أصناف الناس تجاه الإيمان بالبعث]
إن الناس في الإيمان بالبعث على صنفين، أحدهما:
الماديون الملحدون: الذين يكذبون بكل ما غاب عن مشاهدهم، فيكذبون بوجود الرب، ويكذبون بالملائكة، ويكذبون بالبعث بعد الموت، ويكذبون بالجنة والنار، ولا يؤمنون إلا بما يحسون ويلمسون ويشاهدون. ويقولون: ﴿مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا ٱلدُّنۡيَا نَمُوتُ وَنَحۡيَا وَمَا يُهۡلِكُنَآ إِلَّا ٱلدَّهۡرُۚ وَمَا لَهُم بِذَٰلِكَ مِنۡ عِلۡمٍۖ إِنۡ هُمۡ إِلَّا يَظُنُّونَ ٢٤﴾ [الجاثية: 24]، وقد أكثر القرآن من إقامة الحجج والبراهين على هؤلاء، وأن أمثال هؤلاء لا يؤمنون، قال تعالى: ﴿وَلَوۡ جَآءَتۡهُمۡ كُلُّ ءَايَةٍ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلۡعَذَابَ ٱلۡأَلِيمَ ٩٧﴾ [يونس: 97].
يقول الله سبحانه: ﴿هَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّا تَأۡوِيلَهُۥۚ﴾ [الأعراف: 53]، أي حين تحق الحقائق ويتجلى الرب للخلائق يوم القيامة، وتبدو الجنة عيانًا، والنار عيانًا، وتظهر الملائكة
قال تعالى: ﴿يَوۡمَ يَأۡتِي تَأۡوِيلُهُۥ يَقُولُ ٱلَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبۡلُ قَدۡ جَآءَتۡ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلۡحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَآءَ فَيَشۡفَعُواْ لَنَآ أَوۡ نُرَدُّ فَنَعۡمَلَ غَيۡرَ ٱلَّذِي كُنَّا نَعۡمَلُۚ قَدۡ خَسِرُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ وَضَلَّ عَنۡهُم مَّا كَانُواْ يَفۡتَرُونَ ٥٣﴾ [الأعراف: 53]
ففي ذلك الوقت وفي تلك الحالة ﴿لَا يَنفَعُ نَفۡسًا إِيمَٰنُهَا لَمۡ تَكُنۡ ءَامَنَتۡ مِن قَبۡلُ أَوۡ كَسَبَتۡ فِيٓ إِيمَٰنِهَا خَيۡرٗاۗ قُلِ ٱنتَظِرُوٓاْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ ١٥٨﴾ [الأنعام: 158]
فهؤلاء الذين يكذبون بالبعث، هم الذين يعيشون في الدنيا عيشة البهائم، ويعتقدون بأنهم كالبهائم على حد سواء، ليس عليهم أمر ولا نهي، ولا حلال ولا حرام، ولا صلاة ولا صيام. وقد قال الله فيهم: ﴿وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَتَمَتَّعُونَ وَيَأۡكُلُونَ كَمَا تَأۡكُلُ ٱلۡأَنۡعَٰمُ وَٱلنَّارُ مَثۡوٗى لَّهُمۡ ١٢﴾ [محمد: 12]، وقال: ﴿أَمۡ تَحۡسَبُ أَنَّ أَكۡثَرَهُمۡ يَسۡمَعُونَ أَوۡ يَعۡقِلُونَۚ إِنۡ هُمۡ إِلَّا كَٱلۡأَنۡعَٰمِ بَلۡ هُمۡ أَضَلُّ سَبِيلًا ٤٤﴾ [الفرقان: 44]. فجعلهم أضل سبيلاً من الأنعام، لكونهم لم يستعملوا مواهب عقولهم وأسماعهم وأبصارهم، فيما خلقت له من عبادة ربهم.
عمي العيون عموا عن كل فائدة
لأنهم كفروا بالله تقليدا
أما المؤمنون: فإنهم يعتقدون ويصدقون بكل ما أخبر الله به في كتابه، وعلى لسان نبيّه، سواء أدركوا ذلك بحواسهم ومشاهدهم أو لم يدركوا، ذلك لأنهم يؤمنون بالله، وما جاء عن الله، على مراد الله، إيمانًا جازمًا لا يخالطه شك، فهؤلاء هم المؤمنون بالغيب، الذين مدحهم الله تعالى بقوله: ﴿ٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡغَيۡبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ ٣ وَٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبۡلِكَ وَبِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ يُوقِنُونَ ٤ أُوْلَٰٓئِكَ عَلَىٰ هُدٗى مِّن رَّبِّهِمۡۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ ٥﴾ [البقرة: 3-5].
فالإيمان بالله ربًّا، وأنه يحيي الموتى هو إيمان بالغيب.
والإيمان بالملائكة، وأنهم خلق من خلق الله، خلقهم لعبادته وخدمته، وهم عقول بلا شهوات، إيمان بالغيب.
والإيمان بالبعث بعد الموت للجزاء على الأعمال هو إيمان بالغيب.
والإيمان بالجنة والنار هو إيمان بالغيب. وقد مدح الله المؤمنين الذين هم بالآخرة يوقنون، أي يصدقون بطريق اليقين الذي لا يخالطه الشك فقال: ﴿أُوْلَٰٓئِكَ عَلَىٰ هُدٗى مِّن رَّبِّهِمۡۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ ٥﴾ [البقرة: 5]، والفلاح: هو الفوز والنجاح بنعيم الدنيا والآخرة.
إن أكبر ما يحفز النفوس، وينشطها للعمل لآخرتها، هو إيمانها بالثواب على حسناتها، والعقاب على سيئاتها، فتنشط إلى فعل الصلاة، وإيتاء الزكاة، والصيام، وصلة الأرحام، والإحسان إلى المساكين والأيتام، وتنشط إلى التضحية بالنفس والنفيس في سبيل الله، وكونه لا يزكي النفس عند الله سوى عملها الصالح. ويقال للناس: ﴿ٱدۡخُلُواْ ٱلۡجَنَّةَ بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ﴾ [النحل: 32] لكون الموت ليس هو فناءً أبديًّا، لكنه خاتمة الحياة الدنيا، وبدء حياة الآخرة.