَحَدٗا ٤٩ [الكهف: 49]، وفي البخاري أن النبي ﷺ قال: «إِنَّ رَجُلًا مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، قال لبنيه: إِذَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِي بالنار، وَذَرُوا نِصْفِي فِي الْبَرِّ، وَنِصْفِي فِي الْبَحْرِ، فَوَاللهِ لَئِنْ قَدَرَ اللهُ عَلَيَّ لَيُعَذِّبَنِّي عَذَابًا شديدًا». قال: «ففعل به بنوه ما أوصاهم به، فَأَمَرَ اللَّهُ البَحْرَ فَجَمَعَ مَا فِيهِ، وَأَمَرَ الله البَرَّ فَجَمَعَ مَا فِيهِ، فتمثل قائمًا بين يدي الله، فَقَالَ اللهُ لَهُ: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا فَعَلْتَ؟ قَالَ: خَشْيَتُكَ يَا رَبِّ». وقد أخبر سبحانه عن الملحدين المكذبين بالبعث، بأنهم يؤكدون للناس إنكارهم للبعث بعد الموت بأيمانهم الكاذبة، فقال سبحانه: ﴿وَأَقۡسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَيۡمَٰنِهِمۡ لَا يَبۡعَثُ ٱللَّهُ مَن يَمُوتُۚ بَلَىٰ وَعۡدًا عَلَيۡهِ حَقّٗا وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ ٣٨ لِيُبَيِّنَ لَهُمُ ٱلَّذِي يَخۡتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعۡلَمَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَنَّهُمۡ كَانُواْ كَٰذِبِينَ ٣٩ إِنَّمَا قَوۡلُنَا لِشَيۡءٍ إِذَآ أَرَدۡنَٰهُ أَن نَّقُولَ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ ٤٠ [النحل: 38-40] وقال سبحانه: ﴿وَيۡلٞ يَوۡمَئِذٖ لِّلۡمُكَذِّبِينَ ١٠ ٱلَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوۡمِ ٱلدِّينِ ١١ وَمَا يُكَذِّبُ بِهِۦٓ إِلَّا كُلُّ مُعۡتَدٍ أَثِيمٍ ١٢ [المطففين: 10-12]، فسمى الله يوم القيامة بيوم الدين، لأن كل إنسان يُدانُ -أي يجازى بعمله- إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشر.